يعتبر الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو أنّ تعليم الأخلاق أكثر قدرة من التشريع على تكوين مواطن صالح يسعى إلى احترام حق أخيه الإنسان في العيش بكرامة وحرية. وهو ما يؤدي إلى تبني قيم اجتماعية صالحة تعطي للإنسان قيمته، وتمنع التعرّض له في كينونته الجسدية والنفسية، الأمر الذي يمنع اعتباره موضوعاً للتجارة وللاتجار.
يعتبر الاتجار بالبشر اليوم ظاهرة اجتماعية فاضحة من الناحية الأخلاقية والأدبية إلّا أنّها تشكل وسيلة اقتصادية ذات أرباح نقدية هائلة. من هنا كان لا بد من إدانتها ومحاربتها، وهو أمر أقرته الشرائع السماوية وشددت عليه القوانين الدولية. منها ما هو ملزم للدول كاتفاقية الأمم المتحدة لعام 2000، المعروفة باتفاقية باليرمو وبروتوكولها الإضافي الذي يهدف إلى حماية ضحايا الاتجار بالبشر ومعاقبة الأشخاص الذين يمارسون هذه الأعمال. ومنها ما هو غير ملزم كاتفاقية المجلس الأوروبي المعقودة في وارسو عام 2005.
أما على مستوى القانون الوضعي الداخلي، فإنّ التشريعات الخاصة بكلّ دولة لجأت إلى إدخال أحكام الاتفاقيات الدولية عبر مراسيم تطبيقية من جهة. ومن جهة أخرى أقرّت مبادئ عامة لحماية جسد الإنسان، وهو ما تبنته القوانين المدنية للدول المعاصرة كما هو الحال في فرنسا ولبنان حيث لا يعتبر الإنسان شيئاً داخلاً في التجارة. وتعتبر كلّ الاتفاقيات والعقود الواقعة على الجسد مخالفة للنظام العام وباطلة بطلاناً مطلقاً.
من الناحية القانونية، لا يقتصر تعريف الاتجار بالبشر على التجارة بمعناها الضيق، بل يشمل أيضاً كلّ الوسائل التي تجعل الإنسان مستخدماً بطريقة منافية لكرامته البشرية، ومنها استخدامه في مجال العمل غير المنظم أو غير المحمي قانوناً. ومنها استغلال النساء في مجال الدعارة المنظمة، واستغلال الأولاد القصّر في عمليات التسوّل الجماعي، واستخدام العمالة المنزلية في صورة غير إنسانية، وتكوين المنظمات الدولية العاملة في مجال الاتجار بالأعضاء البشرية، أو عمليات الخطف من أجل بيع هذه الأعضاء.
لكن، يفترض لتحقّق الجرم أن يستخدم المرتكب وسيلة أو آلية أو تقنية من شأنها أن تجعل رضى الضحية مصاباً بعيب، ومن ذلك الإكراه، أو العنف، أو التعسف في استعمال السلطة، أو استغلال ضعف الضحية، أو فقره، أو خداعه.
الحماية القانونية للأشخاص الذين كانوا ضحية أو عرضة للاتجار تتخذ عدة أشكال، فقوانين العقوبات في كلّ الدول تعاقب على الأفعال المذكورة أعلاه، أو على محاولة القيام بها بالسجن والغرامة معاً. لكنّ هذه الحماية قد تتخذ أيضاً دوراً وقائياً، وذلك عندما تعفي النصوص القانونية من العقاب أيّ شخص حاول القيام بهذه الأعمال الجرمية فقط، وذلك لأنّه قرر لسبب أو لآخر تنبيه السلطات القضائية على فرضية وقوع هذا الجرم مما سمح لها بمنع وقوعه.
الحماية القانونية أيضاً، ينبغي أن تؤدي إلى الحفاظ على سمعة الضحية وإلى إعادة الاستقرار النفسي لها. من هنا أهمية التعامل معها كضحية فعلية للاتجار والحفاظ على سرية هويتها، وحماية المعلومات التي يمكن تسريبها إلى الإعلام عن طريق سرية التحقيق. كما أنّ إجراءات المحاكمة للفاعلين يجب ألّا تكون علانية. والحاجة إلى إعادة الاستقرار النفسي للضحية توجب إعلامها بكلّ الإجراءات القضائية والقانونية الموضوعة في تصرفها. من هنا أهمية تقديم المعونة القضائية لها، مما يسمح بالاستفادة من خدمات المحامي والمشاركة الفعلية في تتبع المجرم ومعاقبته.
من الناحية الاجتماعية، تسعى القوانين في الدول المتحضرة إلى حماية متعددة الجوانب للضحية. غالباً ما تدعو قوانين الهجرة وإقامة الأجانب السلطات الإدارية المعنية إلى منح الإقامة لكلّ أجنبي كان ضحية اتجار وتقدم بشكوى ضد من مارس عليه هذه الأفعال. كما تسمح قوانين الحماية الاجتماعية لكلّ ضحية أن تطلب الحصول على مسكن اجتماعي، والاستفادة من عمل الهيئات الخاصة والعامة التي تمكّنها من استعادة استقلاليتها الشخصية والاجتماعية.
من الناحية التعويضية، وبالنظر إلى كون غالبية جرائم الاتجار بالبشر لا يقوم بها أشخاص منفردون، إنّما تكون نتيجة عمل منظمة دولية، فإنّ المشرّع التفت إلى الصعوبة، أو الاستحالة، والتي تقع فيها الضحية لاستحضار الفاعل أمام القضاء ومطالبته بالتعويض. ولذلك، لجأت التشريعات الحديثة إلى خلق صناديق تعويض مستقلة من شأنها أن تعوض على الضحية الضرر النفسي أو الجسدي الذي أصابها.
من الناحية الإدارية، فإنّ الحدّ من الاتجار بالبشر يتطلب من المشرّع استحداث تقنيات تساهم في الحدّ من العوامل المسببة للجرم، لا سيّما إزالة السبب الرئيسي للضعف البشري، وهو الفقر. وغالباً ما يكون ذلك عبر قيام الدول بتشجيع وتمويل دورات تدريب مهني تسهّل الحصول على عمل. وأيضاً عبر قروض مدعومة من الدولة تساعد الضحايا المفترضين على خلق فرص عمل شخصية. كذلك، يتطلب الأمر تشكيل هيئات متخصصة وفرق عمل قانونية وقضائية لمنع الاستفادة من هذه الجرائم.
(محامٍ بالاستئناف في باريس)
اقــرأ أيضاً
يعتبر الاتجار بالبشر اليوم ظاهرة اجتماعية فاضحة من الناحية الأخلاقية والأدبية إلّا أنّها تشكل وسيلة اقتصادية ذات أرباح نقدية هائلة. من هنا كان لا بد من إدانتها ومحاربتها، وهو أمر أقرته الشرائع السماوية وشددت عليه القوانين الدولية. منها ما هو ملزم للدول كاتفاقية الأمم المتحدة لعام 2000، المعروفة باتفاقية باليرمو وبروتوكولها الإضافي الذي يهدف إلى حماية ضحايا الاتجار بالبشر ومعاقبة الأشخاص الذين يمارسون هذه الأعمال. ومنها ما هو غير ملزم كاتفاقية المجلس الأوروبي المعقودة في وارسو عام 2005.
أما على مستوى القانون الوضعي الداخلي، فإنّ التشريعات الخاصة بكلّ دولة لجأت إلى إدخال أحكام الاتفاقيات الدولية عبر مراسيم تطبيقية من جهة. ومن جهة أخرى أقرّت مبادئ عامة لحماية جسد الإنسان، وهو ما تبنته القوانين المدنية للدول المعاصرة كما هو الحال في فرنسا ولبنان حيث لا يعتبر الإنسان شيئاً داخلاً في التجارة. وتعتبر كلّ الاتفاقيات والعقود الواقعة على الجسد مخالفة للنظام العام وباطلة بطلاناً مطلقاً.
من الناحية القانونية، لا يقتصر تعريف الاتجار بالبشر على التجارة بمعناها الضيق، بل يشمل أيضاً كلّ الوسائل التي تجعل الإنسان مستخدماً بطريقة منافية لكرامته البشرية، ومنها استخدامه في مجال العمل غير المنظم أو غير المحمي قانوناً. ومنها استغلال النساء في مجال الدعارة المنظمة، واستغلال الأولاد القصّر في عمليات التسوّل الجماعي، واستخدام العمالة المنزلية في صورة غير إنسانية، وتكوين المنظمات الدولية العاملة في مجال الاتجار بالأعضاء البشرية، أو عمليات الخطف من أجل بيع هذه الأعضاء.
لكن، يفترض لتحقّق الجرم أن يستخدم المرتكب وسيلة أو آلية أو تقنية من شأنها أن تجعل رضى الضحية مصاباً بعيب، ومن ذلك الإكراه، أو العنف، أو التعسف في استعمال السلطة، أو استغلال ضعف الضحية، أو فقره، أو خداعه.
الحماية القانونية للأشخاص الذين كانوا ضحية أو عرضة للاتجار تتخذ عدة أشكال، فقوانين العقوبات في كلّ الدول تعاقب على الأفعال المذكورة أعلاه، أو على محاولة القيام بها بالسجن والغرامة معاً. لكنّ هذه الحماية قد تتخذ أيضاً دوراً وقائياً، وذلك عندما تعفي النصوص القانونية من العقاب أيّ شخص حاول القيام بهذه الأعمال الجرمية فقط، وذلك لأنّه قرر لسبب أو لآخر تنبيه السلطات القضائية على فرضية وقوع هذا الجرم مما سمح لها بمنع وقوعه.
الحماية القانونية أيضاً، ينبغي أن تؤدي إلى الحفاظ على سمعة الضحية وإلى إعادة الاستقرار النفسي لها. من هنا أهمية التعامل معها كضحية فعلية للاتجار والحفاظ على سرية هويتها، وحماية المعلومات التي يمكن تسريبها إلى الإعلام عن طريق سرية التحقيق. كما أنّ إجراءات المحاكمة للفاعلين يجب ألّا تكون علانية. والحاجة إلى إعادة الاستقرار النفسي للضحية توجب إعلامها بكلّ الإجراءات القضائية والقانونية الموضوعة في تصرفها. من هنا أهمية تقديم المعونة القضائية لها، مما يسمح بالاستفادة من خدمات المحامي والمشاركة الفعلية في تتبع المجرم ومعاقبته.
من الناحية الاجتماعية، تسعى القوانين في الدول المتحضرة إلى حماية متعددة الجوانب للضحية. غالباً ما تدعو قوانين الهجرة وإقامة الأجانب السلطات الإدارية المعنية إلى منح الإقامة لكلّ أجنبي كان ضحية اتجار وتقدم بشكوى ضد من مارس عليه هذه الأفعال. كما تسمح قوانين الحماية الاجتماعية لكلّ ضحية أن تطلب الحصول على مسكن اجتماعي، والاستفادة من عمل الهيئات الخاصة والعامة التي تمكّنها من استعادة استقلاليتها الشخصية والاجتماعية.
من الناحية التعويضية، وبالنظر إلى كون غالبية جرائم الاتجار بالبشر لا يقوم بها أشخاص منفردون، إنّما تكون نتيجة عمل منظمة دولية، فإنّ المشرّع التفت إلى الصعوبة، أو الاستحالة، والتي تقع فيها الضحية لاستحضار الفاعل أمام القضاء ومطالبته بالتعويض. ولذلك، لجأت التشريعات الحديثة إلى خلق صناديق تعويض مستقلة من شأنها أن تعوض على الضحية الضرر النفسي أو الجسدي الذي أصابها.
من الناحية الإدارية، فإنّ الحدّ من الاتجار بالبشر يتطلب من المشرّع استحداث تقنيات تساهم في الحدّ من العوامل المسببة للجرم، لا سيّما إزالة السبب الرئيسي للضعف البشري، وهو الفقر. وغالباً ما يكون ذلك عبر قيام الدول بتشجيع وتمويل دورات تدريب مهني تسهّل الحصول على عمل. وأيضاً عبر قروض مدعومة من الدولة تساعد الضحايا المفترضين على خلق فرص عمل شخصية. كذلك، يتطلب الأمر تشكيل هيئات متخصصة وفرق عمل قانونية وقضائية لمنع الاستفادة من هذه الجرائم.
(محامٍ بالاستئناف في باريس)