الاستعراضية الثقافية.. آفة معرفية

11 يونيو 2015
نحن بحاجة إلى التوقف مع أنفسنا لنبحث ماذا نريد(Getty)
+ الخط -
في مسابقات كمال الأجسام يخرج المتسابقون بعد أن يدهنوا أنفسهم بالزيت من أجل استعراض تلك الكتل العضلية الفجة البارزة من أجسامهم، يصفق الجمهور، تلتقط الكاميرات صور اللاعبين أو المستعرضين، توزع ميداليات النصر الكبير، ثم ماذا؟!.

يعود المستعرض إلى حياته الواقعية مزهوا بنفسه، يكابد الأمرين في البحث عن ثياب تناسب مقاساته وتبرز عضلاته، يجد صعوبة في الحركة، يختار طعامه الكثير "كثيراً" بعناية، ربما تعاطى بعض الأدوية والمنشطات، يبقى لديه هاجس المحافظة على الكتل العضلية الكبيرة، يداوم على حضور تمارينه؛ تحولت العضلات من وسيلة في الحياة، إلى هدف للحياة نفسها!.


إذاً هي في حقيقتها عضلات مربوطة لن تنفع إلا في الاستعراض، لهذا نجد أن المفكر الأميركي جوزيف ناي حينما أراد تشبيه العجز عن استخدام القوة النووية التي تمتلكها الدول المتقدمة قال عنها "عضلات مربوطة" لا تفيد إلا في الاستعراض.

وفي بُعد آخر مشابه إلى حد ما في الاستعراضية نلاحظ سيول "ماتريكس" تفيض صوراً ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي يحكي أصحابها أو يبرزون مظاهر الثقافة لديهم، فأخبار زياراتهم لدور النشر ومعارض الكتب تتصدر صفحاتهم، صور أخرى لأنفسهم يحتسون القهوة وبقرب الفنجان كتاب مفتوح يبدو مدهونا بالألوان والخطوط كدليل على القراءة، هذا بخلاف كتابات كثيرة تبرز أهمية القراءة، وحين تقرر الدخول إلى تلك الصفحات بحثاً عن المحكات والكفايات المحققة من القرآءة، عن منتجاتهم الثقافية لن تجد غير ما سبق ذكره من استعراضية غير واقعية، وإذا حاورتهم سلقوك بجمل عامة، وأسلوب متعالٍ على المجتمع، أو بشخصنة الحوار!.

من الجيد أن يحكي لنا البعض قصص بطولاته في دور النشر ومعارض الكتب ويلتقط "سيلفي" مع الكتب والكتاب والمثقفين والمفكرين، ولكن هذا كله لن يكون حقيقياً إن لم تكن تلك البطولات تمثل انعكاساً لكل ما يحاول إبرازه في آليات التفكير ووجهات النظر المركبة وتجاوز الإطار الفكري المعيق للإدراك. إن الاستعراضية اليوم باتت مرضاً متفشيا في كثير من مسارات حياتنا القصيرة، نحن بتنا جزءا من ثقافة السوق الاستهلاكي نعاني من "الفتشية السلعية" في المجال الثقافي حيث بات القارئ العربي يستبدل المنفعة التي تقدمها المعرفة إلى مجرد امتلاك أدوات المعرفة نفسها ثم التباهي بذلك.

نحن اليوم بحاجة إلى التوقف قليلاً مع أنفسنا والبحث في أعماقها عن حقيقة الدوافع التي تحركنا، هل هي الانسياق خلف الاستعراض والبروز والرياء والسمعة، أم أنها للتشجيع على نمط حياة يجب أن يحياه الإنسان المسلم، أن نتحدث أكثر عما قرأناه، عن أبرز الأفكار فيه، أن نربط بين الكُتاب والكتب، أن نقيم ما نقرأه لا وفق أهوائنا بل وفق ما بنيناه من ثقافة ومعرفة. وإلى تبادل خبراتنا في المجالات الثقافية، أن نرتقي في حوارتنا في عالم الأفكار، أن نكون انعكاساً لما نقرأه. نحن بحاجة إلى تمثل فكرة ذلك الفيلسوف الذي قال لشخص مختال بمظهره معجب بهندامه: "تكلم حتى أراك"، تكلم يا صديقي الفيسبوكي حتى أراك.

(البحرين)
دلالات
المساهمون