للمصريّين القدماء طريقة خاصّة في مقاربة الجنس، فالرسومات على جدران المعابد وفي غرفها الداخلية، لم توضّح تمامًا ما الذي يحدُث وما الغرض منها، رغم احتوائها على دلالات جنسيّة ورموز للخصوبة، إلا أنها امتازت ببعض الغموض، وشمَل هذا العديد من الرسومات التي توضّح حركات حميميّة على جدران المعابد أو على "مخربشات" أيضًا، وأطباق وأوانٍ وصناديق، اشترك الجميع في صفة واحدة: الإشارة والتلميح إلى الجنس، عدا أثر واحِد واضح: برديّة تورين الجنسيّة.
هذه البرديّة المحفوظة في المتحف المصري في مدينة تُورين الإيطالية، هي الأثر الأكثر وضوحًا على الممارسات الجنسية وطبيعتها في مصر القديمة، بجانب بعض الرسومات المُنمنمة على جدران معبد وشقف حجريّة متناثرة، كوّنت لدينا اليوم انطباعًا واضحًا عمّا كان يجري، وهذا المقال جولة سريعة تحاول أن تكون مُتعمّقة في هذه الآثار.
لقد كانت "حتحور" ربّة نسويّة بالمعنى الشامل للكِلمة، ربّة الخصوبة والموسيقى والغناء وراعية العشق والعاشقين، حامية النساء ومصالحهن الأرضيّة والسماويّة، ومعبودتهم الأثيرة، اسمها مكوّن من مقطعين حت – حُر بمعنى " سكن حُر"، فهي زوجة حورس "حُر" ابن إيزيس "إست" في النُطق المصري القديم، وكان يُشار إليها في أغاني الحُب والغزل الفرعوني، بعدّة أسماء كلّها تحمل معاني التقديس والإجلال، أكثرهن محبّة هو "الذهبيّة"، مثل هذه القصيدة التي تصِف فيها امرأة شوقها لحبيب أحمق لا يشعر بها، لكنّها تتمنّاه رغم ذلك، يبدو أنها عادة مصريّة قديمة:
"بصوته يُغري الحبيب قلبي ويدعني فريسة للسقم
يسكن بجوار دار أمي ولا أعرف سبيلًا إليه
قد تكون حاجتي لدى أمي فلأذهب إذن لأراها
انظر، ينشغل به قلبي.. رغمًا عني
وحبي له يملك عليّ أمري
انظر، إنه أحد الحمقى لكني أنا أيضًا مثله وهو جاهل أمانيّ..
أني أود عناقه وأن يرسل لأمي
آه يا حبيبي.. لو جعلتني "الذهبيّة" ربّة النساء من نصيبك
تعال إلي فأرى بهاءك
ليفرح أبي وأمي
ويحتفي بك كل الناس وينادون جميعًا: حبيبي".
حتحُور هي التجلّي الأعظم لمجتمع يساوي بين المرأة والرجل بشكل عام، بداية من تولّي المناصب الهامّة والمُلك، وحق الحصول على ملكيّة خاصة أو عمل تجاري، العمل بأي مهنة حتّى الكهانة والتطبيب، وبشكل خاص، كانت المرأة تتزوّج من تريد لأي سبب تراه مناسبًا دون ولاية من أحد، كما كان لها حق تطليق نفسها لأي سبب تراه مناسباً، وحق اختيار الشريك في نوع العلاقة التي تنال رضاها.
وبالحديث عن الرضا، وبشكل خاص الرضا عن المُتعة، فالمصريّون القدماء كانوا على خلاف حضارات ذلك الوقت، أكثر تقدمًا ورقيًا، وكان الجنس مسألة إمتاع واستمتاع، يسير دائمًا في اتجاهين، وكان للمرأة أن تطلب المتعة، وأن تغازل حبيبها كما تشاء، حتّى أن جزءًا من اللغة المستخدمة وقتها تعبير" نفر" الذي يشير إلى الجمال، وفي نفس الوقت قد يُستخدم كتورية للعضو الجنسي، فتغنّي المرأة لحبيبها في قصائد الحُب - بمنتهى الجُرأة والعاديّة في نفس الوقت - قائلة: أرنِي جمالك.
كما لم يكن لدى مصر القديمة، أي اعتراف بتشويه الأعضاء التناسلية للإناث "الختان"، فقط خِتان الذكور، ولم يكن لديهم أيضاً مفهوم محدد للعُذرية، أو أي توقعات من أي نوع في ما يتعلّق بها، بمعنى أنها لم تكن مُرتبطة بأي مفاهيم أو قيم أخرى مثل الذي نلاقيه اليوم من ربطها بشرف المرأة وعرض الرجال ذوي القرابة، كان بإمكان الأفراد الدخول في علاقات جنسيّة حرة طالما كان الطرفان غير مرتبطين، بعكس المتزوّجين، والذين كانت عقوبة ارتكابهم الزنا تصل إلى الجلد والتعذيب الشديد.
كان المُجتمع يعترف بالمثليّة الجنسية عمومًا، وإن كان السحاق نادرًا ولم يتم ذكره كثيرًا، حيث ذُكر في "كتاب الأحلام" – بردية كارلسبرغ رقم 13 – والذي يرجع إلى العصور المتأخرة، يظهر فيه مُعاتبة امرأة لأخرى، لأنها "حلمت أنها تمارس الجنس مع امرأة متزوّجة"، ورجّحت الآراء أن النص قام بتجريم الخيانة الزوجيّة، ولم يجرّم فعل السحاق بشكل عام، وهذا يعطي انطباعًا أن السحاق كان مقبولًا في المجتمع المصري إلى حد كبير.
كانت المرأة المصريّة تتحكّم تمامًا قي علاقاتها وما تريده منها، وحين كانت تقرر ممارسة الجنس بهدف المتعة فقط، كانت هناك وسائل منع حمل متاحة ويتم استخدامها على نطاق واسع، حفاظًا على الحق في المُتعة صافيًا من دون الاضطرار لتحمّل تكلفة الحمل وإرهاق الميزانية المشتركة بالمزيد من الأطفال. هناك وسائل منع حمل عديدة مذكورة في بردية "كاهون" لطب النساء منها استخدام علكة الأكاسيا، التي عُرف عنها أنها يمكن عند طحنها وتعاطيها أن تقتل الحيوانات المنوية، ومن بردية برلين رقم 192 نتعرف على وصفة أخرى: تبخِير الرحم بحبوب الشعير، وحتى لا يصل السائل المنوي له يطبخ قليل من الزيت وقليل من الكرفس وقليل من البيرة المحلاة لتشربه المرأة صباحًا.
وفي برديّة إبرِس الطبيّة رقم 783 وصفة يصنعها الطبيب أو الزوج للزوجة لكي تتوقف المرأة عن الإنجاب لمدة عامين أو ثلاثة أعوام: يُطحن البلح والحنظل والكافور في إناء من الفخار ثم يعجن الكُل مع عسل النحل وفتائل من الكتان، ليوضع داخل المهبل، وبالبرديّة وصفة أكثر جموحًا: خلط روث التمساح بالصمغ ببذور السنط والعسل وبذور الصوف المُبللة، ويصنع منها لفافة يتم وضعها داخل المهبل!
من أهم الآثار التي وصلتنا إثارة للخيال في ما يتعلّق بتقديس الجنس، واعتبار المرأة جزءًا من هذا التقديس، هي مجموعة غُرف في سقّارة، تُعرف باسم "غُرف الإله بِس"، تحمل جدرانها تصويرًا للإله ومعه مجموعة نساء عاريات، على أفخاذهن وشم للإله، وتظهرهم المناظر يرقصن ويعزِفن، وتراوحت آراء علماء المصريّات في الغرض من هذه الغُرف، فهناك من قال إنها كانت مخصصة لزائرين يعانون من مشاكل جنسيّة، أو لأغراض تعليميّة ونصائح من الإله في ما يتعلّق بطقوس الإمتاع، وقد تكون رقصاتهن طقوساً خاصة لحماية المرأة الحامل أثناء الولادة وحماية الجنين، وربّما كان الغرض من الوشوم على الأفخاذ، هوَ حماية من الأمراض المنقولة جنسيًا، أي أن الطقوس التي كن يقُمن بها كانت تتضمّن اتصالاً جنسيًا.
في أوائل القرن التاسع عشر، تم اكتشاف برديّة "تورين"، التي أعطت تفصيلًا واضحًا لدور المرأة في العلاقة الحميميّة، بجانب طبق أزرق من الفُسيفساء للإله بِس، لنفهم أكثر، نستكمل ما نعرفه عنهما في المقال القادم.