الاتفاق السري بين "لافارج" للإسمنت و"داعش" بسورية أمام القضاء الفرنسي

06 أكتوبر 2017
بقاء "لافارج" بسورية كان لقاء ثمن (فرانك فيف/فرانس برس)
+ الخط -


كشف مسؤولون سابقون في شركة "لافارج" السويسرية الفرنسية، المتهمة بتمويل مجموعات من بينها تنظيم "داعش" الإرهابي، أمام المحققين، أنّ الخيار الوحيد الذي كان أمامهم للبقاء في سورية كان "إما القبول بالرشوة إما الرحيل".

وبعد عام على فتح تحقيق أمام النيابة العامة في باريس، تواجه الإدارة الفرنسية للشركة اتهامات للاشتباه بأنّها "وافقت" على الرشى التي دفعها فرعها في سورية (لافارج سيمنت سيريا، إل سي إس) من خلال تقديم "كشوفات مالية مزورة".

في أكتوبر/ تشرين الأول 2010، بدأت "لافارج" بتشغيل مصنع للإسمنت في الجلابية في شمال سورية، وأنفقت عليه 680 مليون دولار. لكن موجة التظاهرات والأحداث اندلعت في البلاد بعد ذلك بستة أشهر.

وسارع الاتحاد الأوروبي إلى فرض حظر على الأسلحة والنفط السوري، وأعلنت الأمم المتحدة أنّ البلاد في حالة حرب أهلية.

اعتباراً من العام 2013، انهار إنتاج الإسمنت، وفرض تنظيم "داعش" وجوده في المنطقة. لكن وخلافاً لشركة النفط "توتال" وغيرها من المجموعات المتعددة الجنسيات، قرّرت "لافارج" البقاء.

ونقل مصدر قريب من التحقيق عن برونو لافون، رئيس مجلس الإدارة السابق للمجموعة، قوله لمحققي الجمارك، في يناير/ كانون الثاني: "بالنسبة لي الأمور كانت تحت السيطرة".

في المقابل، برّر مسؤولون سابقون آخرون استمرار نشاط الشركة بحجج أخرى، وهي الاحتفاظ بموقع استراتيجي، حتى تكون الشركة في الصف الأول عندما تدعو الحاجة لإعادة إعمار سورية بعد انتهاء المعارك.

وشدّد كريستيان هيرو، المساعد السابق للمدير التنفيذي العام، على أنّ السلطات الفرنسية وافقت على البقاء. وتابع "قالت لنا وزارة الخارجية إنّ علينا الصمود، وأنّ الأمور ستستتب (...). كنا نذهب كل ستة أشهر لزيارة السفير الفرنسي في سورية، ولم يقل أحد لنا أبداً: الآن يجب أن تغادروا".


"مئة ألف دولار كل شهر"

لكن البقاء في سورية كان لقاء ثمن. ويروي برونو بيشو، مدير المصنع بين 2008 و2014، أنّ الشركة كانت تضمن أمن موظفيها بدفع "بين 80 إلى 100 ألف دولار" كل شهر إلى وسيط يدعى فراس طلاس كان مساهماً صغيراً سابقاً في المصنع، وكان يوزّع المبلغ على فصائل مقاتلة عدة، موضحاً أنّ حصة تنظيم "داعش" كانت "تقارب 20 ألف دولار في الشهر".

ويقول مصدر قريب من التحقيق، لوكالة "فرانس برس"، إنّ التنظيم أصدر في المقابل ترخيصاً للسماح بمرور الإسمنت القادم من "لافارج" على الحواجز.

في 29 يونيو/ حزيران 2014، العام الذي أعلن "داعش" فيه إقامة "الخلافة"، نظم لقاء بين أحد كوادره، ومسؤول الأمن في المصنع. ويشتبه المحققون أيضاً في أنّ الشركة، وتحت غطاء عقود مزورة مع مستشارين، تزوّدت بالنفط من "داعش" الذي سيطر منذ يونيو/ حزيران 2013 على غالبية الاحتياطي الاستراتيجي من الذهب الأسود في المنطقة.

وأقرّ فريدريك جوليبوا، مدير المصنع اعتباراً من يوليو/ تموز 2014، بأنّ "الحكومة السورية لم تعد تسيطر على محطات التكرير، وبتنا نشتري من منظمات غير حكومية (...) بشكل مخالف تماماً للقانون".



أمن الموظفين

والسؤال الآخر المطروح في التحقيق، يتناول ما إذا كانت الشركة بذلت كل الجهود لضمان أمن موظفيها من السوريين، ففي صيف 2012، انتقلت إدارة المصنع من دمشق إلى القاهرة. وبعد بضعة أشهر، بدأ ترحيل الموظفين الأجانب على دفعات متتالية.

وقال جوليبوا إنّ البقاء كان "عملياً بمثابة إنجاز، والموظفون السوريون كانوا فخورين بالحفاظ على المصنع، إذ كان نوعاً من المقاومة بالنسبة إليهم".

إلا أنّ 11 موظفاً سابقين أشاروا في شكوى تقدّموا بها مع منظمة "شيربا" لمكافحة الفساد في العام 2016، إلى ضغوط شملت تهديدات بالطرد ووقف الأجور. غير أنّ هؤلاء الموظفين تدبّروا أمورهم بأنفسهم للفرار، عندما سيطر "داعش" على المصنع في سبتمبر/ أيلول 2014. واستمع القضاة في باريس، إلى ثلاثة من هؤلاء الموظفين السابقين، في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي.

وأعربت الشركة التي اندمجت مع "هولسيم" السويسرية في العام 2015 عن "الأسف"، مندّدة بـ"الأخطاء غير المقبولة التي ارتكبت في سورية".

(فرانس برس)