يؤكد مسؤولون فلسطينيون وخبراء في مجال الاستيطان والأراضي، أن مصادقة بلدية الاحتلال، أول من أمس، على مخطط لبناء أكثر من 3 آلاف وحدة استيطانية جنوب القدس المحتلة سيؤدي إلى فصل كامل ونهائي لمدينة القدس عن بيت لحم، ويغلق إلى الأبد منطقة حيوية من أراضي الفلسطينيين في تلك المنطقة، الممتدة من بيت صفافا وشرفات وامتداد تلك الأراضي في الشرق، حيث تتواجد مستوطنة على جبل أبو غنيم، إضافة إلى أعمال البنية التحتية الجاري العمل بها لتوسيع مستوطنة "جفعات همتوس" جنوب المدينة.
وكانت بلدية الاحتلال في القدس قد صادقت الأربعاء على بناء 3 آلاف وحدة استيطانية جديدة في المنطقة الواقعة بين مستوطنة "جيلو" ومنطقة شارع الأنفاق جنوب القدس المحتلة المتاخمة تماماً لبيت لحم، حيث ستقام هذه الوحدات على ما يقرب من 300 دونم مملوكة لمواطنين فلسطينيين ملكية خاصة، ما دفع المهندس وزير القدس ومحافظها، عدنان الحسيني، إلى التنديد بهذا القرار، ووصفه بالعدواني. وقال الحسيني، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه المصادقة ما كانت لتتم لولا الدعم الأميركي اللامحدود لدولة الاحتلال، وإعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس عاصمة لإسرائيل، ثم تصريحات السفير الأميركي في تل أبيب (ديفيد فريدمان) الأخيرة، والتي عبر فيها عن دعمه للاستيطان".
ورأى مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق وخبير الاستيطان، خليل تفكجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما صودق عليه يأتي في سياق مخطط استيطاني كان قد وضع قبل سنوات، بهدف تعزيز الوجود الاستيطاني في هذه المنطقة الحيوية جنوب القدس المحتلة، وحصر البناء الفلسطيني هناك، ومصادرة مساحات كبيرة من أراضي قرية الولجة والتوغل في أراضي هذه القرية التي ضمت بلدية الاحتلال مئات الدونمات من أرضها إلى منطقة نفوذها". وأوضح أن قوات الاحتلال تواصل إقامة الإنشاءات الخاصة بحاجزها العسكري على أراضي الولجة في عمق أراضي المواطنين هناك، وإحكام سيطرتها على مزيد من المحميات الطبيعية وعلى عين الحنية، أشهر ينابيع المياه في تلك المنطقة.
أما المشهد على الأرض، فيظهر واقعاً جديداً غير مسبوق جنوب القدس المحتلة، إذ تواصل آليات ضخمة وجرافات تهيئة الأرض لإقامة الوحدات الاستيطانية الجديدة، بعد أن كانت سلطات الاحتلال انتهت العام الماضي من شق طريق استراتيجي في أراضي بلدة بيت صفافا، شطَر البلدة إلى نصفين، وعزل منازل وأراضي عن مركز القرية، في حين بدا الربط واضحاً بين مستوطنات جنوب القدس بمركز المدينة. وقال مواطنون يقطنون البلدة، ومنهم الناشط أحمد جاد الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الأمر لا يقتصر على نهب الأراضي ومصادرتها فقط لأغراض البناء الاستيطاني، بل يتم أيضا تحويل الصخور هناك، بعد طحنها، إلى مواد تستخدم في البناء ورصف الشوارع. وكل ذلك على حساب المواطنين أصحاب الأرض الشرعيين".
وسيكون لهذا التوسع الاستيطاني تداعياته الديمغرافية على جنوب القدس، وفي حدود ما يعرف ببلدية الاحتلال المصطنعة في المدينة، ليرفع بذلك أعداد المستوطنين، الذين بات عددهم يقارب الـ300 ألف. وفي هذا الشأن، قال مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، إن "ما تتعرض له مدينة القدس من عمليات نهب للأراضي وتوسيع المستوطنات، وبناء مستوطنات جديدة، يشير إلى أن الاحتلال ماضٍ في إحكام قبضته بالكامل على القدس، ومحاربة البناء الفلسطيني في المدينة المقدسة في جميع المناطق التي لا زالت تحتفظ برصيد من الأراضي. وهو ما يفسر عمليات الهدم شبه اليومية لمنازل المواطنين ومنشآتهم الاقتصادية المختلفة، كان آخرها ما جرى الأربعاء، من هدم لمنزل وغرف زراعية وأسوار إسمنتية وتجريف أراض في بلدة شعفاط شمالي القدس المحتلة، إضافة إلى هدم منشأة اقتصادية، عبارة عن صالون للسيدات، في بيت حنينا". وأوضح الحموري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يكاد يمر يوم دون أن تدهم بلدية الاحتلال، بحماية الشرطة الإسرائيلية، أحياء وبلدات، كما هو الحال في العيسوية، وتسلم إخطارات هدم، إضافة إلى مصادرة أراضٍ لصالح إقامة ما يسمى بالحدائق الوطنية والمسارات السياحية".
ووفقاً لقرار المصادقة على التوسع الاستيطاني جنوب القدس، ستمنح الوحدات الاستيطانية في الغالب إلى "الحريديم"، الذين يشرفون على عمليات توسيع مستوطنة "جيلو"، على حساب أراضي قرية الولجة الفلسطينية، علماً بأن مسطح الأراضي الذي يشمل التوسع الاستيطاني في "جيلو" تعود ملكيته إلى أهالي قرية الولجة الفلسطينية، حيث ترفض سلطات الاحتلال توسيع مسطح القرية والخارطة الهيكلية وتواصل توزيع إخطارات الهدم للمنازل هناك بذريعة البناء دون تراخيص. وتعد "جيلو" من كبرى المستوطنات الواقعة جنوب غرب القدس، ويزيد عدد المستوطنين فيها عن 45 ألفاً، وهي واحدة من المستوطنات الدائرية الخمس التي شيدتها سلطات الاحتلال في محيط مدينة القدس، عقب حرب يونيو/حزيران 1967. وتجاور هذه المستوطنة، التي تتوسع في كل الاتجاهات، مستوطنة أخرى يطلق عليها "جفعات همتوس"، والتي عزلت جنوب الضفة الغربية عن وسطها وشمالها، كما عزلت بلدتي بيت صفافا وشرفات جنوب القدس، وتسببت بعزل ومحاصرة القرى والبلدات الفلسطينية هناك، خصوصاً صور باهر وأم طوبا المقدسيتين، حيث أقيمت على أراضي هاتين البلدتين مستوطنة "هار حوما" على جبل أبو غنيم.