في مدخل كتاب النفزاوي "الروض العاطِر في نُزهة الخاطِر" تقع جُملة قالها سلطان تونس آنذاك عبد العزيز الحفصي، حين قدّم له كتابه الذي يتحدّث عن فنون المُتعة: "لا تخجل فإن جميع ما قلته حق ولا مروغ لأحد عما قلته، وأنت واحد من جماعة، ليس أنت بأول من ألّف في هذا العلم وهو والله مما يحتاج إلى معرفته ولا يجهله ويهزأ به إلا جاهل أحمق قليل الدراية."
في الكتاب، قسمٌ كامل عن كيفية التعامل مع المرأة في كل ما يتعلّق بالجنس، وكان هذا الحديث بين عامي 1410 و1434 ميلاديّة، مثله مثل "رجوع الشيخ إلى صباه" لأحمد بن كمال باشا والذي يستخدم عبارات واضحة وصريحة عن "أقصى الشهوة" و"أقصى اللذة"، متعاملاً مع الجنس، على أنه مسألة تؤول في اتجاهين، وليس باباً لمُتعة الرجل وحدَه، وكان هذا عام 1891 ميلاديّة تقريباً.
إذا عدنا إلى الوراء قليلاً، فإن ابن حزم أوضَح وأبان واستفاض في الحُب وعن الحُب وللحُب بمئات الأعوام قبل أسامة منير، ففي حوالي عام 1022 ميلاديّة، كتب بمنهج تحليلي وصفي عن آثار الحُب على النفوس قائلاً:"إن للحب حكماً على النفوس ماضياً، وسلطاناً قاضياً، وأمراً لا يخالف، وحدّاً لا يعصى، وملكاً لا يتعدّى، وطاعة لا تصرف، ونفاذاً لا يردّ، وأنه ينقض المِرَر، ويحلّ المبرم ويحلل الجامد، ويخل الثابت، ويَحُلّ الشغاف، ويُحلّ الممنوع". ولا حاجة لتوضيح أنه يتحدّث عن الرغبة والوَصل والوِد بين الحبيبين، وهذه الكُتب وغيرها الكثير من الثقافة العربيّة موجودة على شبكة الإنترنت لمن يريد التزوّد منها.
يبدو الحاضِر في مصر مُختلفاً اليوم، شديد التعنُّت تجاه المرأة وحقّها في الحصول على متعتها، فبداية من منهاج الدولة الذي يتعامل مع المرأة عموماً كمواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة، غافلاَ حقّها حتى في الحصول على طُرق آمنة لمنع الحمل أو الإجهاض، فضلاً عن المشي آمنة في شوارع تخلو من التحرّش -هناك حالة من اللاتطبيق للقوانين ضِد التحرّش- وحتّى قوانين الأحوال الشخصيّة المُجحفة، يبدو واضحاً الظلم اليومي الذي تعاني منه أي سيّدة تمشي في الشوارع وترتاد الأسواق وتشتَغل بمهنة لتحصل على ما يُعينها أو ما يعول أسرتها، ما عدا استجابة موسميّة لمنظمات واتفاقيّات دولية، أو لنضال سنوات طويلة من المنظمات النسويّة المعنيّة ومنظمات المجتمع المدني تجاه قضيّة بعينها، لا تتمتّع الدولة المصريّة -بقطبيها السياسي والديني- حتّى بعقليّة "إلقاء عظمة" لنِصف المجتمع، وفي السنوات الأخيرة بعد ثورة يناير 2011، هالها حجم القُدرة على التغيير والتأثير الذي نبع من نساء هذا البلد، وظهرت المشاركة في المجال العام على نطاق واسع جداً، فبدأت محاولات التراجع عن بعض مكتسبات الثلاثين عاماً الأخيرة.
هذا بالإضافة للعامل الموازي والأهم، الرجال في الشوارع وفي البيوت أيضاً يتلذذون بممارسة أزماتهم السياسية والاجتماعيّة والاقتصاديّة -وأي نوع أزمة عابِر- على شريكاتهم في منطقة أكثر حميميّة والمُفترض بها أن تكون أكثر أماناً! يمتلئ الفيسبوك بحكايات عن الزوج الذي يشتري مخدراً لزوجته التي لم يمر على زواجه بها عدّة أيام لأنها "تتوجّع" من الجماع، فخوراً بفحولته، متجاهلاً حتّى سؤال الطبيب، لربّما كانت غير راضية عن العملية الجنسية! لكن هذا ليس من اهتماماته وربّما لا يخطر على باله، هذا غير الحكايات الأسوأ عن الاغتصاب الزوجي اليومي، مُصاحباً بالضرب أو بدونه، أو عن تدخّل أم الزوج في ليلة الدخلة لفض غشاء البكارة بنفسها، في حكاية منهم، لعائلة ريفية استقرّت في القاهرة منذ سنوات بعيدة، حاول الزوج لعدّة أيام بكُل طُرق الإكراه أن يُجامع البنت المسكينة، ولكنها تصلّبت من الخوف والألم، فقامت والدته بعمل "كونسلتو" عائلي من العمّات والخالات، وفضّت بكارتها على مرأى منهن جميعاً حمايةً لشرف العائلة، هذا بالطبع غير تشويه الأعضاء التناسليّة للإناث "الخِتان" ومؤيديه سواء في الواقِع أو إلكترونياً، مُتخصصين التعليق على أي حملة ضدّه بآيات وأحاديث وضلالات وأي شيء يجعلّهم يتحكّمون في جسد المرأة وحقّها في الحصول على متعتها بدلاً منها.
كأن الجنس قيمة يقابلها مبلغ مادي تُحدد في عَقد، لا يوجد فارق كبير، طالما كان هناك مخدّر موضعي، وفي كثير من الحالات يكون وجود هذا المخدّر رفاهية لا تفكّر المرأة في إمكانية الحصول عليها من الأصل.
لكن شيئاً من الأمل، يطلُّ دائماً حين تتابع صفحة كـ"سكسولوجي" أو موقعاً كـ"الحب ثقافة"، أو حينما تدعم النساء حق "هدير" في نسب طفلها، دون أن تكون مشهورة أو مُمثلة، لها من يساندها أو من يسلّط على قصّتها الضوء، وحين يناقش الرجال هذا الحق، أو حتّى حين يتبادلون الشتائم فيما بينهم أن الرجل الذي يؤمن بتحرُّر المرأة ومساواتها بالرجل، يؤمن بذلك لأنه يسعى لإقامة علاقات وفقط، في محاولة بائسة لمقاومة الأفكار الجديدة، بداخل هذه السُبّة وعيٌ بدائي وبسيط بأن هناك ميزة ما لهذا الرجل عند النساء، لكنه لن يتضّح الآن، فهناك سنوات طويلة وربّما قرون، من ردم الازداوجيّة والميزات الذكوريّة والاستسهال والبلادة والجَهل، فوق كُتب النفزاوي والسيوطي وبن كمال باشا، واهمالٌ تام لأهميّة طَوق بن حزم، بدونه نغرق في مصائب الحياة، وربّما أيضاً إهمالٌ لما وصلنا من الحضارة المصريّة القديمة --إذا اعتبرنا مصر نهرا يصب فيه روافد لعدّة حضارات، بلا فَصْل أو تجاهل أو انقطاعات تاريخية- هذه الحضارة أولَت لرضا المرأة عن ممارسة الجنس، ومطالبتها به وأهميّة استمتاعها به، شأناً عظيماً، وبعض التقديس، ولكن هذا مقالٌ آخَر.
في الكتاب، قسمٌ كامل عن كيفية التعامل مع المرأة في كل ما يتعلّق بالجنس، وكان هذا الحديث بين عامي 1410 و1434 ميلاديّة، مثله مثل "رجوع الشيخ إلى صباه" لأحمد بن كمال باشا والذي يستخدم عبارات واضحة وصريحة عن "أقصى الشهوة" و"أقصى اللذة"، متعاملاً مع الجنس، على أنه مسألة تؤول في اتجاهين، وليس باباً لمُتعة الرجل وحدَه، وكان هذا عام 1891 ميلاديّة تقريباً.
إذا عدنا إلى الوراء قليلاً، فإن ابن حزم أوضَح وأبان واستفاض في الحُب وعن الحُب وللحُب بمئات الأعوام قبل أسامة منير، ففي حوالي عام 1022 ميلاديّة، كتب بمنهج تحليلي وصفي عن آثار الحُب على النفوس قائلاً:"إن للحب حكماً على النفوس ماضياً، وسلطاناً قاضياً، وأمراً لا يخالف، وحدّاً لا يعصى، وملكاً لا يتعدّى، وطاعة لا تصرف، ونفاذاً لا يردّ، وأنه ينقض المِرَر، ويحلّ المبرم ويحلل الجامد، ويخل الثابت، ويَحُلّ الشغاف، ويُحلّ الممنوع". ولا حاجة لتوضيح أنه يتحدّث عن الرغبة والوَصل والوِد بين الحبيبين، وهذه الكُتب وغيرها الكثير من الثقافة العربيّة موجودة على شبكة الإنترنت لمن يريد التزوّد منها.
يبدو الحاضِر في مصر مُختلفاً اليوم، شديد التعنُّت تجاه المرأة وحقّها في الحصول على متعتها، فبداية من منهاج الدولة الذي يتعامل مع المرأة عموماً كمواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة، غافلاَ حقّها حتى في الحصول على طُرق آمنة لمنع الحمل أو الإجهاض، فضلاً عن المشي آمنة في شوارع تخلو من التحرّش -هناك حالة من اللاتطبيق للقوانين ضِد التحرّش- وحتّى قوانين الأحوال الشخصيّة المُجحفة، يبدو واضحاً الظلم اليومي الذي تعاني منه أي سيّدة تمشي في الشوارع وترتاد الأسواق وتشتَغل بمهنة لتحصل على ما يُعينها أو ما يعول أسرتها، ما عدا استجابة موسميّة لمنظمات واتفاقيّات دولية، أو لنضال سنوات طويلة من المنظمات النسويّة المعنيّة ومنظمات المجتمع المدني تجاه قضيّة بعينها، لا تتمتّع الدولة المصريّة -بقطبيها السياسي والديني- حتّى بعقليّة "إلقاء عظمة" لنِصف المجتمع، وفي السنوات الأخيرة بعد ثورة يناير 2011، هالها حجم القُدرة على التغيير والتأثير الذي نبع من نساء هذا البلد، وظهرت المشاركة في المجال العام على نطاق واسع جداً، فبدأت محاولات التراجع عن بعض مكتسبات الثلاثين عاماً الأخيرة.
هذا بالإضافة للعامل الموازي والأهم، الرجال في الشوارع وفي البيوت أيضاً يتلذذون بممارسة أزماتهم السياسية والاجتماعيّة والاقتصاديّة -وأي نوع أزمة عابِر- على شريكاتهم في منطقة أكثر حميميّة والمُفترض بها أن تكون أكثر أماناً! يمتلئ الفيسبوك بحكايات عن الزوج الذي يشتري مخدراً لزوجته التي لم يمر على زواجه بها عدّة أيام لأنها "تتوجّع" من الجماع، فخوراً بفحولته، متجاهلاً حتّى سؤال الطبيب، لربّما كانت غير راضية عن العملية الجنسية! لكن هذا ليس من اهتماماته وربّما لا يخطر على باله، هذا غير الحكايات الأسوأ عن الاغتصاب الزوجي اليومي، مُصاحباً بالضرب أو بدونه، أو عن تدخّل أم الزوج في ليلة الدخلة لفض غشاء البكارة بنفسها، في حكاية منهم، لعائلة ريفية استقرّت في القاهرة منذ سنوات بعيدة، حاول الزوج لعدّة أيام بكُل طُرق الإكراه أن يُجامع البنت المسكينة، ولكنها تصلّبت من الخوف والألم، فقامت والدته بعمل "كونسلتو" عائلي من العمّات والخالات، وفضّت بكارتها على مرأى منهن جميعاً حمايةً لشرف العائلة، هذا بالطبع غير تشويه الأعضاء التناسليّة للإناث "الخِتان" ومؤيديه سواء في الواقِع أو إلكترونياً، مُتخصصين التعليق على أي حملة ضدّه بآيات وأحاديث وضلالات وأي شيء يجعلّهم يتحكّمون في جسد المرأة وحقّها في الحصول على متعتها بدلاً منها.
كأن الجنس قيمة يقابلها مبلغ مادي تُحدد في عَقد، لا يوجد فارق كبير، طالما كان هناك مخدّر موضعي، وفي كثير من الحالات يكون وجود هذا المخدّر رفاهية لا تفكّر المرأة في إمكانية الحصول عليها من الأصل.
لكن شيئاً من الأمل، يطلُّ دائماً حين تتابع صفحة كـ"سكسولوجي" أو موقعاً كـ"الحب ثقافة"، أو حينما تدعم النساء حق "هدير" في نسب طفلها، دون أن تكون مشهورة أو مُمثلة، لها من يساندها أو من يسلّط على قصّتها الضوء، وحين يناقش الرجال هذا الحق، أو حتّى حين يتبادلون الشتائم فيما بينهم أن الرجل الذي يؤمن بتحرُّر المرأة ومساواتها بالرجل، يؤمن بذلك لأنه يسعى لإقامة علاقات وفقط، في محاولة بائسة لمقاومة الأفكار الجديدة، بداخل هذه السُبّة وعيٌ بدائي وبسيط بأن هناك ميزة ما لهذا الرجل عند النساء، لكنه لن يتضّح الآن، فهناك سنوات طويلة وربّما قرون، من ردم الازداوجيّة والميزات الذكوريّة والاستسهال والبلادة والجَهل، فوق كُتب النفزاوي والسيوطي وبن كمال باشا، واهمالٌ تام لأهميّة طَوق بن حزم، بدونه نغرق في مصائب الحياة، وربّما أيضاً إهمالٌ لما وصلنا من الحضارة المصريّة القديمة --إذا اعتبرنا مصر نهرا يصب فيه روافد لعدّة حضارات، بلا فَصْل أو تجاهل أو انقطاعات تاريخية- هذه الحضارة أولَت لرضا المرأة عن ممارسة الجنس، ومطالبتها به وأهميّة استمتاعها به، شأناً عظيماً، وبعض التقديس، ولكن هذا مقالٌ آخَر.