لم يعد الاستثمار في السعودية مشجعاً للشركات الأجنبية، بعدما خسرت المملكة مزايا مهمّة كانت تشكل حوافز لتوظيف الأموال، وفي مقدّمها العمالة الرخيصة والضرائب المنخفضة والخدمات المدعومة، في حين أن ركيزة خطة الإصلاح الاقتصادي المتمثلة بالطرح العام الأولي لشركة "أرامكو" متوقفة وربما لن تحدث أبداً.
هذه خلاصة تقريرين نشرتهما صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية يومي الأحد والإثنين على التوالي، حيث كتبت نيندا سالفاتيرّا في التقرير الأول، أن السعودية تحاول جذب رساميل أجنبية بسبب فتور الاستثمارات، مشيرةً إلى أن بعض مراقبي السوق يتبنّى موقفاً مترقّباً لما تعتبره الحكومة السعودية خطط إصلاح اقتصادي جريئة، على وقع انخفاض الاستثمار الأجنبي إلى أدنى مستوياته في 14 عاماً سنة 2017.
يأتي التقرير بعدما شهدت السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، انخفاضاً في الإيرادات وانكماشاً اقتصادياً، إلى حد كبير نتيجة انخفاض أسعار النفط، ولم يخرج البلد من الركود إلا هذا العام.
ويشير التقرير إلى أن توقعات انخفاض أسعار النفط لسنوات هي التي ساعدت في إطلاق خطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتحويل الاقتصاد بعيداً من النفط وباتجاه صناعات توفّر النمو وفرص العمل للسعوديين.
وتعتزم المملكة إنشاء صندوقين استثماريين للحكومة يبلغ مجموعهما أكثر من 18 مليار دولار، من أجل الدخول في مشاريع مع شركات أجنبية، حسبما قال أشخاص مطلعون على هذا الملف.
كما تعمل السعودية على ضخ مليارات الدولارات في شراكات بمجال الترفيه، وتعمل مع "صندوق الرؤية" التابع لمجموعة "SoftBank" لجلب شركات التكنولوجيا إلى السعودية.
ومع ذلك، لم تسجّل السعودية التزامات استثمارية من الشركات العملاقة في الولايات المتحدة، حيث لا يزال المستثمرون متخوّفين من الإنفاق قبل أن يروا نتائج ما يعتبره الأمير محمد "إصلاحات".
كذلك، فإن اعتقال ساسة ورجال أعمال سعوديين في الخريف الماضي، في إطار ما زعمت السلطات أنه كان حملة قمع ضد الفساد، زاد كذلك من حال القلق بين المستثمرين.
وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد إلى 1.4 مليار دولار العام الماضي، هبوطاً من 7.4 مليارات دولار عام 2016، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة الصادرة الشهر المنصرم، وذلك مقارنة بمتوسط بلغ 18.2 مليار دولار سنوياً في الأعوام التي سبقت الأزمة المالية العالمية عامَي 2007 و2008.
وجاء الانخفاض العام الماضي جزئياً بسبب قلة الاستثمارات بين الشركات المتعددة الجنسيات، حسبما قالت الأمم المتحدة، فيما لم يناقض مسؤولون سعوديون هذه الأرقام.
وفي تقرير آخر كتبه روري جونز ومارغريتا ستانكاتي، لاحظت "وول ستريت جورنال" أن السعودية تنفق المليارات لإحياء الاستثمار الأجنبي، مشيرة إلى أن ركيزة خطة الإصلاح الاقتصادي التي وضعها الأمير محمد، والمتمثلة بالطرح العام الأولي لشركة أرامكو، قد توقفت وربما لم تحدث أبداً.
وقالت خبيرة الاقتصاد السياسي لدى معهد دول الخليج العربي في واشنطن، كارين يونغ: "إذا لم يتمكنوا من خلق بيئة ترحب بالاستثمار الأجنبي وتدعمه من خلال اقتصاد قائم على قواعد، فلن يتمكنوا من النجاح في أي نوع من أنواع التغيير".
نائب محافظ الهيئة العامة للاستثمار في السعودية، باسم السلوم، قال بدوره إن عكس اتجاه الاستثمار الأجنبي المتراجع يعد أولوية، مضيفاً: "نحن مهتمون بالعمل مع الشركات التي لديها التكنولوجيا والمعرفة والخبرة من أجل تنفيذ رؤيتنا. ولا يمكننا القيام بذلك بمفردنا. والآن هو الوقت المناسب، وهناك كثير من الفرص هنا".
وبعد استعراض التقرير لمجموعة ما تعتبره السلطات السعودية خطوات إصلاحية، يحذّر معدّا التقرير من أن بعض الإصلاحات تجعل الاستثمار في السعودية أقل جاذبية على رغم أنها قد تكون جيدة للاقتصاد على المدى الطويل.
مجموعة الأعمال الأميركية في الرياض التي تروّج لمصالح الشركات الأميركية في السعودية، يسأل رئيسها كريستوفر جونسون: "ما الذي سيحثّ الشركات العالمية على الاستثمار في السعودية؟"، ليقول إن العوامل الأساسية المشجعة كانت "العمالة الرخيصة والضرائب المنخفضة والخدمات المدعومة، فيما كل هذه الحوافز تتلاشى الآن".