الائتلاف السوري: محادثات جنيف أصبحت عبثية

20 ابريل 2016
مجازر النظام السوري تُسقط المحادثات (فرانس برس)
+ الخط -


بعد يومٍ واحد من إعلان هيئة التفاوض العليا، المنبثقة عن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، تعليق مشاركتها بمحادثات جنيف، والتي تزامنت مع مجازر طيران النظام، أكدت المعارضة السورية أن الظروف الحالية غير مناسبة لمتابعة محادثات جنيف.

المعارضة السورية، وإن تركت الباب موارباً لاستئناف المفاوضات في حال تهيئة "الظروف الملائمة"، بدت أكثر تأكيداً، خلال اليومين الماضيين، على أنها التزمت بتعهداتها الدولية في محادثات الحل السياسي، ورمت الكرة في ملعب المجتمع الدولي، وهذا ما ذهب إليه رئيس الائتلاف السوري، أنس العبدة، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده اليوم الأربعاء، في مدينة إسطنبول التركية، والذي تحدث خلاله عن أن للمعارضة خيارات أخرى إذا ما وصلت محادثات جنيف إلى طريق مسدود.

وشدد العبدة على أن المعارضة قامت "بكل ما هو مطلوب منها من أجل خدمة العملية السياسية والعملية التفاوضية، لهدف واحد وهو أننا نريد لهذا الشعب أن يعيش بحرية وكرامة، ونريد أيضا حقن الدماء، قمنا بكل ما يمكننا القيام به، ولكن الكرة الآن ليس في ملعبنا"، مشيراً إلى أن "البيئة الحالية غير مناسبة للمفاوضات في جنيف، وإذا لم يكن يحصل هناك تغيير حقيقي، فإن العملية التفاوضية يمكن أن تنهار بشكل كامل، وعندها سيتحمل المسؤولية ليس فقط النظام، وإنما، أيضا، أصدقاء الشعب السوري والمجتمع الدولي".

مجازر النظام

كما طالب رئيس الائتلاف بـ"لجنة تحقيق دولية بخصوص الجرائم التي ارتكبها النظام البارحة في إدلب (معرة النعمان، كفرنبل)، وحلب (حي صلاح الدين)، وريف دمشق (بالا -الغوطة الشرقية)"، والتي راح ضحيتها "108 شهداء، منهم 14 طفلا و9 سيدات، وهذه حصيلة يوم واحد مما يسمى بالهدنة"، مؤكداً أنه "لم يعد ممكناً الاستمرار في المحادثات مع الإجرام الذي يرتكبه النظام، وعملية تجاهل كل ما له علاقة بالهدنة".

وفيما تحدث العبدة عن أن الـ53 يوماً من الهدنة سُجلت فيها "خروق في 1149 منطقة في سورية، موزعة على 2100 خرق للنظام، و114 خرقا للقوات الروسية، وارتكبت 28 مجزرة خلال الفترة راح ضحيتها 1741 شهيدا"، فإنه أثنى على موقف هيئة التفاوض العليا، بخصوص قرارها أمس تعليق المشاركة في محادثات جنيف، مشيراً إلى أنها "وصلت لقناعة أن عملية جنيف أصبحت عبثية، ولم يعد هناك أي شيء يرتجى من قبل النظام فيما يتعلق بمناقشة الحل السياسي".

وأضاف المتحدث نفسه أنه "لم يكن لدينا أي وهم، أن الحل في سورية هو حل عسكري سياسي، وما نراه في جنيف هو فقط عشرة في المائة من هذا الحل(..) قلنا بشكل واضح إنه لا يمكن الحديث عن الحل السياسي دون وجود بيئة مناسبة لهذا النقاش"، مؤكداً أن إصرار المعارضة على تنفيذ البنود 12- 13- 14 من قرار مجلس الأمن رقم 2254 كان سببه أن "تنفيذ هذه البنود غير التفاوضية سوف يشكل بيئة مناسبة لعملية التفاوض، وعندما لا يتم تنفيذ إلا أقل من عشرة بالمائة من هذه البنود فعندها المجتمع الدولي لا يقوم بتشكيل البيئة المناسبة للمفاوضات في جنيف".

وحول ما يمكن أن تقوم به المعارضة السورية بعد موقفها الأخير القاضي بتعليق المحادثات في جنيف، قال إن "لدينا خيارات أخرى.. وما تشاهدونه في المرحلة القادمة على الأرض سيكون جزءا من هذه الخيارات".

وكان الائتلاف الوطني السوري قد أدان بـ"أشد العبارات" مجازر يوم الثلاثاء، الذي تعتبر الأشد دموية في سورية منذ بداية الهدنة أواخر شباط/فبراير الماضي، مطالباً "المجتمع الدولي بتجاوز صمته، والبدء بالتحرك من خلال إجراءات حقيقية وعاجلة"، مؤكداً أن "مجازر اليومين الماضيين هي دلائل إضافية على أحقية ومشروعية قرار الهيئة العليا للمفاوضات بتعليق مشاركتها وتأجيل المشاورات، حيث لا يمكن تهيئة مناخ حقيقي لأي عملية سياسية في ظل استمرار آلة القتل والإجرام؛ إلا بإيقاف تلك الآلة ووضع حد نهائي لجرائم الأسد بحق المدنيين، كما لا بد للمجتمع الدولي أن يفهم بأن من يقتل المدنيين لا يمكن أن يكون شريكاً في أي عملية انتقالية".

وتزامنت المجازر أمس، مع إعلان رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، "تعليق المشاركة" في محادثات جنيف، نافياً أن "يكون لدى الهيئة نية لمراجعة قرارها، غداً الخميس، كما أعلن المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا".

روسيا تدافع عن الأسد

إلى ذلك، توالت ردود الأفعال حول قرار المعارضة السورية، إذ قال وزارة الخارجية الروسية، اليوم الأربعاء، إن اتهامات المعارضة للحكومة السورية بانتهاك وقف إطلاق النار لا أساس لها، في الوقت الذي سوّق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اليوم، لكون الدعم الروسي للحكومة "الشرعية" السورية، كما وصفها، ساعد في منع انهيار نظام الدولة، وساهم في الحفاظ على مؤسسات السلطة. 

وزعم بوتين، خلال مراسم تسليم أوراق اعتماد سفراء أجانب، أنه "خلال الفترة الماضية، تسنى تحقيق عدد من الخطوات الهامة الرامية إلى ضمان التسوية السلمية في سورية، ومكافحة الإرهابيين الدوليين الموجودين هناك"، مضيفا أن الدعم الروسي "ساهم في منع سقوط عدد كبير من الضحايا الجدد بين السكان المدنيين"، متجاوزاً التقارير اليومية التي تفيد بوقوع عشرات الجرحى بسبب قصف المقاتلات الروسية للمدنيين. 

وأشار الرئيس الروسي، إلى أن العملية ساعدت في "تحرير عدد من المدن، بما فيها تدمر"، مضيفاً أنه "بدعم من الطيران الروسي، حررت القوات السورية أكثر من 400 بلدة، وتم القضاء على آلاف الإرهابيين، بمن فيهم عناصر من روسيا وغيرها من بلدان رابطة الدول المستقلة".


وتابع قائلاً: "بالتعاون مع الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء، تسنى إطلاق العملية السياسية، بمشاركة دمشق الرسمية وقوى المعارضة، وخلق الظروف لتقديم المساعدات الإنسانية للسكان المحتاجين في سورية".

فرنسا وأميركا ترفضان ممارسات النظام

غير أن الخارجية الأميركية قالت، الثلاثاء، إن غالبية الانتهاكات ارتكبها النظام، ومن المرجح أن تكون القوات الحكومية السورية هي التي شنت ضربات جوية أسفرت عن مقتل نحو العشرات في سوق مزدحمة في منطقة يسيطر عليها معارضون في شمال غرب البلاد.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي: "من المرجح جدا أن تكون قوات النظام هي من فعل ذلك، لكن المعلومات ما زالت ترد. غالبية الانتهاكات ارتكبها النظام ولدينا ما يدفعنا للاعتقاد في هذه اللحظة أن هذا القصف لم يكن مختلفا عن هذا السياق".

وأضاف كيربي "ما زلنا نعتقد أن وقف القتال ما زال قائما، وأنه متماسك إلى حد بعيد، لكن من المهم الإبقاء عليه"، مضيفا أن العنف قد زاد في الأيام الأخيرة، ولكن مستواه لا يزال أقل مما كان قبل تطبيق اتفاق وقف العمليات القتالية الذي رعته روسيا والولايات المتحدة وتم الاتفاق عليه في فبراير/ شباط. وذكر أنه "لم يكن أحد يفكر مطلقا أن يشهد هذا الأسبوع في جنيف نهاية تامة أو إنجازا تاما للعملية السياسية أو للمحادثات في حد ذاتها، الأمر ليس كما لو كنا ننظر إلى الأمور بمنظار وردي. ليس الأمر كما لو كنا لا نرى ما يحدث في جنيف على حقيقته".

وفي سياق متصل، نقلت وكالة "رويترز" عن متحدث، لم تذكر اسمه، اليوم الأربعاء، أن فرنسا ترى أن الغارات الجوية على إدلب السورية تظهر من جديد اندفاع النظام إلى العنف ورفضه لأي حل سياسي.

تركيا مع العودة للمفاوضات

في هذه الأثناء، حثّ وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، المعارضة السورية، اليوم الأربعاء، على العودة إلى محادثات السلام في جنيف. وأدلى الوزير بالتصريحات في مؤتمر صحافي بالعاصمة أنقرة. 

وكان كبير مفاوضي الحكومة السورية، بشار الجعفري، قد شدد على أن فريقه يسعى للاتفاق على حكومة موسعة بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد خلال المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة، مضيفا أن مستقبل رئيس النظام بشار الأسد ليس محلّ نقاش، الأمر الذي ترفضه المعارضة.

وأضاف الجعفري، أن الحكومة الأوسع التي يريدونها ستحافظ على كل مؤسسات البلاد القائمة. وفي ما يشبه الرد على مزاعم الجعفري، قال رياض حجاب، اليوم الأربعاء، إن المعارضة لن تخضع للابتزاز السياسي الذي يمارسه النظام، وشدد على أن رفع المعاناة عن الشعب السوري هي مسألة فوق مستوى التفاوض. وأضاف حجاب، في تغريدات له على موقع "تويتر"، أن رفع المعاناة عن الشعب السوري يجب أن تتمّ وفق القرارات الأممية، التي يجب تنفيذها بشكل فوري وغير مشروط.