بعدما عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى تزوير بعض من محتوى المنهاج الفلسطيني المعتمد في المدارس العربية في القدس، كان لا بدّ من تحرّك لمواجهة الأسرلة الماضية في تهديد التعليم الفلسطيني.
تتمادى وزارة المعارف الإسرائيلية في تحريفها للحقائق التي تتضمنها المناهج الفلسطينية المعتمدة في مدينة القدس المحتلة، وذلك من خلال الشروط التي تضعها بلدية الاحتلال في القدس، من أجل منح ترخيص أو دعم للمدارس التي تستند إلى تلك المناهج.
في إطار المحاولات التي يأتي بها الفلسطينيون بهدف التصدي للهجمة الإسرائيلية على المناهج الفلسطينية والتعليم خصوصاً في مدينة القدس، أُطلِقت "الحملة الوطنية المناهضة لسياسات الاحتلال ضد التعليم الفلسطيني في المدينة المقدسة"، من مقرّ وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية في رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، وإلى شمال القدس. أتى ذلك في خلال مؤتمر صحافي عُقِد اليوم الخميس، بهدف استهداف التزوير الخطير في محتوى المناهج الفلسطينية وإعادة طباعتها بمضامين مشوّهة وفرضها في مدارس مدينة القدس، بالإضافة إلى الحملة المستعرة ضد مدارس وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مدينة القدس.
يقول وزير التربية والتعليم العالي الفلسطيني صبري صيدم لـ"العربي الجديد"، على هامش المؤتمر الصحافي، إنّ "الحملة تشاركية في عملية تطبيقها بين أولياء أمور التلاميذ في القدس والمجتمع المقدسي، وهي سوف تقوم على رفض المنهاج الإسرائيلي. وربما نصل إلى حالة عصيان تعليمي في القدس، عبر تعليق الدراسة في المدارس التي تتبع لبلدية الاحتلال في القدس". وفي ما يتعلق بالتوجّه إلى مقاضاة الاحتلال الإسرائيلي على تزوير المناهج الفلسطينية وتحريفها، يوضح صيدم أنّ "لدينا أدلة دامغة وواضحة حول عملية الأسرلة، ونريد أن نذهب إلى المحاكم بالتشاور مع الجهات القانونية من أجل معرفة طبيعة الإجراءات القضائية لمقاضاة إسرائيل".
وفي إطار تزوير المنهاج الفلسطيني في القدس، جرى حذف عبارات معيّنة واستبدال عناوين بأخرى، وأتى ذلك في 54 كتاباً من المنهاج الفلسطيني، مع الإشارة إلى أنّ التزوير سُجّل 689 مرة. وطاول التزوير والتحريف رموز السيادة الفلسطينية كالعلم وشعار السلطة الفلسطينية والنشيد الوطني والكوفية الفلسطينية، وكذلك المدن الفلسطينية والأسرى وغير ذلك. ولم تسلم صورة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من التزوير، ولا جدار الفصل العنصري الذي جرى طمسه. وفي بعض الأحيان، طاول التزوير آيات قرآنية، في محاولات لطمس التاريخ الإسلامي في فلسطين واستبداله بتاريخ إسلامي من دول أخرى.
في خلال المؤتمر الصحافي، صرّح رئيس مركز المناهج التابع لوزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، ثروت زيد، بأنّ "كل ذلك يأتي من ضمن مسعى إسرائيلي لتشويه عقلية الطفل الفلسطيني وذهنه"، داعياً المجتمع الدولي إلى "تحمّل مسؤولياته المتعلقة بالتوقيع على اتفاقيات جنيف الأربع، وإلزام الاحتلال باحترام وحماية حقّ التعليم في فلسطين كدولة تحت الاحتلال، ومقاضاة كل من كان له طرف في هذا التحريف بناءً على حق اتفاقية الملكية الفكرية".
من جهته، قال صيدم في المؤتمر الصحافي ذاته، إنّ "استهداف الاحتلال للتعليم بات سياسياً بامتياز يكتسي طابعاً تربوياً، وقد تنوّع الاستهداف في تحريف المناهج وأصبح التضييق على مناهجنا في القدس وعلى هويتنا سمة ومحاولة طمس هويتنا، علاوة على الهجوم على مدارس وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في قلب القدس، وهو ما يشكل منعطفاً خطيراً، وغيرها من الممارسات بحق التعليم". وأكد صيدم أنّ "إسرائيل تحاول تزوير المناهج عبر نصوص وفقرات ومعلومات تدعم الرواية الصهيونية وتحاول إحلالها لمسح العقول العربية وتدجينها بما يعني استلاب الفكر وطمس الهوية"، مشيراً إلى أنّ الانتهاكات الإسرائيلية بحق التعليم سوف تكون على أجندة اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني في دورته المقبلة.
وسط كل المحاولات الإسرائيلية لضرب المنهاج والتعليم الفلسطينيَين في القدس، دعت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية أهالي القدس إلى مقاطعة المنهاج المحرّف ورفض استخدامه في المدارس العربية، رافضة بصورة قاطعة كل أشكال الأسرلة التي يطبقها الاحتلال في مقابل حفنة من الدولارات. وشددت في الوقت ذاته على اتخاذ الإجراءات القانونية لمقاضاة إسرائيل على تحريفها للمناهج الفلسطينية.
في السياق، قال وزير شؤون القدس عدنان الحسيني في المؤتمر الصحافي ذاته، إنّ "ما يتعرّض له التعليم في القدس بدأ منذ احتلال إسرائيل لها عام 1967، بوضع اليد على كل المدارس التي كان يديرها الأردن، ومن ثم بدأوا بمحاولة تهويد التعليم"، مشدداً على ضرورة المحافظة على المناهج الفلسطينية. أمّا مفتي القدس والديار الفلسطينية محمد حسين، فقد أكد في المؤتمر أنّ "إسرائيل تحاول فرض تربية وتنشئة وتعليم على المقدسيين، ولا يروقها أن نرتبط بحضارتنا وتربيتنا وننقلها لأجيالنا، لكننا سوف نبقى في القدس محافظين على منهاجنا الفلسطيني، وسنتصدى لكل محاولات تزوير التاريخ والحقائق وسنحافظ على معتقداتنا وقضيتنا الفلسطينية".
من جهته، شدّد النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي أحمد الطيبي في كلمته في المؤتمر، على أنّ "المنهاج الإسرائيلي في القدس يسعى إلى تكريس الرواية الصهيونية وتشويه وإلغاء الرواية الفلسطينية"، مضيفاً أنّه "ليس صدفة الهجوم على المنهاج الفلسطيني، لأنه يصقل شخصية الطالب وذهنيته". وأشار الطيبي إلى أن "مدارس القدس في حاجة إلى نحو 2500 غرفة تدريس جديدة، لكن الاحتلال لا يسمح ببناء المدارس إلا بشرط قبول المنهاج الإسرائيلي، لذلك يساهم في تعميق نقص الغرف التعليمية في القدس".
تجدر الإشارة إلى أنّه وفق ما يقول عضو لجنة أولياء الأمور في بلدة العيساوية محمد أبو الحمص لـ"العربي الجديد"، فإنّ نحو ثلاثة آلاف تلميذ وتلميذة نفذوا اليوم الخميس إضراباً في مدارس عديدة في بلدة العيسوية وسط القدس المحتلة، احتجاجاً على عدم نقل تلاميذ إحدى المدارس الثانوية إلى مدرسة جديدة، ومماطلة بلدية الاحتلال في ذلك حتى الآن، على الرغم من انقضاء نصف الفصل الدراسي الأول. وهو ما أثر على دراستهم وتحصيلهم العلمي.