ومنذ بسط سيطرتها في محافظة حضرموت، إبان تحرير مدينة المكلا، مركز المحافظة، من تنظيم "القاعدة" في إبريل/نيسان عام 2016، سعت الإمارات لتعطيل مهام السلطة القضائية في المحافظة. وقد بات تعطيل المؤسسة القضائية قاسماً مشتركاً في معظم المحافظات المحررة والتي تخضع للنفوذ الإماراتي، بدءاً من عدن، مروراً بالضالع ولحج وحضرموت ووصولاً إلى جزيرة سقطرى، وذلك تفادياً لأي قرار يحدّ من نفوذها، ويقف حاجزاً أمام الفتك بخصومها، وفق ما يرى متابعون.
وجاء إضراب قاضي وأعضاء النيابة الجزائية المتخصصة في المكلا، الأسبوع الماضي، احتجاجاً على عدم تنفيذ قرار لها بالإفراج عن خمسة سجناء أثبتت براءتهم، كأوّل مواجهة علنيّة رسمية ضدّ تدخّل أبوظبي في الشأن القضائي، وتعطيل مؤسسات الدولة. وكان أهالي المعتقلين قد اتهموا في منتصف مارس/آذار الجاري، قائد القوات الإماراتية في حضرموت، العميد الركن مسلم الراشدي، بوقف سير التحقيقات، التي بدأت بتوجيهات من النائب العام، علي الأعوش، تحت ضغط مطالبات ذوي المعتقلين.
ولم يكن هذا التدخّل هو الأول من نوعه، فقد بدأ التوجّه الإماراتي لتعطيل القضاء بحضرموت منذ الساعات الأولى لتحرير مدينة المكلا قبل عامين، حينما اعتقل المئات من الأشخاص من دون إذن قضائي، وأودعوا في سجن "الريان" شرق المدينة، والذي تشرف عليه قوات إماراتية، وتحدثت تقارير صدرت عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" ووكالة "أسوشييتد برس" عن ممارسات بشعة ارتكبت بحق بعض النزلاء فيه. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد منعت الإمارات تقديم المعتقلين للمحاكمة لقرابة عامين، رغم مطالبات أهالي المعتقلين المستمرة بذلك.
ولا يختلف الأمر كثيراً في عدن، فالوقفات الاحتجاجية لأمهات المعتقلين أمام سجن "بئر أحمد" لا تتوقّف، أملاً في أن تأخذ قضايا المعتقلين طريقها إلى المحاكم بعيداً عن "التحقيقات العسكرية". وقبل أيام، قالت أسرة الشيخ محمد عبده سلام، وهو إمام مسجد في عدن، كان معتقلاً في سجن "بئر أحمد" الذي تشرف عليه الإمارات، إن سلام "تعرّض لعملية إخفاء قسري"، رغم صدور أمر من النيابة الجزائية بالإفراج عنه، بحسب ما نقل موقع "المصدر أونلاين" اليمني. واعتبر محامون وحقوقيون العرقلة الإماراتية لقرارات القضاء جريمة قانونية، مطالبين السلطات المحلية في المحافظات، والمنظمات الحقوقية بمساندة القضاء وعدم المساس بسيادته.
وفي السياق، قال مسؤول الرصد والتوثيق في "منظمة سام لحقوق الإنسان"، توفيق الحميدي، إن "السلطة القضائية تعدّ وفقاً للدستور ومبدأ الفصل بين السلطات، سلطة مستقلة لا تخضع للسلطة التنفيذية، وقراراتها النهائية ملزمة وواجبة التنفيذ"، مضيفاً في تصريح لـ "العربي الجديد" أن "أي تعدٍ على سلطة القضاء أو رفض تنفيذ أوامرها يعدّ جريمة تستوجب المساءلة الجنائية والعقوبة المحددة في قانون العقوبات اليمني".
ودعا الحميدي إلى تحريك دعوى قضائية من القضاء أو من صاحب المصلحة، ضدّ من يعرقل هذه القرارات، "لأن عدم تنفيذ الأوامر هو تعدٍ خطير على سلطة الدولة، وأهم ضمانة من ضمانات حماية الحقوق والحريات التي يلجأ إليها المواطنون عند تعدّي السلطات التنفيذية على حقوقهم وحرياتهم"، لافتاً إلى أنّ "الأصل في المؤسسات الأمنية دستورياً، حماية الأمن وتنفيذ الأوامر القضائية النافذة تجاه أي سلطة أخرى، وتراتبيتها، فلا سلطة فوق سلطان القضاء".
بدوره، رأى ناشط حقوقي، فضّل عدم ذكر اسمه لدواع أمنية، أن ما يحصل من تعطيل لقرارات القضاء في ملف المعتقلين سواء في حضرموت أو عدن، "هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، إذ إن هؤلاء السجناء قضوا فترة طويلة من دون أن تعرف جريمتهم ولا التهمة الموجهة إليهم، وبعد أن قرّرت النيابة الإفراج عنهم لعدم إثبات التهم الموجهة لهم، يتم إيقاف الإفراج عنهم".
ودعا الناشط في حديث لـ"العربي الجديد"، الحكومة والقضاء إلى تحريك هذه القضية ومحاسبة من يعرقل قرارات القضاء، مطالباً المنظمات المحلية والدولية "بالضغط على السلطات الحكومية وسلطات الأمر الواقع من خلال الوقفات والحشد والمناصرة، وجعل هذه القضية قضية رأي عام، حتى يتم تنفيذ قرارات القضاء بالإفراج عن المعتقلين".
إلى ذلك، أشار مصدر مطلع إلى أن "الإمارات تهدف من عرقلتها لقرارات القضاء إلى إظهار مدى سيطرتها على الوضع في حضرموت، وإحراج المحافظ اللواء فرج البحسني أمام الرأي العام، وإظهاره بمظهر الشخص الضعيف، وذلك بسبب عدم تعاونه الكامل معها في ما يخصّ موقفها من الشرعية"، مضيفاً أنّ أبو ظبي "تحاول تجنّب الإحراج الذي قد يسبّبه خروج بعض المعتقلين، بعد إصدار النيابة قرار الإفراج عنهم بعد عامين من الاعتقال، وهو ما دفعها لعرقلة قرارات القضاء". وقال المصدر إن "على السلطة المحلية في المحافظة اتخاذ موقف قوي، بمساندة تحرّك مجتمعي وحقوقي كبير، يعزّز من موقفها، ويضعف موقف من يحاول تعطيل عمل الأجهزة القضائية، والتأثير على استقلاليتها".