لم تعد مختلف الأنشطة والتحركات التي يقوم بها التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية وميدانياً الإمارات، كما كانت بـ"غطاء الشرعية" والحرب ضد الانقلابيين، بل إن هناك علامات استفهام تزداد يوماً عن يوم، تجاه نفوذ أبوظبي على وجه خاص، باعتبارها تتولى واجهة عمل التحالف في جنوب البلاد وشرقها. وتعدّى الأمر الانتقادات على وسائل الإعلام، إلى صرخات وتلميحات، كان أبرزها أخيراً تصريحات محافظ عدن، عبدالعزيز المفلحي، التي تحولت إلى حديث الساحة السياسية اليمنية الأيام الماضية.
وخلال الأيام القليلة الماضية، نشطت أبوظبي في محافظة شبوة، ثالث أكبر المحافظات اليمنية مساحة والتي انتشرت فيها قوات مدربة إماراتياً، تُعرف بـ"قوات النخبة الشبوانية"، تحت غطاء محاربة "الإرهاب" و"تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية"، إلا أن ردود فعل العديد من اليمنيين التي رصدتها "العربي الجديد"، لم تنظر إلى التحول، باعتباره انتصاراً للحكومة أو ضد تنظيم "القاعدة"، بقدر ما نظرت إليه، بأنه حلقة في إطار سعي أبوظبي (واجهة التحالف) إلى توسيع قبضتها في جنوب اليمن، بمحافظة نفطية محورية تربط الشمال والجنوب بالشرق.
في غضون ذلك، باتت مدينة المخا الساحلية بمحافظة تعز، القريبة من باب المندب، تحت سيطرة القوات الإماراتية وقوات يمنية موالية للشرعية/متحالفة مع أبوظبي، في فبراير/شباط العام الحالي، مع العلم بأن رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عبيد بن دغر، قام بزيارة إلى المدينة، لكن اللافت أنه وفي أحد المقرات التي جرى استقباله فيها من قبل قيادة القوات الإماراتية، كانت صور قادة الإمارات معلقة على الجدران، كما لو أن المخا أصبحت جزءاً من السيطرة الإماراتية، الأمر الذي أثار تعليقات واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، عكست حالة من السخط بدأت أخيراً بالتصاعد، إزاء نفوذ أبوظبي.
في غضون ذلك، كانت التصريحات التي أطلقها محافظ عدن، عبدالعزيز المفلحي، منذ أيام، خلال اجتماع مع مدراء المكاتب التنفيذية بعدن، وبحضور رئيس الحكومة، أحمد بن دغر، من أبرز ما أشعل موجة من ردود الفعل في الساحة اليمنية، بعد أن وجه انتقادات واعتراضات ضمنية على سياسة أبوظبي وهاجم بشدة حلفاءها، معتبراً أن مدينة عدن "ثروة"، لكنها "مغتصبة" من قبل المليشيات.
ومن أبرز ما تضمنه الخطاب الجريء، والذي سُرّب على الإنترنت، بتوجّه المفلحي لدول التحالف العربي وللإمارات على وجه خاص، مطالباً التحالف بـ"الشراكة". وحذّر من الاحتراب الذي يؤدي إلى الهزيمة، مشيراً إلى أنه "بهزيمتنا لا يعتقد التحالف أنه سيكون بعيداً بل سينهزم معنا". وأضاف "نطلب مفهوم الشراكة الحقيقية المبنية على أسس من الشفافية الشجاعة في الطرح بيننا وبين إخواننا في التحالف".
كما وجّه المفلحي رسائل عدة ومنها "لن نقبل بمن يفرض وصاية علينا، بالمشاريع الجاهزة والمقولبة أياً كان شكلها ومضمونها"، ورغم "إشادته" بمؤسس الإمارات، زايد بن سلطان، غير أنه نوّه إلى أنه "نحن لسنا مرغمين على أن نحب أحداً أو نكره أحداً، ولكن مقابل ما نبديه نحن من احترام ومحبة لا نقبل على الإطلاق أن نصنّف في زوايا ليست من زوايانا، ولا في هوية ليست من هويتنا، ولا بثقافة ليست هي من ثقافتنا، وأقول خسئ من يريد أن يضعنا في الزاوية الحرجة".
ولم تكن كلمة محافظة عدن، التي وصفها البعض بـ"التاريخية"، وتضمنت تلميحات لسخط من تصرفات أبوظبي، في جنوب اليمن، إلا بعد عراقيل كبيرة واجهها المحافظ الذي عينه الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، محافظاً في 27 أبريل/نيسان الماضي، لأن المفلحي، حسبما هو معروف، لم يتمكن من تسلم مقر عمله في السلطة المحلية بعدن حتى اليوم. وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن "السبب في ذلك هو حلفاء أبوظبي، والذين رفضوا قرار إقالة المحافظ السابق، عيدروس الزبيدي، وتعيين المفلحي خلفاً له".
وتعد عدن، التي تصفها الحكومة الشرعية بـ"العاصمة المؤقتة"، واقعة تحت سيطرة أو نفوذ أبوظبي، بدرجة أساسية، منذ إعلان تحريرها من مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، قبل أكثر من عامين، ومع بروز حالة من السخط، وصلت إلى مستوى رفيع، كتصريحات المحافظ المفلحي، إلى جانب التطورات الأخرى سواء في شبوة أو المخا أو غيرهما، يبدو واضحاً أن النفوذ الإماراتي الذي يعتبره البعض بضوء أخضر من الرياض، بات محط الأنظار وعلامات الاستفهام على نحو متزايد، ووحدها تطورات المرحلة المقبلة، ما سيجيب على الآلية التي سيتعامل بها الإماراتيون/التحالف، إزاء هذه التحديات.