الإفراج الصحي... حق لمعتقلي مصر المرضى

09 يوليو 2017
تحرّك سابق للمطالبة بالإفراج الصحي عن أحد المعتقلين(إبراهيم عزت/Getty)
+ الخط -
ظروف عدّة تستدعي الإفراج عن سجين أو معتقل ما، وسوء الحالة الصحية من أبرزها. لكنّ تطبيق ذلك في مصر استنسابي، وكثيرون يقبعون في زنزاناتهم ويعانون من أمراض مختلفة تستوجب تأمين العلاج لهم على وجه السرعة

تتعالى في مصر الأصوات المطالبة بالإفراج الصحي عن مئات المعتقلين يوماً بعد آخر، ولا يكفّ أهالي المعتقلين المرضى عن تقديم طلبات للنائب العام وللمسؤولين جميعاً على الرغم من عدم تلقيهم أيّ ردّ في معظم الحالات إن لم يكن كلها.

ويبدو التمييز الذي يعتمده النظام المصري في إصدار قرارات عفو صحي عن سجنائه ومعتقليه، جلياً إذا أردنا المقارنة بين رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى (57 عاماً) الذي حُكم عليه بالسجن 15 عاماً في قضية قتل، وخرج في عفو صحي، وبين القاضي محمود الخضري (77 عاماً) والقيادي الإخواني مهدي عاكف (89 سنة) اللذين ما زالا في السجن رغم عدم قدرتهما على الحركة، في حين ترد أنباء يومية عن تدهور صحتهما.




وقد أُطلقت أخيراً حملة تحت عنوان "العلاج حق للمحتجزين وواجب على الدولة"، هدفها المطالبة بالإفراج الصحي عن المرضى المعتقلين. والحملة التي بدأت نشاطها بوسم "يا تعالجوهم يا تفرجوا عنهم"، أنشأتها "مجموعة من المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان مختلفي الانتماءات والتوجهات، جمعهم هدف واحد يحاولون تحقيقه من خلال هذه الحملة، وهو أن تكون أماكن الاحتجاز بمصر لائقة إنسانياً وصحياً كما يقرر الدستور المصري، وأن تتوافر لكل سجين أو محتجز يعاني من المرض بأي مكان احتجاز الرعاية الطبية المناسبة".

وقدّمت الحملة نصائح قانونية عدّة لمتابعة حالة سجين مريض، تبدأ بـ"طلب (يقدَّم) لرئيس مصلحة السجون والنيابة لعلاج السجين بمستشفى السجن، ثم طلب يقدَّم لرئيس مصلحة السجون والنيابة لنقل السجين للعلاج بمستشفى خارج السجن، يلحقه إنذار رسمي/ خطاب مسجّل بعلم الوصول لإدارة السجن ومصلحة السجون والنيابة لتحميلها مسؤولية الإهمال الطبي للسجين، ثم طلب لرئيس مصلحة السجون والنيابة للإفراج الصحي عن السجين لأنّ بقاءه محبوساً يشكل خطورة على حياته.

أما في حالة رفض أحد الطلبات أو رفضها كلها، فعلى أهل المريض أن يقدّموا طعناً بمجلس الدولة بإلغاء القرار السلبي بعدم علاج المسجون أو بعدم صدور قرار بالإفراج الصحي عنه". وفي حالة الوفاة نتيجة الإهمال الطبي، يقدَّم بلاغ للنائب العام/ للمحامي العام "باتهام وزير الداخلية ورئيس مصلحة السجون ومأمور السجن بالقتل بالامتناع".



مئات من السجناء المرضى قدّم ذووهم مطالبات بالإفراج الصحي عنهم، من هؤلاء المعتقل مجدي الناظر الذي يعاني من شلل الأطفال منذ صغره. بعد دخول الناظر السجن ونتيجة للإهمال الطبي، تدهورت حالته بسرعة وأصيب بضمور في عضلات الساقين وتآكل في غضاريف العمود الفقري، الأمر الذي سبّب له آلاماً شديدة. يُذكر أنّه يعاني كذلك من ارتفاع في ضغط الدم ومن مشاكل في القلب، وقد تعرّض لنوبات مرتبطة بداء السكري أثناء وجوده في السجن. لكنّه لم يتلقى علاجاً وقد منعت إدارة سجن وادي النطرون دخول الأدوية اللازمة لذلك، بحسب ما أفادت الحملة التي أوضحت أنّه سُجن في أبي زعبل ثمّ في مستشفى سجن طرة ثم في وادي النطرون.

من جهته، يعاني المعتقل السياسي فتحي محجوب الفران صحياً في سجنه. فهو مصاب بداء السكري، وأثناء احتجازه في سجن برج العرب أصيب بجرح في أحد أصابع قدمه اليمنى ولم يلتئم الجرح. وبعد تعرّضه للإهمال الطبي في حبسه، أصيب بجلطة في الساق اليمنى، وهو في حاجة اليوم إلى متابعة حتى لا يُصاب بجلطة ثانية أو نزيف. كذلك يعاني الفران من مرض تنفسي الأمر الذي يستلزم جهازاً خاصاً غير متوفّر له. وقد نُقل مرات عدة إلى مستشفى السجن، لكنّ كثرة التدخين هناك كانت تسببت في ضيق في تنفسه، بالتالي كان يطلب في كل مرة إعادته إلى السجن. يُذكر أنّ زوجته تقدّمت في وقت سابق بشكوى إلى النائب العام والمجلس القومي لحقوق الإنسان للتدخّل من أجل الإفراج الصحي عنه، من دون أي استجابة من قبل السلطات.



لا تتوفّر لدى أيّ جهة رسمية أو حقوقية أرقام دقيقة حول إجمالي المرضى في السجون المصرية والذين يستحقون إفراجاً صحياً. لكنّ مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهما منظمتا مجتمع مدني مصريتان، كانتا قد أصدرتا في مايو/ أيار الماضي تقريراً مشتركاً حول الإهمال الطبي في السجون تحت عنوان "يا تعالجوهم يا تفرجوا عنهم: الإهمال الطبي في السجون جريمة". وأكدت المنظمتان فيه تدنّي مستوى الخدمات الطبية داخل السجون بالإضافة إلى غياب آليات المراقبة والمتابعة لأداء أطباء السجن ونقص حاد في أنواع كثيرة من الأدوية الضرورية داخل مستشفى السجن وعيادته. وهذا ما يكشف الصعوبة الكبيرة التي يواجهها المرضى من السجناء في حال احتياجهم إلى علاج داخل السجن. أمّا في حال احتاجوا إلى علاج طبي في مستشفى خارجي لعدم تأمينه في مستشفى السجن، فإنّ مصلحة السجون وإدارة الترحيلات وإدارة السجن نفسه بحسب التقرير تنسّق مع بعضها بعضاً حتى يُنقل السجين للعلاج، "وهو الأمر الذي أوضحت الشهادات مدى صعوبته، ما ينعكس سلباً على حالة المريض".

إلى ذلك، رصد التقرير مدى صعوبة الملاحقة القانونية لمرتكبي الإهمال الطبي داخل السجون، إذ إنّه من غير المسموح للسجين المريض ولا لمحاميه بالاطلاع على ملفه الطبي، بالإضافة إلى صعوبة إثبات أسباب الوفاة أو تعرّض السجين لأيّ انتهاك.