الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يتفقان على المرحلة الأولى من "بريكست"

08 ديسمبر 2017
بريطانيا تقبِل على الدخول بالمرحلة الثانية (جون ثيس/فرانس برس)
+ الخط -
بعد جهد جهيد ومفاوضات مطولة، تمكن الوفدان البريطاني والأوروبي من التوصل إلى اتفاق يختتم المرحلة الأولى من مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست".

وأعلنت، اليوم، كل من رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، ورئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، تحقيق التقدم المطلوب في النقاط الأولية، لتنتقل المحادثات بعدها نحو المرحلة الانتقالية والتفاهمات التجارية بين الطرفين.

وكانت المفاوضات قد دخلت مرحلة حرجة مع بداية الأسبوع الحالي، حيث كان يفترض أن يخرج الطرفان باتفاق، يوم الاثنين، قبل أن ينقضه الحزب الاتحادي الديمقراطي، حليف ماي في البرلمان البريطاني، بسبب الغموض الذي يكتنف الفقرة الخاصة بالحدود الإيرلندية.

ولكن أسبوعاً من المفاوضات المكثفة، تخلله اتصال برئيس الوزراء الإيرلندي، ليو فاردكار، ورئيسة الحزب الاتحادي الديمقراطي، أرلين فوستر، ومباحثات مطولة مساء أمس مع الجانب الأوروبي، أسفر عن انفراج في عقدة "بريكست"، ولقي ترحيباً من السياسيين البريطانيين من كافة الأطياف.

وتوصل الطرفان الأوروبي والبريطاني إلى تقدم يعتبره الجانب الأوروبي كافياً في النقاط الأساسية من المرحلة الأولى: حقوق المواطنين، وفاتورة الطلاق والحدود الإيرلندية.

فاتورة الطلاق

كانت هذه النقطة من أولى التفاهمات التي توصل إليها الطرفان. ويشمل الاتفاق عدم تخلي بريطانيا عن أي من التزاماتها تجاه الاتحاد الأوروبي. وبالتالي ستستمر بريطانيا في دفع حصتها من ميزانية الاتحاد التي تمتد لسبع سنوات وتنتهي مع نهاية عام 2020. كما أن بريطانيا ستلتزم بجميع تعهداتها الأخرى والتي تشمل مساهماتها في صندوق التقاعد والاستثمارات والقروض للأطراف الثالثة وغيرها. ورغم أن بريطانيا لم تتعهد بدفع مبلغ محدد، إلا أن الفاتورة ستصل في قيمتها النهائية إلى نحو 50 مليار جنيه إسترليني.

الحدود الإيرلندية
كانت الحدود بين إيرلندا الشمالية والجمهورية الإيرلندية المعضلة التي تسببت في تأخير الاتفاق المبدئي إلى نهاية الأسبوع، وهددت أيضاً استقرار الحكومة البريطانية الهش. فبعد الدراما التي نجمت عن انتقاد حلفاء ماي لغموض الفقرة الخاصة بتوافق الإجراءات بين شطري الجزيرة الإيرلندية، والتي فسرها هؤلاء بفصل إيرلندا الشمالية عن المملكة المتحدة، تمخض الاتفاق النهائي عن النقاط التالية:

  • تتعهد الاتفاقية بعدم إنشاء أي حدود صلبة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي الحدود بين شطري الجزيرة الإيرلندية، لحماية اتفاقية بلفاست. 
  • ستخرج كامل المملكة المتحدة، بما فيها إيرلندا الشمالية، من الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي.
  • لا توجد أية تفاصيل في الاتفاق عن كيفية المواءمة بين النقطتين السابقتين والإبقاء على الحدود المفتوحة، ولكن الاتفاق ينص على أنه وفي غياب اتفاق لاحق، ستضمن بريطانيا "التوافق التام" مع قواعد الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة التي تحمي اتفاق الجمعة العظيمة.

كما نجح الحزب الاتحادي الديمقراطي في إضافة فقرة خاصة بضرورة غياب أية حواجز تنظيمية بين إيرلندا الشمالية وبريطانيا من دون موافقة البرلمان الإيرلندي الشمالي، وفي صالح الحفاظ على اتفاق الجمعة العظيمة.

حقوق المواطنين
تعهد الطرفان بحماية حقوق المواطنين الأوروبيين المقيمين في بريطانيا والمواطنين البريطانيين المقيمين في الاتحاد الأوروبي في البقاء في أماكن إقامتهم. كما يتم الحفاظ على حقوق أبنائهم وأزواجهم وزوجاتهم.

وستخضع حقوق المواطنين الأوروبيين في بريطانيا إلى سلطة المحاكم البريطانية، ولكن سيتم تحويل القضايا غير الواضحة إلى محكمة العدل الأوروبية لمدة ثماني سنوات بعد موعد الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي.

كما توصل الطرفان إلى تفاهمات أخرى تشمل استمرار التعاون في مجالات التنظيم النووي والأمن، إضافة إلى ضمان استمرار تدفق السلع إلى الأسواق وطمأنة الأعمال والمستهلكين.



ومع التوصل إلى هذا الاتفاق الأولي، وإعلان المفاوض الأوروبي عن تحقيق التقدم المطلوب في المفاوضات، سيقوم قادة الاتحاد الأوروبي الذين سيجتمعون الأسبوع المقبل في بروكسل بمنح الضوء الأخضر لبدء المفاوضات التجارية التي لطالما أرادت بريطانيا الوصول إليها.
وبالفعل فإن الرغبة البريطانية الجامحة في التوصل إلى تفاهمات تجارية مع الطرف الأوروبي أدت إلى تنازل عن جميع الخطوط الحمر التي وضعها مناصرو "بريكست" أثناء الاستفتاء على الخروج من الاتحاد.

فبعد أشهر مطولة من المفاوضات، قبلت رئيسة الوزراء البريطانية بالتزام بلادها بقوانين الاتحاد الأوروبي، في تناقض مع رغبتها بالخروج من السوق المشتركة. فالتقرير الصادر صباح اليوم، ينص على أنه "في غياب حل متفق عليه، ستحافظ بريطانيا على التزامها التام بقواعد السوق الداخلية والاتحاد الجمركي". وهو ما يعني أن بريطانيا لن تكون عضواً في السوق المشتركة ولن تستطيع التأثير في قوانينها ولكنها ملتزمة بهذه التشريعات، بما فيها تلك التي تصدر بعد خروج بريطانيا.

كما أن ماي فشلت في الحفاظ على الوعد البريطاني بالتخلص من سلطة محكمة العدل الأوروبية، حيث إن المواطنين الأوروبيين سيحتمون بها كمرجعية للقرارات المتعلقة بهم. فالتقرير ينص على أن المحكمة مختصة بحماية حقوقهم والتي ستستمر على ما كانت عليه خلال عضوية بريطانيا في الاتحاد. وستستمر المحكمة الأوروبية في دورها كمرجعية تختص بحقوق المواطنين الأوروبيين حتى ثماني سنوات بعد موعد بريكست في مارس/آذار 2019.
كما أن بريطانيا ملزمة باستمرار الوضع الحالي كما هو خلال الفترة الانتقالية التي ستمتد لمدة عامين بعد موعد "بريكست". وهو ما يعني بقاءها في السوق المشتركة والاتحاد الجمركي والتزامها بالقوانين التي يتم سنها في هذين العامين.

وبالطبع تضاف إلى ما سبق الفاتورة الباهظة التي تعهدت بريطانيا بدفعها كثمن لخروجها من الاتحاد الأوروبي، والتي تناقض المواقف السابقة لمتطرفي "بريكست" في الحكومة البريطانية.

وبذلك تكون النتيجة الأهم لهذه المفاوضات الأولية تعريف العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. فبينما بدأت بريطانيا المحادثات معتبرة نفسها طرفاً مساوياً للاتحاد الأوروبي، يكشف الاتفاق النهائي عن قبول بريطانيا بجميع الإملاءات الأوروبية وكونها الطرف الأصغر في هذه المعادلة.