منذ نحو عشرين شهراً تقريباً، يسكن المهندس الفلسطيني أحمد عمارنة (31 عاماً) مع زوجته وطفلتهما الصغيرة في كهف، بعدما عمد إلى ترميمه ليصبح صالحاً للسكن، وقد منعته سلطات الاحتلال الإسرائيلي من بناء بيت في أرضه في قرية "فراسين" في محافظة جنين شماليّ الضفة الغربية المحتلة.
كهف أقدم من الدولة
"العيش في تجويف صخري في القرن الحادي والعشرين، يعد أمراً غريباً جداً. لكن الأغرب أن الاحتلال يلاحقني ويريد أن يهدم الكهف من دون مبرر. لا يمكنهم أن يقولوا إن هذا التجويف بُني دون موافقتهم، فهو أقدم من دولتهم بمئات السنين. هذا الكهف من صنع الله، ونتيجة عوامل جغرافية امتدت لآلاف السنين، ومع هذا يستكثرونه علينا"، يقول عمارنة لـ"العربي الجديد". بدأت القصة قبل نحو عامين ونصف عام، عندما أراد عمارنة تشييد منزل صغير فوق منزل عائلته، فمنعه الاحتلال. ثم فكر في أن يبني غرفتين صغيرتين في قطعة أرض يملكها في قريته الوادعة، لكنه جوبه برفض مشابه بحجة منع البناء، لكون القرية مصنفة "ج" بحسب اتفاق أوسلو، ويمنع على الفلسطينيين البناء فيها إلا بموافقة دائرة التراخيص الإسرائيلية.
ضاقت الدنيا بعمارنة، هو الذي فضّل العمل في الزراعة وتربية الماشية على الهندسة، وقرر الاستفادة من تخصصه في تهيئة الكهف الذي يقع في أرضه، وتنظيفه ووضع بوابة على مدخله. كذلك استطاع فتح نافذة، ومدّ الكهف بالكهرباء والماء.
ويعلق عمارنة على ذلك بقوله: "كنت أمام حلين لا ثالث لهما، إما الاستسلام والرحيل، أو الصمود والتحدي. وطبعاً، الخيار الثاني كان شاقاً، ولم أكن أعلم حقيقة كيف سأعيش فيها مع زوجة وطفلة حتى بعد ترميمها. البعض يشيد قصوراً وأبنية ضخمة، أما أنا فأسكن في كهف صغير لا تزيد مساحته على 60 متراً مربعاً. لسنا وحدنا فيه، فقد خصصت ركناً داخل الكهف لمبيت الماشية والدجاج الذي نملكه!".
كابوس الهدم
أسئلة كثيرة تدور في ذهن عمارنة وزوجته الحامل حالياً. كيف سيكون حالهم في فصل الشتاء حيث البرد القارس والأمطار؟ أو حتى في فصل الصيف؟ لكنّ كلّ تلك المخاوف ذهبت أدراج الرياح مع أول اقتحام قبل نحو شهرين لضباط الإدارة المدنية الإسرائيلية لقرية فراسين التي لا يزيد عدد سكانها على 280 نسمة. وزع الاحتلال إخطارات بهدم 36 منشأة سكنية، بحجة البناء من دون ترخيص، ومن بينها كان كهف عمارنة. وسبق أن نفذ الاحتلال تهديداته وهدم بيتاً مأهولاً وخزان مياه وحظائر للأغنام. في المقابل، يستمر توسع المستوطنات والبؤر المحيطة بالقرية، وأكبرها مستوطنة "حرميش" المقامة على أراضي محافظة جنين.
من يومها، ومع كل اقتحام لقوات الاحتلال الإسرائيلي لقرية فراسين، يضع عمارنة يده على قلبه خوفاً من أن يكون كهفه مستهدفاً. يصف تلك اللحظات قائلاً: "نعيش رعباً حقيقياً، ونخشى أن تغرس الجرافات أنيابها في بيتنا. أين سنذهب حينها؟ وما الذي سيحل بنا؟".
وفي محاولة لإزاحة هذا الكابوس، لجأت العائلة، أسوة بمعظم سكان قرية فراسين، إلى القضاء الإسرائيلي لوقف تنفيذ تلك الإخطارات. ويقول عمارنة: "ندرك تماماً أن المنظومة القضائية لدى الاحتلال تنفذ ما تمليه عليها حكومة الاحتلال، لكن لا يوجد لدينا أي بديل". يتابع: "صحيح أن القضية قيد النظر لدى القضاء الإسرائيلي، لكن جيش الاحتلال قد يهدم المنشآت الخطرة في أية دقيقة، حتى قبل صدور قرار من المحكمة. كما فعل ذلك مئات المرات في مناطق مختلفة في الضفة الغربية".
مسحٌ عن الخريطة
خطر وجود مخطّطات للاحتلال لإزالة قرية فراسين عن الوجود ومسحها عن الخريطة ما زال موجوداً، كما حذر رئيس المجلس القروي في فراسين محمود ناصر في حديثه لـ"العربي الجديد". يقول إن جريمة تهجير ترتكب بحق أهالي فراسين ضمن خطة الضم الإسرائيلية. الأمر لا يقتصر على الأغوار فحسب، بل يشمل كثيراً من التجمعات السكنية الفلسطينية، خصوصاً تلك القريبة من المستوطنات. وفراسين خربة عمرها مئات السنين، كانت خطّاً تجاريّاً يمرّ بقرية أم الريحان ثم قرية زبدة وخربة فراسين، مروراً إلى الجنوب الفلسطيني إلى مصر عبر التاريخ. وكان مجلس الوزراء في رام الله قد اعتمد قبل أشهر مجلساً قروياً في خربة فراسين، في إطار توجه لتشكيل مجالس قروية للمواقع الصغيرة غير المعترف بها من الاحتلال في مناطق (ج) ومنحها صفة قرية، وهي خطوة، وإن جاءت متأخرة، إلا أنه يتطلب البناء عليها لوضع استراتيجية دعم صمود شاملة لهذه المواقع.
ولا تمتلك قرية فراسين الكثير من مقومات الحياة، إذ تصل إليها المياه بصعوبة وبطريقة بدائية، وأنشأت فيها شبكة كهرباء حديثاً، وتفتقر إلى شبكة صرف صحي متطورة، وليس فيها أبراج لشركات الاتصال. ويعلّق ناصر على ذلك، قائلاً: "نعمل على تشجيع البناء والإقامة في القرية على الرغم من كل شيء، خصوصاً أن أراضينا مهددة بالمصادرة للاستيطان، ومحاولات فرض أمر واقع جديد علينا".