ممارسة عنصرية جديدة للاحتلال ضد قطاع غزة، إذ يمنع المرضى الذين يتهمهم بالانتماء إلى فصائل المقاومة أو أقاربهم من المغادرة عبر معبر بيت حانون (إيرز) للعلاج.
لم يعد أمام الغزيين من المقاومين أو أقاربهم من فرصة للعلاج في مستشفيات فلسطين الداخل، وكذلك الضفة الغربية والأردن، بعدما حظرت حكومة الاحتلال في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي دخولهم إلى الأراضي المحتلة عام 1948. وبحسب القرار، فإنّ من غير المسموح للمحسوبين على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وأقاربهم من الدرجة الأولى باجتياز معبر بيت حانون، بعدما صدر القرار بموجب التماس قدمته عائلة الجندي الصهيوني المفقود في قطاع غزة هدار غولدن إلى المحكمة العليا الصهيونية ضد عدم تطبيق قرارات المجلس الوزاري المصغر "الكابينت" كاملة بخصوص التضييق على حماس لكشف مصير الجنود المفقودين.
وبالتالي، جرى وقف إصدار التصاريح العلاجية الإنسانية نهائياً لعناصر محسوبين على حركة حماس من قطاع غزة إلى الأراضي المحتلة بناءً على تعليمات لمنسق عام شؤون المناطق وكذلك المقربين منهم بالدرجة الأولى. وعلى أرض الواقع، فإنّ الاحتلال يمنع الغزيين المرضى المحسوبين على فصائل أخرى مقاومة أيضاً. وبعضهم يتعرض لابتزاز من جنود الاحتلال للإدلاء بأيّ معلومات عن أقارب لهم.
أم مصطفى أبو حمام انتظرت أكثر من 40 يوماً لإصدار تصريح سماح بالدخول عبر معبر بيت حاون للعلاج داخل أحد مستشفيات الضفة الغربية من أحد أنواع التهاب الكبد الوبائي، لكنّها لاقت الرفض باعتبارات سياسية كما أخبرتها إحدى المؤسسات الحقوقية التي تتواصل مع الصهاينة حول رفض الطلبات. بذلك، تجد أم مصطفى نفسها مضطرة لانتظار فتح معبر رفح على الحدود المصرية مع عشرات آلاف الأسماء من الطلاب والمرضى والحالات الإنسانية، على أمل التمكن من العلاج في مستشفى مصري.
تقول أم مصطفى لـ"العربي الجديد": "أفضّل العلاج في مستشفيات الضفة الغربية في وطني وبين أهلي، ولا أريد العلاج في مصر أو أيّ دولة أخرى لن تشعر في ما نعانيه. لكن ليس أمامي الآن إلاّ التوجه إلى مستشفيات غزة للحصول على علاج مؤقت بانتظار الفرج المتمثل في فتح معبر رفح وتمكني من السفر إلى مصر للعلاج".
نادر طه (47 عاماً) منع في نهاية يناير الماضي من اجتياز معبر بيت حانون. هو مصاب بسرطان الرئة، ولا يستطيع التنفس إلا من خلال أنابيب الأوكسجين التي توفرها له يومياً مؤسسات خيرية محلية في ظل عدم قدرته على توفير ثمنها. كان ينوي العلاج في مستشفى في العاصمة الأردنية عمان. يقول لـ"العربي الجديد": "أليست حرية الاعتقاد والانتماء مكفولة في كلّ القوانين، والاحتلال يدّعي أنّ له دولة ديمقراطية، إذاً، ما ذنبنا نحن المرضى كي يحاسبونا ابتزازاً لأقاربنا المنضوين تحت راية فصائل مقاومة؟ لو كنا أقوياء ويمنعوننا سنتقبل فكرة أنّه ابتزاز لنا، لكنّنا نموت كلّ يوم بانتظار فتح معبر رفح، كما أنّ المستشفيات المصرية ليست بجودة مستشفيات الضفة الغربية والأردن".
من جهتها، لم تستطع إيمان أحمد (52 عاماً) العودة إلى مستشفى النجاح في مدينة نابلس التي تلقت العلاج فيها من مرض سرطان القولون في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بسبب القرار الصهيوني الجديد، وكان من المفترض أن تتلقى جلسات العلاج الثانية لها في بداية شهر فبراير/ شباط الجاري. هي أمّ لشهيد، وعلى هذا الأساس كان المنع، إذ ليس لأبنائها أو أقاربها من الدرجة الأولى أيّ انتماء سياسي. تقول لـ"العربي الجديد": "كان ابني منتمياً إلى أحد أحزاب المقاومة واستشهد خلال مهمة جهادية قبل عامين، فهل يعقل أن أحاسب على ابني الذي لن يعود للحياة؟ وهل تعلم أسرة الأسير الصهيوني أنّ ابنها كان قد دخل إلى غزة ليقتل الأبرياء؟ فمن منا الضحية؟ أهو من ينوي قتل الأبرياء، أم والدة الشهيد الذي مات وهو يدافع عن وطنه؟".
بحسب "مركز الدفاع عن حرية التنقل" الحقوقي الصهيوني، فإنّ عام 2017 شهد انخفاض عدد حالات خروج الفلسطينيين عبر معبر بيت حانون انخفاضاً حاداً بنسبة 51 في المائة مقارنة بعام 2016. وبلغ المعدل الشهري لحالات خروج الفلسطينيين خلال العام الماضي 5963 مرة، مقارنة مع 12.150 مرة شهرياً عام 2016، و14.276 شهرياً عام 2015. واعتبر المركز أنّ خطوات التقييد المفروضة على التنقل من جانب الاحتلال أدت الى جعل عام 2017 وبداية العام الحالي الأسوأ في حرية التنقل منذ عام 2014، مشيراً إلى أنّ 16 ألف طلب تقدم بها غزيون للدخول من معبر بيت حانون مكدسة داخل مكتب منسق أعمال الحكومة الصهيونية بانتظار الرد.
إلى ذلك، يفيد التقرير السنوي لمركز الميزان لحقوق الإنسان في نهاية عام 2017 عن أوضاع المرضى في قطاع غزة، فقد شهد وضعهم تدهوراً خطيراً جراء أوامر المنع وغيرها من القيود المشدّدة التي تفرضها سلطات الاحتلال ما أدى إلى وفاة 17 مريضاً من بينهم 10 سيدات و3 أطفال.
يقول المحامي والناشط الحقوقي صلاح عبد العاطي، لـ"العربي الجديد": "معظم المرضى الذين يجتازون معبر بيت حانون هم من الأطفال والنساء وكبار السن والضعفاء ممن لا يشكلون أيّ نسبة خطر أمني على المجتمع الصهيوني. بالإضافة إلى ذلك، نعلم تماماً أنّ غالبية المرضى تخضع لرقابة أمنية سواء داخل الأراضي المحتلة أو في مستشفيات الضفة، لذلك لا يمكن تبرير أي قرار ضدهم". يلفت عبد العاطي إلى أنّ اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس/ آب 1949، تلزم سلطات الاحتلال بالسماح بمرور جميع إرسالات الأدوية، والمهمات الطبية، وضمان حماية واحترام المرضى والضعفاء والنساء، والعمل بأقصى ما تسمح به وسائلها لصيانة المنشآت والخدمات الطبية والمستشفيات.