الاحتلال الإسرائيلي يفرض قواعد جديدة في الجامعات: الآراء السياسية تعرض المحاضرين للعقوبة

25 مارس 2018
بينيت يسعى لإسكات من يحملون فكراً سياسياً يسارياً(Getty)
+ الخط -
في تطور لافت، كشف، اليوم الأحد، عن مصادقة مجلس التعليم العالي الإسرائيلي، على ميثاق لقواعد سلوك جديدة، تسلب المحاضرين في الجامعات والكليات، حق التعبير عن آرائهم في القضايا السياسية، وتعرض منتهكيها للعقوبة.

وتأتي مصادقة مجلس التعليم العالي على هذه الخطوات التي صاغها ووضعها بروفيسور آسا كاشير، الذي ساهم من قبل في وضع ميثاق سلوكيات جيش الاحتلال، استجابة لطب وزير التربية والتعليم الإسرائيلي وزعيم حزب "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، ولم تردعه كل الانتقادات الواسعة التي حامت حول الميثاق. إذ سيتم فرض إدراج قواعد السلوك الجديدة، ضمن الدستور الخاص بكل واحدة من الجامعات الإسرائيلية، لتكون ملزمة لها.

وسبق أن أثار هذا الميثاق ضجة كبيرة قبل اعتماده رسمياً، لا سيما بشأن البند الذي يشير إلى أنّ المحاضرين لا يمكنهم إبداء آراء سياسية أمام الطلاب، إلا اذا كان الأمر ضرورياً لمحتوى الدروس، في بعض المساقات.

وفي الوقت الذي ينكر فيه الوزير بينيت، أن القواعد تأتي من دوافع سياسية، يرى معارضوه أنه يسعى بذلك لإسكات من يحملون فكراً سياسياً يسارياً، والحد من تأثيرهم، بل واستهدافهم أيضاً.



وذكرت مصادر عبرية، أنّه قبل أيام تقرر في اللجنة المنبثقة عن مجلس التعليم العالي في الكيان الإسرائيلي، إلزام جميع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، صياغة ميثاق ملزم يعتمد على القواعد التي وضعها بروفيسور كاشير.

أحد البنود المثيرة للجدل التي يتوجب أن يشملها الدستور الخاص في كل جامعة، أنه يُحظر على المحاضر، "إساءة" استغلال المنبر التعليمي المتاح له، بحيث "يملي بشكل منهجي وغير مقبول" موقفاً سياسياً، لا علاقة له بمجال تعليم الدورة في سياقها الواسع.

كذلك، يتوجب أن تشمل القواعد في كل جامعة، بنوداً أخرى، تضيفها إلى لوائح القانون التأديبي فيها، وتتوعد من خلالها من ينتهكها بالعقاب، وتشمل عدم التمييز بين الطلاب والمحاضرين بسبب توجهاتهم ومواقفهم السياسية، وحظر المشاركة في مقاطعة أكاديمية ضد إسرائيل أو المشاركة في نشاطات قد تؤدي إلى مقاطعة من هذا النوع.

وقال وزير التربية والتعليم في الكيان الإسرائيلي نفتالي بينيت، محاولاً تبرير موقفه إنّ "علينا الحفاظ على عالم التعليم الأكاديمي نظيفاً من السياسية والمصالح السياسية"، مستدركاً "حرية أكاديمية مطلقة- نعم. طرح وتعزيز أجندات سياسية والدعوة إلى المقاطعة - لا. نحن عملياً نحد من الإدانات ونعزز حرية التعبير، بحيث نحافظ على النقاش الأكاديمي في إسرائيل خالياً من السياسية والتمييز. عند بوابات المؤسسات الأكاديمية، نترك السياسة خارجاً". وغرد صباح اليوم مع نشره المستند الذي تم اعتماده: "اقرأوا. كل كلمة منطقية".

وليست الجامعات أولى المؤسسات التي تستهدفها حكومة الكيان الصهيوني، وتحاول تقييد حرية التعبير فيها أو التضييق عليها، رغم ادعائها الديمقراطية، إذا سبقت ذلك خطوات لمحاولة تقييد حرية الصحافة، فضلاً عن التضييق على موارد الجمعيات اليسارية والحقوقية المناهضة للممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين لإسكاتها، والقائمة تطول.

وقبل قواعد السلوك الجديدة، سجل الكيان الصهيوني حالات اعتداء وتضييق على أساتذة جامعيين بسبب مواقفهم السياسية.

من بينهم زئيف شترينهل، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية سابقاً، والمختص بالحركات الفاشية، إذ تعرض لمحاولة تفجير بيته في سبتمبر/أيلول 2008، حيث وضعت عبوة ناسفة، أدت إلى إصابته في رجله. كما اتّهم أنه معادٍ للصهيونية وإسرائيل لأنه لا يخفي آراءه بأن إسرائيل لديها توجهات فاشية.

كذلك، اضطر المحاضر إيلان بابي للهجرة، بعدما سحبت منه جامعة حيفا قبل نحو عقدين من الزمن شهادة الدكتوراه، بسب مواقفه من التطهير العرقي في فلسطين. ويذكر هنا أيضاً، ملاحقة المحاضر شلومو ساند مؤلف كتاب "اختراع الشعب اليهودي"، والذي درّس في معاهد أكاديمية منها جامعة تل أبيب، ووصف مراراً بأنه "رجل اليسار المتطرف".



معارضون ومؤيدون

بالعودة إلى قواعد السلوك الجديدة، فإن الآراء حولها انقسمت بين مؤيد ومعارض، حتى في الجامعات نفسها، وإن كانت الغلبة على ما يبدو للمعارضين.

ونقلت وسائل إعلام عبرية تعقيب المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، الدكتور طال ساديه، والذي قال إن "المؤسسات الأكاديمية يجب أن تبقى بقدر المستطاع، بعيدة عن السياسة. الجامعة هي مؤسسة وطنية تعتاش على أموال الجمهور وليست ملكاً خاصا، ولذلك فأنا شخصياً لا اطرح مواقفي السياسية في الصف. إذا كنت سأفعل ذلك، فإنني أعلن عن الأمر مسبقاً. من جهتي، لا مشكلة لدي مع القانون الجديد. وظيفة الأكاديميين هي التعبير عن المواقف السياسية خارج الصف".

أضاف ساديه: "أعلم أن هذا أمر صعب وأن أقلية تؤيد رأيي. واضح أن لنا آراء سياسية وأنها تؤثر بطرق مختلفة، لكن لا يجب أن أحوّل الصف إلى منبر للآراء السياسية المختلفة للمحاضرين. من سيهتم بالسياسة لن يولي اهتماماً للتعليم. بالنسبة للطلاب، من جاء ليسمع فقط ما يؤمن به فإنه لن يتعلم. أيضاً على الطلاب هنالك عبء، وهو الإصغاء لآراء لا تُحتمل. حق التعبير يجب أن يتم بحرية تامة في الجامعة، لكن مسؤولية المحاضرين أن يعلّموا، لا أن يحوّلوا الصف لمنصة من أجل الآراء الشخصية".

أما البروفيسور من قسم العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، البيرتو سباكتتوروبسكي، فقال إنه بشكل عام لا يؤيد وضع قواعد سلوكية، وإن "الجامعات لا تحتاج إلى قواعد سلوك برأيي. يجب على العاملين في المؤسسات الأكاديمية أن يقولوا ما يشاؤون. قواعد السلوك قد تطاول أمورا أخرى، وهذا يحد من حرية التعبير. هذه خطوة سيئة ولا تقدم أي شيء جيد. سيكون على المحاضرين التفكير مرتين قبل صياغة ما يريدون قوله. المؤسسات الأكاديمية يجب أن تكون مكانا نعبّر من خلاله عن أفكارنا. في اللحظة التي ستطبق فيها هذه القواعد، فإن ذلك سيمس بحرية المؤسسات الاكاديمية".

مخاوف من النكبة والاحتلال


من جانبه، عبّر المختص بالسياسة وأنظمة الحكم في جامعة "بن غوريون"، جال أريئيلي، عن أسفه ليس على الميثاق الجديد فقط، وإنما على من وضع تلك القواعد أيضاً، "فهم أشخاص يستخدمون أدوات الدولة من أجل إسكات أشخاص آخرين. على المستوى الشخصي، أنا حزين على من وضع هذه القواعد، لأنه ليست لديه أية ثقة بالصهيونية. من يتمتع بالثقة بالنفس، لا يخشى مصطلحات مثل النكبة والاحتلال، ولكن يمكنه مواجهتها من بين الآراء. كنت واثقاً أن الصهيونية أقوى من أن تصل لمثل هذه النقطة، وما حدث أمر محزن. كل هذه العملية نابعة من انعدام الثقة".

ويرى أريئيلي أن هذه القواعد "لم تأت لمنع تحويل الصف إلى منبر للسياسة، وإنما هي جزء من عملية أكبر للحد من قوة المؤسسة الأكاديمية".

المساهمون