الإهمال في صيانة المباني يكلف التونسيين حياتهم

20 ديسمبر 2015
تصدّع الجدران داخل المنازل (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
في قلب العاصمة التونسيّة، وغيرها من المدن، تتواجد مئات العقارات المنسيّة التّي تشكّل تهديداً يوميّاً لحياة المواطنين، وسط تغافل الدولة لأرواح عائلات بأسرها قد تُدفن في أي لحظة تحت أطنان من الركام.
يوضّح المهندس المعماري أنيس الليلي "أنّ وضعيّة المباني الآيلة للسقوط معقّدة للغاية في تونس، فالمباني المهددة منتشرة في الأحياء الفقيرة بشكل لافت، كما أن المباني التابعة للدولة أيضاً مهددة بدورها بالسقوط، رغم أنها تصنّف ضمن المعالم الأثريّة للبلاد بسبب إهمال أعمال الصيانة".
وقد أحصت كلّ من وزارة التجهيز ووزارة الثقافة أكثر من 15 ألف عقار تابعة لبعض الأجانب من الحقبة الاستعماريّة، منها حوالي 7700 عقار آل إلى الدولة التونسية و8000 عقار رفض أصحابها الأجانب تسليمها إلى الدولة. أمّا المدينة العتيقة فتضم ما بين 15 إلى 20 ألف مسكن نحو 15٪ منها وضعها متدهور أو آيل للسقوط.
ويقول الليلي "تجد البلديات صعوبات عديدة لإزالة هذه المباني، منها تشتت ملكية العقار أو غياب أصحابها الحقيقيين، ولذا لا تتقدم البلديات بأي خطوات من أجل إزالة هذه المباني، أو إعادة ترميمها". ورغم وضع قانون في تونس لتنظيم هذه العقارات، إلاّ أنّ المشكلة تكمن في آلاف العائلات ضعيفة الدخل التي لا تستطيع الانتقال إلى مساكن أخرى، والتي التجأت إلى هذه العقّارات بمقابل إيجار هزيل أو في أحيان كثيرة بوضع اليد، وفق الليلي.
من جهة أخرى يقرّ المهندس أحمد العياد بوجود تعقيدات كبيرة للوضعيّة القانونية للمباني الآيلة للسقوط، إذ تكمن المشكلة الأساسيّة بالنسبة للدولة في ارتفاع تكاليف الترميم، حيث قدّرت وزارة التجهيز تكلفة الصيانة للعقارات التي كانت مملوكة للأجانب بنحو 45 مليون دولار، ليس هذا فحسب، بل تمتد المشكلة لتشمل المباني الحديثة التي تم إنشاؤها للطبقات الفقيرة بالخصوص، أو ما يعرف في تونس بالمساكن الاجتماعيّة، حيث تعاني آلاف المباني من التقادم والاهتراء، نظراً لغياب الصيانة أو لعيوب في البناء على غرار الرطوبة وتصدّع الجدران ومشاكل في الصرف الصحيّ، فمن بين 40 ألف وحدة سكنية في العاصمة، فإنّ نسبة لا تتجاوز 20% ظلّت حتّى هذه الساعة دون عيوب. ويعود السبب الأساسي لعمليات المحاباة في إسناد الصفقات العموميّة للمقاولين الخواص، وغياب رقابة إداريّة صارمة على مراحل التنفيذ.

عجز الدولة
يقول الخبير الاقتصادي محمد ياسين السوسي "إن تشعّب القوانين الخاصة بملكية العقارات، أدّى بدوره إلى تعقيد الانعكاسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة". ويؤكد أن المباني التابعة لوزارة الثقافة والمصنّفة كجزء من الموروث التاريخي والثقافي للشعب التونسيّ تقع تحت مسؤوليّة وزارة الثقافة التي تعاني بدورها من محدوديّة الموارد، وهو ما يجعلها عاجزة عن الإقدام على عمليات صيانة كبرى وشاملة، لتكتفي بالتدخّل الجزئيّ عند الضرورة. أمّا المباني التابعة لوزارة التجهيز والتي وقع تأميمها بعد الاستقلال، فكانت عرضة للإهمال".

ويتابع: "اقتصر تدخّل الدولة على المباني الموجودة في الشوارع الكبرى، أما البقيّة فهي عرضة للتصدع أكثر فأكثر، مخلّفة حالة من الذعر في صفوف السكان والمارة". ومع مرور الوقت تتزايد تكاليف الصيانة والترميم، والتي ستتضاعف في السنوات الخمس المقبلة من 45 مليون دولار حسب تقديرات وزارة التجهيز إلى ما يفوق 60 أو 70 مليون دولار. ليس هذا فحسب، إذ يضيف السوسي "إنّ الارتدادات السلبيّة تشمل حرمان شوارع بأسرها من الاستثمار الخاصّ، وهو ما يؤدّي إلى تركّز الأنشطة التجاريّة والاقتصاديّة في مناطق دون غيرها". كما تجد الدولة نفسها عاجزة عن توفير مساكن بديلة لسكان تلك المناطق والذين لا يدفعون أكثر من عشرين دولاراً كمعلوم إيجار وفقا لعقود الإيجارالقديمة.

اقرأ أيضاً:تونسيّون يعيشون تفاوتاً اجتماعيّاً بين أحيائهم السكنيّة
المساهمون