يتابع العالم باهتمام شديد حركة الاحتجاجات الشعبية في الشارع الإيراني، التي بدأت الخميس الماضي في مدينة مشهد، وامتدت على نطاق واسع حتى وصلت إلى طهران، ونجم عنها سقوط ضحايا واعتقالات وأضرار في الممتلكات.
وبدا منذ اليوم الأول أن درجة الاهتمام بما يحصل أكبر مما عرف بـ"الثورة الخضراء" في عام 2009، والتي كانت في ذلك الحين من داخل النظام، وتركز ثقلها في العاصمة، وذلك على خلاف ما يحدث اليوم، وهو من خارج النظام، ومن الشارع تحديدا، الذي يشكل مصدر شرعية السلطة الحالية منذ قيام الثورة الاسلامية قبل أربعة عقود.
ورغم أن الشرارة الأولى للأحداث الحالية بدأت عفوية، إلا أن الاحتجاجات اتسعت على نحو كبير، ومع أن بعض الشعارات أخذت صبغة سياسية، مثل الإشارة إلى تدخلات إيران في لبنان وسورية وغزة، غير أن الخلفية الأساسية، حتى الآن، اقتصادية.
وتقود صورة الوضع الراهن إلى استنتاجين. الأول، أن تأثير ما يحصل على المدى المنظور أكبر من 2009، وسيكون كذلك على المدى البعيد. والثاني أن استيعاب النظام لحركة 2009 وتطويقها أسهل من استيعاب حركة الاحتجاجات الراهنة التي لها رسالة واضحة حول ضرورة القيام بإصلاحات اقتصادية وسياسية.
أحد أبرز أسباب الاهتمام الخارجي هو الدور الإيراني في الخارج، الذي يشمل تدخلات إقليمية واسعة في العراق وسورية ولبنان واليمن، ويصل إلى ملفات دولية تمتد من كوريا الشمالية حتى فنزويلا.
وهذا الدور الذي تضخّم في الأعوام الأخيرة أصبح في الصدارة داخل منطقة على قدر كبير من الأهمية، حتى تجاوز في مساحته حضور القوى الدولية ذات التأثير التقليدي، كالولايات المتحدة وأوروبا.
وبقدر تنامي دور طهران كانت علامات الاستفهام تعلو في المحيط الإقليمي، وخصوصا بعد توقيع الاتفاق النووي في مارس/ آذار 2015، الذي أعطى إيران قوة دفع كبيرة، بدلا من أن يوقفها عند حدود معينة، ويضع حدا لتدخلاتها.
ومن أكثر المتأثرين بحضور إيران وتدخلاتها هو العالم العربي، ولهذا السبب تأتي المنطقة العربية في طليعة المهتمين بالمسار العام الذي سيتخذه الحدث الحالي، الذي سينعكس عليها في صورة مباشرة، وتتوزع ردود الفعل في عدة اتجاهات، الأول من طرف المتضررين الفعليين من دور إيران في فترة ما عرف بـ"الربيع العربي"، وهنا يأتي في المقدمة شباب الثورات العربية في سورية واليمن، الذين لعبت إيران دورا مباشرا في إجهاض أحلامهم، ويمكن أن ينعطف على ذلك الوضع في العراق، الذي باتت إيران تتحكم به بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003.
وفي الحالة السورية، يبدو الوضع أكثر تعقيدا، ليس لدور إيران في قمع ثورة الحرية ودعم نظام بشار الأسد، بل لتحولها إلى دولة احتلال أيضا.
والفئة الثانية هي من أعداء الربيع العربي وضد الاحتجاجات، وتشكل طليعة معسكر الثورة المضادة، وخصوصا الإمارات والسعودية. وهؤلاء ينتظرون أن تؤدي الاحتجاجات إلى هز النظام في طهران لأسباب ذات علاقة بالخوف من وصول التأثير الإيراني إلى داخلها.
ويستدعي الأمر التوقف عند قطاع لا يستهان به له مصلحة في الدفاع عن إيران بوضعها الحالي، وغالبية هذا التيار من الذين يثمنون دورها في مساندة المقاومة في لبنان وفلسطين، وهذا أمر لا يحتاج إلى نقاش، بل هو أمر واقع وغيّر في معادلة الصراع مع إسرائيل منذ عام 1982. وإلى هؤلاء تنضم فئة من لا يريدون إضعاف الموقع الإيراني لصالح معسكر "صفقة القرن"، الذي يتكون في المنطقة بين السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل تحت رعاية الرئيس الأميركي.
في جميع الأحوال ليس من السهل زعزعة النظام الإيراني القائم على أركان قوية، وسبق له أن واجه عدة أزمات، ولكن ما يحصل مختلف عن كل التحديات التي واجهتها السلطة في إيران، لاسيما أن من باشر الاحتجاجات هم من فئة الشباب الذين يبحثون عن حياة جديدة بعيدا عن نظام عتيق.
في جميع الأحوال، فإن ما يحصل في إيران على صلة بالإصلاح والديموقراطية بغض النظر عن المستفيدين والمتضررين، وهو يؤكد على مسألة هامة، وهي أن لا أحد في هذه المنطقة بمنأى عن رياح التغيير.