تعاني موريتانيا حتى اليوم من آثار العبودية التي استمرت فيها لعقود. وترتفع أصوات الحقوقيين مع ظهور حالات استرقاق جديدة في البلاد، وتدعو إلى تشديد العقوبة على المتهمين، ووضع استراتيجية حقيقية لمحاربة الرق وإنشاء جهاز شرطة خاص لتعقب حالات العبودية.
كما أثار كشف المنظمات عن حالات استرقاق غضب الشارع الموريتاني، الذي اعتبر أنّ استهتار السلطات يؤكد وجود حالات أخرى للاسترقاق في موريتانيا، وهو ما دفع منظمات حقوقية إلى القيام بمهام ليست من مهامها.
ورغم إمكانياتها المحدودة، تأخذ المنظمات الحقوقية على عاتقها الكشف والإعلان عن حالات الرق من وقت لآخر. وتلاحق المنظمات من يمارسون الاستعباد في القرى النائية وعلى أطراف الصحراء وأحياناً في منازل فخمة بالمدن الرئيسية. وتجدر الإشارة إلى أنّ هنالك من يتشبث بعبيده السابقين ويرفض تحريرهم حتى اليوم، ويجبرهم على أعمال السخرة من دون مقابل أحياناً.
بدورها، كشفت منظمة "نجدة العبيد" أخيراً، عن حالة استرقاق في الحدود الشمالية لموريتانيا لأسرة من الحراطين، وهم العبيد الأفارقة المحررون. وأبلغت المنظمة السلطات عن الحالة، وصعدت شكواها إلى أعلى السلطات ليتم تحرير الأسرة المستعبدة واعتقال الأسرة المتهمة بجريمة الرق. وتتهم المنظمة السلطات علناً بعدم تطبيق القوانين والتواطؤ مع مرتكبي جرائم العبودية ودفع الضحايا والمتهمين إلى التصالح خشية تأثير ذلك على سمعة البلاد.
من جهته، يقول الناشط الحقوقي أحمدو ولد بركة، إنّ العبودية معضلة حقيقية في موريتانيا بسبب الموروث الاجتماعي الذي يضع الأرقّاء السابقين في أدنى السلّم الاجتماعي ويدفع بعضهم، كرهاً أو جهلاً، إلى القبول بأعمال السخرة. ويضيف: "رغم أنّ الحكومة أقرت أخيراً قانوناً جديداً لتجريم الرق يحل محل القانون القديم، إلاّ أنّ هذه القوانين تبقى من دون فعالية على واقع الرق بسبب تخفّي قضايا العبودية تحت راية العمل المنزلي أو الرعي في الصحراء، بالإضافة الى عدم الصرامة في التصدي للحالات المتهمة بالممارسات الاسترقاقية".
ويشير إلى أنّ القوانين التي أصدرتها الدولة لمحاربة الرق ومخلّفاته لا تحمل طابع الردع والزجر، وهذا ما يفسر ظهور بعض الحالات من حين إلى آخر، خصوصاً في البوادي والأرياف، حيث تستعبد الأسر المعروفة والميسورة أفراداً من الحراطين وتقيّد تنقلاتهم وحرياتهم وترغمهم على العمل الشاق.
اقرأ أيضاً: مريم بنت الشيخ: المجتمع تطرّف باسترقاق "لحراطين"
ويرى ولد بركة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ الموروث الاجتماعي يلعب دوراً رئيسياً في محاباة رجال السلطة لمُلّاك العبيد السابقين على حساب الأرقاء. وغالباً ما تتم تسوية هذه القضايا بالتفريط في حق الضحية، ما يدفع الآخرين إلى الاستهتار بتطبيق قانون محاربة العبودية الجديد.
ويساند الناشط ولد بركة المطلب الذي تقدمت به جمعيات حقوقية بإنشاء جهاز لتعقب جرائم العبودية، معتبراً أنّ هذا الحل هو الأفضل لمواجهة المعضلة وإنقاذ أفراد يضللهم البعض للقبول بالاستعباد أو يرغمهم على ذلك بسبب سلطته وماله.
وكانت جمعيات حقوقية، من بينها المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، قد تقدمت بطلب إلى السلطات لإنشاء جهاز أمني جديد متخصص في جرائم العبودية، تكون مهمته تعقب هذا النوع من الجرائم، إنفاذاً للقانون ومحاربة للظاهرة بشكل أكثر فعالية. وقال المرصد: "بعد مرور أكثر من نصف قرن على الاستقلال، وعلى الرغم من اعتبار ممارسة العبودية جريمة إنسانية يعاقب عليها القانون، ما زالت هذه الظاهرة البشعة مستمرة، يستغل ممارسوها ضعف إنفاذ القوانين والأخلاق المجرمة". وتابع: "ليس من الممكن أن تبقى الدولة الموريتانية، في ظل محاربتها لهذه الظاهرة والبحث عن ممارسيها، تعتمد على الإمكانيات المحدودة للمنظمات الحقوقية".
وأطلقت الحكومة أخيراً خارطة الطريق للقضاء على الأشكال المعاصرة للاسترقاق، من خلال تقييم ما تحقق من أنشطة وإنجازات وإطلاق أنشطة جديدة لصالح المسترقين سابقاً. وأكدت الحكومة أنّ ترقية وحماية حقوق الإنسان تشكل أولوية بالنسبة لها في الفترة الحالية باعتبارها ركيزة أساسية في إرساء دولة القانون والقضاء على كافة أشكال التمييز والتفاوت بين أفراد المجتمع، وتوطيد اللحمة الاجتماعية.
ودعت الحكومة الهيئات الأممية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني إلى المساهمة في تنفيذ توصيات الخارطة.
اقرأ أيضاً: الرق في موريتانيا.. عام من الشد والجذب