على بُعد أمتار قليلة من السياج الفاصل (الحدود)، شرقي قطاع غزة، تعمل قوات معززة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ أيام، على وضع أسلاك شائكة جديدة، في محاولة لمنع الفلسطينيين من عبور السياج باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومنذ الإعلان الرسمي عن التجهيز لفعاليات متدحرجة، تحت مسمى "مسيرة العودة الكبرى"، باتت الحدود الشرقية والشمالية للقطاع مسرحاً لعمليات أمنية وعسكرية إسرائيلية يومية. وبات واضحاً من الإجراءات، خشيةُ الاحتلال الإسرائيلي من اقتراب الفلسطينيين من السياج وتجاوز الحدود. وتشهد الحدود الشرقية حركة متسارعة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، في ظل وضع القيادتين الأمنية والسياسية في دولة الاحتلال عدة خيارات للتعامل مع التظاهرات السلمية التي يجري التحضير لها، والمتوقع أن تكون بحشد جماهيري غير مسبوق.
ويقوم جنود إسرائيليون، ترافقهم جرافات وآليات عسكرية، بتسوية الأراضي الحدودية، ووضع الأسلاك الشائكة الدائرية على الأرض، لجعل اقتحام الفلسطينيين للحدود أمراً صعباً، فيما تقوم قوات أخرى برفع سواتر من الرمال داخل الحدود، لتمركز قوات الاحتلال المنوط بها التصدي للمتظاهرين. ويتوقع أن يخرج آلاف الفلسطينيين، يوم الجمعة المقبل، إلى الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، في أولى تظاهرات "مسيرة العودة الكبرى"، التي تتزامن فعالياتها المتدحرجة مع ذكرى يوم الأرض، الذي يؤكد تمسّك الفلسطينيين بأرضهم التي تعد مركزاً لصراعهم مع الاحتلال.
وعززت إسرائيل وجود قواتها البرية على الحدود. وبات يلاحظ التواجد العسكري الإسرائيلي المكثف في بعض نقاط التماس الحدودية، إلى الشرق من مدينة غزة، وإلى الشرق من مخيم جباليا، وإلى الشرق من مدينة خان يونس، وهي المناطق التي تجري فيها كل يوم جمعة تظاهرات قوية، منذ قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. وهذا أول نشاط سلمي منظم ستقوم به الجماهير الفلسطينية الغاضبة في القطاع الساحلي المحاصر، ويحمل أكثر من رسالة. وهو تحرك مرتبط في الأساس بوصول الأوضاع في غزة إلى حافة الهاوية، ولرفض مشاريع تصفية القضية الفلسطينية التي يجري العمل على تمريرها.
ويُجري الاحتلال الإسرائيلي مناورة كبيرة للتدرب على كيفية مواجهة "مسيرة العودة" التي يتجهز الفلسطينيون للبدء فيها، وفق ما ذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، التي أشارت إلى أنّ هناك مخاوف من أن تُفضي المواجهات مع المشاركين في المسيرة إلى سقوط العشرات، ما يمكن أن يسهم في تدهور الوضع الأمني، إلى حد تفجّر مواجهة شاملة مع حركة "حماس".
واهتمت وسائل الإعلام الإسرائيلية، خلال الأيام الماضية، بفعالية "مسيرة العودة" بشكل ملفت للنظر، ومنها من ذهب بعيداً في التحليل للتحذير من خطورتها، وطالب بالتعامل القاسي معها، لأنها بداية خطيرة لعمل منظم من القطاع المحاصر. وحاولت إسرائيل ربط التظاهرات بحركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، واعتبرت أنها مخرج تحاول من خلاله الحركة الخروج من أزماتها، لكن "حماس" تقول إنّ "مسيرة العودة" جزء من عمل وطني شامل ستقوم به كل الفصائل والشعب الفلسطيني. لكن التحذيرات الإسرائيلية والواقع المفروض على الأرض لا يغير حماسة الفلسطينيين حيال تجربة جديدة في العمل النضالي السلمي. وهم إذ يعتقدون أن إسرائيل ستتعامل بقوة مفرطة مع الجماهير المحتشدة، يرون أنّه من الواجب إيصال الرسائل الأساسية من وراء هذا الحراك. وتبلورت فكرة "مسيرة العودة" كنشاط شبابي ووطني، عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. وعقب ذلك، تبنّت الفصائل والقوى الفلسطينية في القطاع، الفكرة، وأطلقت فعالياتها رسمياً، في مؤتمر صحافي قبل أيام، شاركت فيه كل الفصائل، قبالة الحدود الشرقية لمدينة غزة. ويعتقد فلسطينيون أنّ ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي على الحدود وخارجها، محاولة لتخويف الراغبين في المشاركة في الفعاليات الجماهيرية، التي يحرصون على أن تكون سلمية، وتحمل رسائل مختلفة لكل الأطراف، وتؤكد على حق العودة في ظل محاولات شطبه.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، لـ"العربي الجديد"، إنّ جماهير قطاع غزة لم تجرب من قبل فعاليات سلمية بالحجم الذي يجري التخطيط له، وهي فرصة لتحويل الطاقات المختلفة إلى عمل جماهيري منظم وقوي يوصل الرسائل المرادة لكل الأطراف. وبالنسبة للمدهون، فإنّ الشعب الفلسطيني بات يشعر، أكثر من أي وقت مضى، بحجم المؤامرات التي تتعرض لها قضيته، وفي ظل تآكل حقوقه، وبات، بشكل منظم، يتم إشغاله عن قضيته بقضايا هامشية لم يكن يهتم بها في وقت سابق. والمسيرات الشعبية السلمية، يجري فيها تحييد السلاح، وتعيد الصراع مع المحتل الإسرائيلي إلى طبيعته الأولى. ويؤكد المدهون أنّ الفلسطينيين يمتلكون القوة لمنع استمرار التدهور الداخلي، ووقف محاولات التصفية التي تهدد قضيتهم الوطنية. ويشير إلى أنّ "مسيرة العودة" مشروع وطني حقيقي يجب أن يتطور على الأرض، فالشعب الفلسطيني صاحب حق، ويطالب بحريته وأرضه وحقوقه، ويريد أن يعيش بكرامة في وطنه، ويسترد حقوقه، ويمنع أي تغوّل عليها من قبل الساعين إلى تصفية القضية. وبعيداً عن كل المخاوف، يبدو أنّ عزيمة الفلسطينيين هذه المرة أقوى من أي وقت مضى، وأنّ الإصرار لتجاوز مرحلة الخوف والتردد باتت أوضح من ذي قبل. ولا يعتقد الفلسطينيون أنّ هناك شيئاً يخسرونه إذا ما قررت قوات الاحتلال التعامل بقسوة وبقوة مفرطة مع المسيرة. ويسعى القائمون على "مسيرة العودة" إلى تحشيد وسائل الإعلام العربية والدولية، لمنع إسرائيل من استخدام القوة المفرطة تجاه الجماهير. ويرون أنّ التغطية الإعلامية ستمنع الاحتلال من ارتكاب مجازر، حاول قادة في جيش الاحتلال الحديث عنها لتخويف الفلسطينيين.