منعطف خطير وغير مسبوق، يعيشه التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، إثر نشر الإمارات قواتها في جزيرة سقطرى، إذ قطعت الحكومة اليمنية الشك باليقين، وأعلنت، في بيان رسمي، للمرة الأولى، أنها باتت تختلف مع الإمارات، في جميع مناطق اليمن المحررة من الحوثيين، وأنها ترفض تحركاتها الأخيرة في سقطرى، وهو ما يعني أن لجوء اليمن إلى مجلس الأمن الدولي لحل الخلافات مع أبوظبي قد يكون الخطوة المقبلة، ما لم تنجح الجهود السعودية في تدارك التصعيد بينهما، أو ترضخ أبوظبي وتشرع في الانسحاب من الجزيرة على الأقل. كما أن الحكومة اليمنية الشرعية وضعت، في إطار محاولاتها تثبيت سلطتها على الجزيرة، حجر الأساس لعدد من المراكز الأمنية في سقطرى.
في هذا الوقت، غادرت اللجنة السعودية المكلفة بإنهاء التوتر بين الحكومة اليمنية والإمارات أرخبيل سقطرى مساء السبت الماضي، من دون التوصل إلى حل، بحسب مصدر خاص تحدث لـ"العربي الجديد". وقال المصدر إن مساعي اللجنة السعودية قوبلت بتعنّت إماراتي، إذ رفضت أبوظبي سحب الاستحداثات العسكرية في الجزيرة، وسط إصرار الحكومة اليمنية على إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبيل اندلاع الأزمة. وعلم "العربي الجديد"، من مصادر يمنية قريبة من الحكومة، أن نقاشات حثيثة تجري في أوساط الشرعية، لدراسة الخطوة المقبلة رداً على التحركات الإماراتية المستفزة، وآخرها إرسال قواتها العسكرية إلى جزيرة سقطرى والسيطرة على المطار والميناء، من دون مبرر لهذا التحرك العسكري الموجه ضد الحكومة اليمنية أولاً وأخيراً، بالتزامن مع زيارة رئيسها أحمد عبيد بن دغر وعدد من أعضاء حكومته إلى الجزيرة. وحصل بن دغر، خلال لقائه أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام في الأرخبيل، دعماً لعدم تغيير الوضع في المحافظة، إذ أكد أعضاء الحزب، بحسب وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بنسختها التابعة للشرعية، "رفضهم لأي محاولات لفرض أي سلطة أخرى خارج إطار الشرعية الدستورية الممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي".
ولم يعد بإمكان السعوديين النظر إلى الأزمة بوصفها قضية مفتعلة إعلامياً، حتى إن المحللين والمدافعين عن التحالف في كل انتقاد وقفوا أمام ما يشبه الفضيحة الإماراتية في سقطرى، حين كشفت عن أجندتها الخاصة والمعادية بصورة مباشرة للحكومة اليمنية. ويضع إعلان الحكومة اليمنية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بوصفه الرجل الأول في التحالف أمام اختبار خطير، فإما أن ينحاز إلى الحكومة اليمنية، بدعمها ضد التصرفات الإماراتية، وإما يمنحها الضوء الأخضر للتصعيد ضد التحركات الإماراتية على الأقل، أو ينحاز إلى رفيقه ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، الذي قام بتصرف غير محسوب على ما يبدو، بالتصعيد العسكري مع الحكومة في سقطرى.
وبالنظر إلى العديد من المعطيات، يبدو من الواضح أن بيان حكومة بن دغر ما كان ليصدر لو لم يكن هناك ضوء أخضر من الرياض، باعتبار أن الأخيرة كانت الوسيط الذي أرسل لجنة عسكرية إلى سقطرى للتهدئة، وتستضيف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وأغلب مسؤولي الشرعية اليمنية في الرياض. وكان بيان الحكومة اليمنية بمثابة إعلان فشل الجهود السعودية في احتواء الأزمة وإقناع الإماراتيين بسحب قواتهم. ومن زاوية أخرى، فإنه يمكن النظر إلى بيان الحكومة على أنه يشبه الرسالة التي بعثها الرئيس اليمني إلى الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، يطلب فيها التدخل العسكري الخارجي لدعم الشرعية في مواجهة زحف الحوثيين تجاه عدن، قبل أكثر من ثلاث سنوات. فإذا كانت تلك الرسالة هي الصك الذي منح التحالف المبرر للتدخل، فإن رسالة الحكومة اليمنية يمكن أن تكون البداية لسحب الشرعية عن ممارسات التحالف، واعتبارها أعمالاً تعيق الحكومة اليمنية في أداء واجباتها، في المناطق التي توصف بأنها "محررة من الحوثيين".
إلى ذلك، وضع رئيس الحكومة، أحمد عبيد بن دغر، برفقة محافظ أرخبيل سقطرى، رمزي محروس، حجر الأساس لحزمة من المشاريع الأمنية في سقطرى. وذكرت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، بنسختها التابعة للشرعية، أن "المشاريع شملت إنشاء مبنى شرطة الدوريات وأمن الطرق، ومبنى شرطة السير، ومبنى إدارة شرطة قلنسية، ومبنى إدارة شرطة عبد الكوري، ومبنى مركز شرطة مومي، ومبنى مركز شرطة شوعب، ومبنى مركز شرطة حره، ومبنى مركز شرطة قعره". وقال وكيل وزارة الداخلية، اللواء أحمد مسعود، "تم وضع حجر الأساس لحزمة من المشاريع الأمنية التي تأتي ضمن الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة السياسية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، لمحافظة أرخبيل سقطرى، التي عانت خلال الأعوام الماضية من شح الإمكانات والمرافق الأمنية". وأكد أن "الأجهزة الأمنية كانت وستظل دائماً حارساً أميناً لأي محافظة وأي بقعة في الأرض اليمنية، وستظل هذه المؤسسة تبذل الدماء والتضحيات فداء للوطن". وأكد المدير العام لشرطة أرخبيل سقطرى، العميد علي أحمد، "وقوف كافة الوحدات الأمنية في الصف الوطني ومعاهدة القيادة السياسية أن أبناء سقطرى سيظلون جنوداً أوفياء وسيقدمون الغالي والنفيس لاستتباب الأمن في ربوع الأرخبيل".