في مصر، يوجد مجلس أعلى للإعلام يندرج تحته هيئة وطنية للصحافة وهيئة وطنية للإعلام، فضلًا عن نقابين للصحافيين وأخرى للإعلاميين (تحت التأسيس)، إضافة إلى هيئة عامة للاستعلامات تابعة مباشرة لمجلس الوزراء، تتصارع جميعها في السيطرة على وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، لكنها جميعًا لم تتمكن من إحكام حالة الفوضى والتخبط الشديدة في الساحة الإعلامية.
الدستور المصري لعام 2014 استبدل وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة واتحاد الإذاعة والتلفزيون، بالمجلس الأعلى للإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، وحدّد مهامها في تنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية، وأوكل لها مسؤولية ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، والحفاظ على استقلالها وحيادها وتعدديتها وتنوعها، تنفيذا للإلزام الدستوري.
وشكّل الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، المجلس الأعلى للإعلام، والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، في 12 إبريل/نيسان الماضي، من شخصيات تُعرف بتأييدها وقرْبها الشديد منه ومن حكومته، لتمارس المؤسسات الثلاث عملها خلال الشهور الخمسة السابقة، من دون قانون لتنظيم المهنة.
أما الهيئة العامة للاستعلامات فآلت تبعيتها لمجلس الوزراء، بعدما كانت تتبع وزارة الإعلام التي أُلغيت بصدور المجلس الأعلى للإعلام وهيئتي الصحافة والإعلام، كما دشن عدد من الإعلاميين، نقابة الإعلاميين، لتعمل بجانب نقابة الصحافيين المصرية العريقة التي يرأسها حاليًا رئيس مجلس إدارة "الأهرام"، عبدالمحسن سلامة، المؤيد بشدة للنظام الحالي أيضًا.
انشغلت كل تلك الهيئات بالصراعات الجانبية منذ اللحظة الأولى، وهو ما بدا جليًا في اجتماعات تشكيل اللجان داخلها خلال اجتماعاتها الأولى التي أعقبت قرار التشكيل مباشرة. كما ظهرت جلية في رقابتها على المحتوى الإعلامي لتغطية حادث الواحات، الجمعة الماضي، وأسفر عن استشهاد أغلب الطاقم الأمني المصري.
وأطلق رئيس المجلس الأعلى للإعلام، مكرم محمد أحمد، ونقيب الإعلاميين (تحت التأسيس)، حمدي الكنيسي، تصريحات متعاندة، الإثنين، على خلفية إقدام النقابة على معاقبة الإعلامي، أحمد موسى، بسبب إذاعته تسجيلاً صوتياً مسرباً منسوباً لأحد الناجين من الاعتداء.
وتراشق الطرفان التصريحات المعاندة، فقال مكرم "المجلس الأعلى للإعلام وحده يختص بمحاسبة الإعلاميين، وكل ما يُقال خلاف ذلك كلام فاضي"، بينما أصرت نقابة الإعلاميين في اجتماعها الطارئ، الأحد، على معاقبة موسى بوقفه عن العمل لحين انتهاء التحقيق معه، ثم ظهر موسى على الهواء ببرنامجه، مساء اليوم نفسه.
"صراع الرقباء" هذا كانت قد أشارت إليه "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، مطلع الشهر الجاري، في تقرير عنوانه "فوبيا الرقابة، لفت إلى أن معارك "الرقباء" (جميع المؤسسات المراقِبة للإعلام) انتقلت من الصراع على "المقر" إلى "الصلاحيات" التي بدأتها اللجنة التأسيسية لنقابة الإعلاميين، على إثر رغبتها في مزاحمة المجلس في الرقابة على الوسائل الإعلامية ورصد ما تعتبره "تجاوزات مهنية وأخلاقية".
وقال رئيس المجلس الأعلى للإعلام، أخيراً، إن "اللجنة التأسيسية المشكلة من قبل مجلس الوزراء لمباشرة إجراءات تأسيس نقابة الإعلاميين، هي لجنة مؤقتة ليس لها الحق في اتخاذ أي قرار ومن السهل الطعن على قراراتها أمام القضاء"، ردًا على قرار اتخذه رئيس اللجنة، حمدي الكنيسي، في بداية أغسطس/آب الماضي، بوقف الإعلاميتَين ريهام سعيد ودعاء صابر لمدة ثلاثة أشهر، وتوجيه إنذار للإعلاميين سعيد حساسين ومحمد الغيطي، وأعقبه بـ 24 ساعة قرار من المجلس برئاسة مكرم محمد أحمد، بوقف برامج هؤلاء الإعلاميين، بالإضافة إلى برنامج "تلاتة في واحد" شهراً واحداً فقط مع التهديد بسحب ترخيص قناة "إل تي سي" التي تعرض برنامجاً للإعلامي محمد الغيطي، ما اعتبره مكرم تدخلًا منه في سلطة الرقابة المحجوزة له.
ورد الكنيسي بأن "قرار مجلس الوزراء بتشكيل اللجنة التأسيسية أعطاها الأحقية في تولِّي جميع مهام النقابة بشكل مباشر، بما فيها رصْد التجاوزات المهنية والأخلاقية الصادرة عن بعض الوسائل الإعلامية".
"ورغم أن المعركة لم تُحسم حتى كتابة تلك السطور، إلا أن المرجح أن تنتهي في صالح مكرم محمد أحمد لتعزيز صلاحيات المجلس الأعلى للإعلام بوصفه المظلة التي تقف تحتها كافة الهيئات والنقابات الخاصة بالصحافة والإعلام"، وفق تقرير "فوبيا الرقابة".
ورصد التقرير أن المجلس الأعلى للإعلام أعطى لنفسه صلاحيات لم يتضمنها قانونه، حتى إن رئيس المجلس مكرم محمد أحمد لم يتوان في أن يكون أول قراراته هو عمل بلاغ للنائب العام ضد الكاتب الصحافي إبراهيم عيسى، إلى جانب مطالبته نقيب الصحافيين بالتحقيق مع عيسى، بسبب ما تضمنته صحيفة "المقال" من عناوين لـ 6 مقالات نشرت في الصحيفة، في 27 مايو/أيار الماضي، وصفها بأنها "تثير الفتنة بين المسلمين والأقباط وتؤكد للأقباط أن الدولة عاجزة عن حمايتهم".
وأشار التقرير إلى أن قرار رئيس الجمهورية بتعيين مكرم محمد أحمد وإلى جانبه 12 عضواً في رئاسة وعضوية المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام جاء سابقًا على قرار الأجهزة الأمنية في 24 مايو/أيار الماضي، بحجب 21 موقعًا إلكترونيًا إخبارياً بدعوى "دعم الإرهاب"، ورغم ذلك لم يبدِ المجلس اعتراضًا أو دفاعًا عن حرية الصحافة، بل سارع رئيسه وغالبية أعضائه بإعلان تأييدهم للقرار الذي تضمن حجْب مواقع إخبارية محلية.
ولم تسلم الدراما التليفزيونية والإذاعية بدورها من رقابة المجلس الأعلى للإعلام، بحسب التقرير، حيث انتزع مكرم محمد أحمد وزملاؤه داخل "المجلس الأعلى للإعلام" لأنفسهم سلطة التدخل في الأعمال الإبداعية، وأصدر قرارًا يطبق ابتداءً من شهر رمضان الماضي، بفرض غرامة 200 ألف جنيه على كل قناة فضائية و100 ألف جنيه على المحطة الإذاعية، التي تذيع "لفظا مسيئا" على أن يتم سحب ترخيص الوسيلة الإعلامية التي تتكرر من خلالها الإساءات ولم تلتزم بالعقوبة خلال 6 شهور.
وأضاف التقرير "بتدقيق تقارير وتصريحات رئيس وعدد من أعضاء المجلس الأعلى للإعلام نجد أنها تخطت صلاحيات المجلس في القانون رقم 92 لسنة 2016 إلى صلاحيات الإدارة العامة للرقابة على المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة، خصوصا أن قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام لم يعطِ للمجلس أي صلاحيات تتعلق بإبداء الرأي في محتوى الأفلام أو المسلسلات أو البرامج أو غيرها من الأعمال الفنية التي تعرض على الشاشات".
وتحت عنوان "المشاهد المراقب المخبر"، أشار التقرير إلى "قرار المجلس الأعلى للإعلام بتاريخ 7 يونيو/حزيران الماضين بفرض غرامة 200 ألف جنيه على كل قناة فضائية و100 ألف جنيه للمحطة الإذاعية، على كل لفظ مسيء يتم نشره عبر إحدى هذه الوسائل، "النص على أن المبالغ المحصلة من الغرامات، سيقتطع منها 10 في المائة كمكافأة للمواطن الذي يقدم دليلا على وجود أي إساءة، على أن تخصص باقي الغرامة لدعم الأعمال الإبداعية للإعلاميين".
واعتبر التقرير أن هذا القرار "مخالفة صريحة للدستور والقانون، وتقنين لدعاوى الحسبة الدينية والسياسية البغيضة، ولراغبي الشهرة في ملاحقة الفنانين والمبدعين بدعوى الحفاظ على الأخلاق والفضيلة خاصة أن الدستور في مادته رقم 67 قطع الطريق على هؤلاء، بحظره لرفع أو تحريك الدعاوي لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، فضلا عن أنه وفقا للقاعدة القانونية المعروفة (لا عقوبة إلا بنص) يعد قرار المجلس مخالفا للقانون".
واختتمت الشبكة تقريرها بـ "اتخذ المجلس الأعلى للإعلام خلال أشهر عمله الماضية قرارات ممنهجة لإحكام السيطرة على كل ما يتناوله الإعلام سواء سياسيًا أو أخلاقيًا أو مجتمعيًا، متجاوزا صلاحياته التي حددها الدستور والقانون لتنظيم الإعلام، ولترهيب الإعلام والإعلاميين، وإجبارهم على تبني وجهة نظر السلطة".