الاتحاد الخليجي المؤجل... النسيج الاجتماعي لا يكفي

11 ديسمبر 2015
عُمان عارضت "الاتحاد الخليجي" بشكل صريح (فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
إثر التغيرات الإقليمية والدولية، التي واكبت ثورات الربيع العربي في 2011، رأت السعودية في الدورة الثانية والثلاثين لاجتماعات قادة دول مجلس التعاون الخليجي، والتي عُقدت في ديسمبر/كانون الأول 2011، أن الوقت قد حان للانتقال من مرحلة "التعاون" إلى مرحلة "الاتحاد"، وطرحت أفكاراً حول "الاتحاد الخليجي" و"الكونفدرالية الخليجية"، بمقترح من الملك السعودي الراحل، عبدالله بن عبد العزيز.

جاء القرار وسط متغيرات عدة تهدد دول الخليج والأنظمة السياسية فيه. فمن جهة، هناك الثورات العربية والتي أسقطت أنظمة حليفة للخليج في المنطقة، ومن جهة أخرى، هناك إيران، والتي بدأت بتهديد دول الخليج بصورة مختلفة عن تهديدها له في الثمانينيات، من خلال التغلغل في محيط عدة دول (العراق وسورية واليمن). وتم الاحتفاء بالمقترح آنذاك، وسط تحفظات عُمانية، تحوّلت لاحقاً إلى رفض فكرة الاتحاد، والتلويح بالذهاب بعيداً، والخروج من منظومة دول مجلس التعاون، في حالة إقراره.

اليوم، وبعد سنوات من تقديم المقترح، وتشكيل هيئة لدراسته على ضوء تداولات قادة دول المجلس، يظهر أن الاقتراح قد تم تهميشه أو تأجيله إلى أجل غير مسمى، من دون توضيح رسمي لما دار في أروقة المجلس حول مصير "الاتحاد" و"الكونفدرالية" الخليجية. حتى أن كلمة "الاتحاد" غابت عن البيان الصحافي للمجلس الوزاري الممهد للقمة الحالية، واستعيض عنها بعبارة "العمل المشترك" و"تحقيق التكامل بين دول المجلس في جميع المجالات".

أسباب متعددة تجعل مشروع "الاتحاد الخليجي" غير ممكن في الوقت الحالي. ويمكن اختصار معوّقات قيام اتحاد أو كونفدرالية خليجية في أربع نقاط أساسية: اختلاف البنى السياسية في دول المجلس، الانقسام في الموقف الشعبي تجاه الاتحاد في بعض الدول، التباينات في الموقف من إيران، والعقدة العُمانية.

أنظمة سياسية متباينة

صحيح أن النسيج الاجتماعي في دول الخليج متشابه، لكن لا يبدو أن هذا الأمر يكفي للوحدة الخليجية ضمن المعطيات الحالية وفي المدى المنظور، بسبب تباينات تتعلق بتكوين الأنظمة السياسية ذاتها، وتتعلق بالمجتمع أيضاً وعلاقته بالمؤسسة السياسية.

فعلى سبيل المثال، لا يمكن تجاوز تمايز التجربة الكويتية السياسية عن تجارب باقي دول الخليج. فالكويت صاغت دستوراً يُشرك الشعب في الحكم مبكراً في الستينيات، وتمتعت الدولة بمستوى مرتفع من الحريات السياسية والإعلامية، بشكل مميز على مستوى العالم العربي، لا الخليج فقط. ينطبق هذا إلى حد ما على مملكة البحرين، والتي تحوّلت إلى مملكة دستورية، قبل ما يزيد عن العقد من الزمان، وفتحت المجال لحريات سياسية وإعلامية واسعة، تراجعت لاحقاً.

يميل إلى هذا الرأي بشكل كبير رئيس مجلس الأمة الكويتي السابق، أحمد السعدون، وهو أحد المعارضين في الكويت، والذي يؤمن بأهمية التعاون الخليجي والوصول إلى تكامل بين هذه الدول، لكنه دائماً ما عبّر عن صعوبات في المضي قدماً إلى الاتحاد من دون إصلاح سياسي، وخصوصاً أنه عاصر تطوّر التجربة السياسية الكويتية وساهم فيها. وهو يرى أن الكويت حازت مكتسبات يمكن أن تفقدها في حال الذهاب إلى اتحاد خليجي بشكل غير مدروس.

وللدولة الكويتية بنية سياسية مختلفة، تجعل اندماجها في اتحاد أو كونفدرالية أمراً صعباً من دون التوصل إلى صياغة إصلاحية سياسية جامعة داخل كل دول المجلس، بحيث يتم تجسير التباينات السياسية بينها، على مستوى إشراك الشعوب في القرار، وصناعته بشكل مؤسسي.

اقرأ أيضاً: انطلاق قمة الخليج.. إيران والإرهاب أبرز التحديات

انقسام على المستوى الشعبي

لا توجد أرقام دقيقة حول شعبية فكرة الاتحاد الخليجي بين شعوب المنطقة، لكن يمكن التخمين أن هناك تباينات حيال الفكرة نفسها في بعض الدول، من خلال قراءة مواقف الكتل السياسية والشخصيات ذات الوزن السياسي. من هنا يمكن الاستنتاج بوجود انقسام شعبي تجاه فكرة الاتحاد الخليجي في دولتين خليجيتين على الأقل، وهما البحرين والكويت. وبينما تتبنى حكومة البحرين فكرة الاتحاد وتدفع باتجاهه بصورة كبيرة، مدفوعة بالخشية من التدخّلات الإيرانية، تتحفظ الحكومة الكويتية على الاتحاد.

فهناك كتل سياسية في الكويت والبحرين لا تؤمن بحتمية الصدام مع إيران، أو لا ترى في إيران عدواً، وتخشى من هيمنة سعودية نتيجة للاتحاد، بحكم أنها الدولة الخليجية الأكبر في المنطقة، لذا تعارض أي اتجاه نحو الاتحاد الخليجي. وهناك أطراف أخرى تخشى على التجارب السياسية في دولها (البحرين والكويت تحديداً)، لذا فهي غير متحمسة كثيراً لفكرة الاتحاد الخليجي أو الكونفدرالية، وتحظى بدعم شعبي في هذا الأمرن بينما تجد فكرة الاتحاد دعماً شعبياً كبيراً، في دولتين خليجيتين على الأقل، هما السعودية وقطر، فيما يصعب التنبؤ بالموقف من الاتحاد في الإمارات وسلطنة عُمان.

العامل الإيراني

تَشكّل مجلس التعاون في عام 1981 مهجوساً بالخطر، الذي ظهر فجأة على الضفة الأخرى للخليج، وبات يتهددها، منذ عام 1979، إثر الثورة على نظام الشاه محمد رضا بهلوي في إيران، وقيام الجمهورية الإسلامية بقيادة مرشدها الأعلى آنذاك، آية الله الخميني. ومع أن نظام الشاه لم يكن على ود مع دول المنطقة، وهو من احتل الجزر الإماراتية، وطالب مبكراً بضم البحرين إلى "امبراطوريته"، إلا أن شعارات "تصدير الثورة" كان لها صدى مختلف بعد 1979. ثم تحوّل التمدّد الإيراني إلى دعم مليشيات تحاصر دول الخليج من خلال التمدّد في العراق وسورية واليمن.

ولم يكن الخوف من إيران العامل الوحيد لتشكيل المجلس، فدول الخليج وصلت إلى صياغة تعاون اقتصادي، والآن تنجح في تحقيق قدر كبير من التعاون الأمني مع الاتفاقية الأمنية لمواجهة الإرهاب، كما أنها تجاوزت سوية مخاضات عنيفة، كان أكبرها الحرب العراقية-الإيرانية والاحتلال العراقي للكويت. فالمجلس لم يكن تجمّعاً عسكرياً بحتاً لمواجهة إيران، وإن كانت إيران حاضرة في مداولات ودوافع تكوينه، كما يروي السياسي الكويتي، عبدالله بشارة، والذي تولى أمانة مجلس التعاون لدول الخليج العربي منذ تأسيسه حتى 1993، أي في أصعب لحظات الصراع مع إيران في المنطقة، بدعم العراق في حربه المفتوحة مع الجمهورية الإسلامية.

العامل الإيراني، الذي دفع الى تأسيس المجلس، هو ذاته الذي قد يساهم في منع تحوّله إلى اتحاد. فعلاقات دول المجلس مع إيران متفاوتة. وبينما تتقاسم السعودية والبحرين موقفاً حاسماً مناقضاً لإيران في المنطقة، تصرّ قطر، وهي ترفض التدخل الإيراني بشكل حاسم، على أن الحل يكمن في حوار خليجي ــ إيراني عرضت أن تستضيفه مراراً من دون أن تلقى تجاوباً. لكن رؤية الإمارات والكويت لإيران تختلف، بفعل وجود تعاون اقتصادي كبير بين هاتين الدولتين وإيران جعلهما لا تريان في إيران عدواً، ليصل الموقف من إيران إلى علاقة ود كما في الحالة العُمانية.

ويُشكّل الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى أبرز مثال على هذه الحالة، فبينما "رحبت" السعودية بتحفظ بالاتفاق، داعية إيران إلى "الكف عن التدخّل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة"، وأن تنفق الأموال التي سيُفرج عنها بفعل رفع العقوبات على رفاهية المجتمع الإيراني، بدلاً من تمويل المليشيات التي تقاتل في المنطقة، هنأت الكويت والإمارات القيادة الإيرانية على عقد الاتفاق. أما سلطنة عُمان، فساهمت في التوصّل إلى الاتفاق النووي.

العُقدة العُمانية

لسلطنة عُمان مواقف مختلف في الخليج، ليس من إيران فقط، ولكن من قضايا كثيرة، وربما مثّلت موافقة عُمان على الاتفاقية الأمنية الخليجية استثناء مثيراً للانتباه. ومن هنا تأتي العُقدة العُمانية في مجلس التعاون، فهي نابعة من مقاربة مسقط لأمنها الوطني بصورة مختلفة عن بقية دول الخليج.

انضمت عُمان إلى مجلس التعاون منذ تأسيسه، إلا أنها كانت تتخذ مواقف سياسية مستقلة عنه، وهذا امتداد لاستقلالها عن السائد العربي في المواقف السياسية قبل 1981. فعلى سبيل المثال، لم تقاطع مسقط الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، بعد الاتفاق مع إسرائيل في كامب ديفيد، كما أنها تمتعت بعلاقات جيدة مع إيران في زمن الشاه، والذي ساعدها في إخماد ثورة ظفار في السبعينيات. شعرت عُمان بالتغير الكبير في إيران بعد الثورة، لذا انضمت إلى دول الخليج، فهي أيضاً لا تثق بالإيرانيين، لكنها تواجه مخاوفها بشكل مختلف، من خلال تجنب عداوتهم أيضاً.

وقفت عُمان على الحياد من الحرب العراقية-الإيرانية، ولها موقف مختلف في اليمن، حيث رفضت الانضمام إلى التحالف العربي هناك، والذي ساهمت فيه كل الدول الخليجية. كما أنها تحاول القيام بدور لإيقاف الحرب اليمنية، من خلال عقد لقاءات مع الحوثيين بشكل مباشر. كما أن وزير الشؤون الخارجية العُماني، يوسف بن علوي، زار دمشق قبل فترة، ما اعتُبر إعلاناً لموقف مختلف جداً عن السائد السياسي الخليجي، والذي قاطع نظام بشار الأسد منذ سنوات.

حرصت عُمان على استقلالها عن دول خليج، ولا سيما السعودية، حتى أنها عطلت مشاريع اقتصادية، مثل مشروع الوحدة النقدية، خوفاً من الدخول في علاقة هيمنة من أي نوع. كما أنها عارضت الاتحاد الخليجي بشكل صريح، على لسان وزير الخارجية، يوسف بن علوي، الذي هدد بالانسحاب من مجلس التعاون في حال المضي قُدماً باتجاه الاتحاد. حرص عُمان على الاستقلال، ومقاربتها المختلفة لأمنها الوطني، والقائمة على تجنب الصدامات في المنطقة، ومحاولة اللعب على وتر الدبلوماسية بشكل رئيسي، جعلها الدولة الخليجية الأقرب إلى إيران، وربما قرأت في مساعي الاتحاد خطوة في اتجاه صدام مع طهران، خصوصاً أن الدعوات جاءت في سياق تهديدات إيرانية كبرى للبحرين، ووقوف السعودية في مواجهة هذه التهديدات.

اقرأ أيضاً: عُمان... دبلوماسية الأبواب المغلقة في هواية الوساطات

المساهمون