تعدّ تركيا ملاذ الإعلام السوري المعارض، أو ما يطلق عليه "الإعلام البديل"، حيث تتركز معظم المؤسسات العاملة من صحف ومجلات ورقية ومواقع إخبارية وإذاعات وقنوات تلفزيونية، أبرزها "تلفزيون سوريا" الذي أكمل عامه الأول في مارس/آذار الماضي، و"تلفزيون الجسر"، وقناة "حلب اليوم".
لكن خلال العامين الماضيين، تقلّص وجود الإعلام السوري المعارض، بعد إغلاق مئات الإذاعات والصحف والمجلات والمواقع الإخبارية الإلكترونية، بسبب انخفاض التمويل من جهات عربية وأجنبية إلى حدوده الدنيا، في ظل انعدام فرص الحصول على مصادر تمويل ذاتي. وأفاد "دليل المطبوعات السورية" بأن عدد الصحف "النشطة" تراجع إلى 16 صحيفة، بعد أن وصل، خلال أعوام ماضية، إلى المئات من الصحف والمجلات في الداخل السوري وتركيا.
ومن نجا من الأزمات المؤسساتية المالية يصارع حالياً أمام العقبات القانونية المشددة التي تفرضها السلطات التركية، لجهة الحصول على تراخيص ومنح العاملين فيها أذونات عمل، والوقت الطويل، والمصاريف المالية التي ترافق هذه الإجراءات، علماً أن حكومة البلاد غضّت الطرف عن ظروف وسائل الإعلام السورية المعارضة بين عامي 2012 و2016.
ولم تتمكن وسائل الإعلام السورية المعارضة من الحصول على تراخيص رسمية وقانونية في تركيا تتيح لها العمل الإعلامي بحرية، باستثناء "وكالة قاسيون للأنباء" التي تتخذ من مدينة غازي عينتاب، جنوب البلاد، مقراً لها. لذا، حاولت مؤسسات عدة الحصول على تراخيص جمعيات أو منظمات مجتمع مدني تمارس تحت غطائها العمل الإعلامي بحذر شديد.
وأوضح مدير شبكة "بلدي نيوز" في مدينة غازي عينتاب، صالح أبو إسماعيل، أن "عمل المؤسسات الإعلامية السورية المعارضة يواجه عقبات تنظيمية لا يمكن إغفالها"، لافتاً، في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "بلدي نيوز" حاولت البحث عن ترخيص لموقع إعلامي غير ربحي، لكن لا إجراء من هذا النوع في القانون التركي، فلجأت إلى ترخيص شركة شخصية، لكنها وقعت في إشكالية جديدة؛ إذ لا يمكن منح أذونات عمل سوى لشخصين، في حين أن أي جهة إعلامية تضم أكثر من موظفَين.
وتجدر الإشارة إلى أن مدينة عينتاب التركية كانت تضم أغلب وسائل الإعلام السوري البديل، لكن انخفاض التمويل وإغلاق الكثير من الصحف والمجلات والإذاعات وانتقال ما بقي منها إلى إسطنبول، لم يبق فيها إلا عدد محدود من الوسائل الإعلامية، وأبرزها قناة "حلب اليوم"، وشبكة "بلدي نيوز"، و"راديو روزنة"، وراديو "نسائم"، وراديو "فجر"، وصحيفة "إشراق"، ووكالة "قاسيون" للأنباء.
وشكلت هذه التحديات التي تواجه الإعلام السوري المعارض محور اهتمام دراسة عرضتها "رابطة الصحافيين السوريين" SJA و"ميثاق شرف الإعلاميين السوريين" Ethical Charter، في مدينة إسطنبول التركية، تحت عنوان "المسؤولية في الإعلام: من مسؤول أمام من؟".
وعقدت "رابطة الصحافيين السوريين" و"ميثاق شرف الإعلاميين" لقاء، في 27 إبريل/نيسان الماضي، تناول واقع المؤسسات الإعلامية السورية المستقلة، وحدّد نقاط ضعفها وقوتها، والتهديدات والتحديات التي تواجه مسيرتها، كما سلط الضوء على تعاطي مؤسسات الإعلام السورية والدولية، بتوجهاتها السياسية كافة، مع الأحداث التي تشهدها البلاد.
وفي هذا السياق، أوضح مدير "مركز الحريات" في "رابطة الصحافيين السوريين"، إبراهيم الحسين، أن غاية اللقاء كانت "البحث عن حلول تعين المؤسسات الإعلامية السورية المستقلة على البقاء وأداء دورها في الساحة الإعلامية".
وفي حديث لـ "العربي الجديد"، أشار الحسين إلى أهمية التوصل إلى "ما يشبه الميثاق الأدبي الجامع للمؤسسات الإعلامية السورية في بلدان اللجوء، يعوضها عن فقدان البيئة القانونية الملزمة التي تنظم وجودها أولاً وتنظم العلاقات بين بعضها البعض ثانياً، إلى جانب ما يجب تضمينه لجهة تأمين حقوق الإعلاميين العاملين فيها".
من جهة ثانية، أكد رئيس مجلس إدارة "ميثاق الشرف"، أكرم الأحمد، أن "الدعم الأوروبي للإعلام السوري المعارض انخفض إلى مستوى كبير خلال العامين الأخيرين"، منبهاً، في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أن "بيئة العمل في تركيا لا تتيح للوسائل المتبقية تأمين تمويل ذاتي يغنيها عن التمويل الغربي أو العربي، إذ لا مجال للحصول على إعلانات من فعاليات اقتصادية، بسبب وجود الجمهور المستهدف معظمه خارج تركيا".
يذكر أن السلطات التركية خفضت رسوم تصاريح العمل بمقدار الثلثين عام 2017، لكن حتى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لم يكن قد حصل على التصاريح سوى 32 ألفاً فقط من إجمالي 3.6 ملايين لاجئ سوري. أما الاتحاد الأوروبي الذي قدم مليارات اليورو لمساعدة تركيا في استضافة اللاجئين مقابل وقف عبورهم إلى اليونان، فيركز الآن دعمه على مشاريع طويلة الأجل، مثل إعداد السوريين للمنافسة في سوق العمل وتمويل دورات في اللغات وتوفير التدريب المهني.