إن كان ثمة من يبحث عن شواهد تعكس تعاظم هيمنة اليمين على الفضاء العام في إسرائيل، فإنّ المشهد الإعلامي في تل أبيب يدلّل على هذا التحول البارز. ويكتسب هذا الواقع الجديد أهمية كبيرة لأنه يشي بالتغيير المتواصل الذي تشهده الأوساط الإسرائيلية، حيث بات اليمين الديني تحديداً يلعب دوراً أساسياً في تشكل الرأي العام الإسرائيلي والتأثير عليه.
ولم يكن تعاظم حضور اليمين في المشهد الإعلامي نتاج استثمارات الملياردير اليهودي الأميركي المتطرف، شيلدون أدلسون، في مجال الإعلام فقط، حيث أسس صحفاً واشترى أخرى لتكون بوقاً لليمين، بل أيضاً نتاج حرص وسائل الإعلام الممولة من من قبل السلطات، والإعلام الخاص على محاولة استرضاء اليمين الحاكم عبر منح أوساطه الثقافية مساحات أكبر سواء في الإعلام الإذاعي أو المرئي والمكتوب.
ومثّل الصعود الكبير للصحافي عميت سيغل (34 عاماً)، المراسل السياسي لقناة التلفزة الثانية، الأكثر مشاهدة في إسرائيل، دليلاً على هذا التحول. فسيغل، الذي ينتمي للتيار الديني الصهيوني، أصبح يقدم برنامجين، أحدهما بالاشتراك مع الصحافي أمنون أبراموفيتش (65 عاماً)، والذي يعد من أهم المعلقين في إسرائيل؛ بالإضافة إلى عمله كمراسل سياسي، حيث لا تخلو نشرة أخبار لا يطل فيها على المشاهدين من خلال تحليلاته التي تتأثر بمنطلقاته الأيديولوجية.
وسيغل هو نجل حجاي سيغل، رئيس تحرير صحيفة "ميكور ريشون" اليمينيّة، والذي كان أحد أبرز أعضاء التنظيم الإرهابي اليهودي، الذي قتل وأصاب العشرات من الفلسطينيين في ثمانينيات القرن الماضي، علاوة على قطع هذا التنظيم شوطاً متقدماً في التخطيط لتدمير المسجد الأقصى.
ومن أجل استرضاء اليمين، فقد عمدت القناة، أخيراً، إلى استيعاب "صحافي" ينتمي للتيار الديني الحريدي المتزمت. وقد واصلت "إذاعة الجيش"، التي تحظى بأكبر نسبة استماع داخل إسرائيل، توجهها المتمثل في استيعاب أوساط يمينية متطرفة لتقديم برامج إذاعية. فقد خصصت الإذاعة، أخيراً، برنامجين حواريين لكلّ من الكاتب المتطرف، أمنون لورد، الذي يعمل معلقاً سياسياً في "ميكور ريشون"، والسياسي الليكودي السابق حاييم باردوغو.
وقامت بتخصيص برنامج آخر للكاتب نداف هعتسني، الذي يقطن مستوطنة "كريات أربع"، التي تقع للشرق من مدينة الخليل، وتعد موطن غلاة المستوطنين اليهود في الضفة الغربية. ونظراً لأن هذه الإذاعة يستمع إليها عشرات الآلاف من الجنود في الخدمة النظامية والاحتياط، فإنها تسهم في التأثير على وعي وآراء هؤلاء الجنود.
ولا تقتصر محاولة استرضاء اليمين من خلال استيعاب أوساط اليمين الثقافية في وسائل الإعلام، بل إنّ بعض كبار المعلقين في قنوات التلفزة باتوا يحرصون بشكل فج على تقديم تحليلات تلتقي مع توجهات اليمين. ففي إحدى حلقات برنامج "أستوديو الجمعة"، الذي بثته قناة التلفزة الثانية قبل أسبوعين، انفجر معلق الشؤون العربية في القناة إيهود يعاري في وجه زميلته دانا فايس، لمجرد أنها قالت، إن تبرير شنّ عمليات إرهابية بنصوص دينية لا يقتصر على المسلمين، بل إن إرهابيون يهود فعلوا ذلك. ووجه يعاري إهانةً لفايس فقال: "لا يجوز لك إبداء الرأي في قضايا لا تفهمين فيها".
المفارقة أنّ بعض الأوساط اليسارية التي يتم استكتابها في بعض الصحف اليمينية تعرض وجهات نظر "تصالحية" مع مواقف اليمين ولا تجرؤ على الدفاع عن وجهات نظر اليسار. وضمن هؤلاء، يوسي بلين، وزير القضاء الأسبق، والذي كان يوماً رئيساً لحركة "ميرتس" اليسارية، ويعدّ من كتاب الأعمدة الرئيسيين في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أوسع الصحف انتشاراً، والتي توصف في تل أبيب بأنها "بوق" لديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فقلّما استغل بيلين المساحة المتاحة له في هذه الصحيفة في انتقاد سياسات الحكومة اليمينية، سيّما في كل ما يتعلق بالعلاقة من الصراع مع الشعب الفلسطيني. مع العلم أنّ بيلين كان صاحب العديد من المشاريع التي قدمت لحل الصراع، وضمنها خطة "بيلين أبو مازن" و"مبادرة جنيف".
اقــرأ أيضاً
إلى جانب ذلك، فإنّ مقدمي البرامج الحوارية، الذين يحاورون ممثلي اليمين لا يظهرون حرصاً على طرح وجهات النظر الأخرى. ففي مقابلة أجرتها معه الإذاعة العبرية، أول أمس، حمّل وزير التعليم نفتالي بنات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المسؤولية عمّا يسميه "التحريض" الذي يؤدي لتنفيذ العمليات، بدون أن يحيله المحاور إلى شهادات قادة الجيش والاستخبارات الإسرائيليّة التي "تثني" على دور عباس في محاربة "التحريض" وامتداح إصراره على تواصل التعاون الأمني.
ولم يكن تعاظم حضور اليمين في المشهد الإعلامي نتاج استثمارات الملياردير اليهودي الأميركي المتطرف، شيلدون أدلسون، في مجال الإعلام فقط، حيث أسس صحفاً واشترى أخرى لتكون بوقاً لليمين، بل أيضاً نتاج حرص وسائل الإعلام الممولة من من قبل السلطات، والإعلام الخاص على محاولة استرضاء اليمين الحاكم عبر منح أوساطه الثقافية مساحات أكبر سواء في الإعلام الإذاعي أو المرئي والمكتوب.
ومثّل الصعود الكبير للصحافي عميت سيغل (34 عاماً)، المراسل السياسي لقناة التلفزة الثانية، الأكثر مشاهدة في إسرائيل، دليلاً على هذا التحول. فسيغل، الذي ينتمي للتيار الديني الصهيوني، أصبح يقدم برنامجين، أحدهما بالاشتراك مع الصحافي أمنون أبراموفيتش (65 عاماً)، والذي يعد من أهم المعلقين في إسرائيل؛ بالإضافة إلى عمله كمراسل سياسي، حيث لا تخلو نشرة أخبار لا يطل فيها على المشاهدين من خلال تحليلاته التي تتأثر بمنطلقاته الأيديولوجية.
وسيغل هو نجل حجاي سيغل، رئيس تحرير صحيفة "ميكور ريشون" اليمينيّة، والذي كان أحد أبرز أعضاء التنظيم الإرهابي اليهودي، الذي قتل وأصاب العشرات من الفلسطينيين في ثمانينيات القرن الماضي، علاوة على قطع هذا التنظيم شوطاً متقدماً في التخطيط لتدمير المسجد الأقصى.
ومن أجل استرضاء اليمين، فقد عمدت القناة، أخيراً، إلى استيعاب "صحافي" ينتمي للتيار الديني الحريدي المتزمت. وقد واصلت "إذاعة الجيش"، التي تحظى بأكبر نسبة استماع داخل إسرائيل، توجهها المتمثل في استيعاب أوساط يمينية متطرفة لتقديم برامج إذاعية. فقد خصصت الإذاعة، أخيراً، برنامجين حواريين لكلّ من الكاتب المتطرف، أمنون لورد، الذي يعمل معلقاً سياسياً في "ميكور ريشون"، والسياسي الليكودي السابق حاييم باردوغو.
وقامت بتخصيص برنامج آخر للكاتب نداف هعتسني، الذي يقطن مستوطنة "كريات أربع"، التي تقع للشرق من مدينة الخليل، وتعد موطن غلاة المستوطنين اليهود في الضفة الغربية. ونظراً لأن هذه الإذاعة يستمع إليها عشرات الآلاف من الجنود في الخدمة النظامية والاحتياط، فإنها تسهم في التأثير على وعي وآراء هؤلاء الجنود.
ولا تقتصر محاولة استرضاء اليمين من خلال استيعاب أوساط اليمين الثقافية في وسائل الإعلام، بل إنّ بعض كبار المعلقين في قنوات التلفزة باتوا يحرصون بشكل فج على تقديم تحليلات تلتقي مع توجهات اليمين. ففي إحدى حلقات برنامج "أستوديو الجمعة"، الذي بثته قناة التلفزة الثانية قبل أسبوعين، انفجر معلق الشؤون العربية في القناة إيهود يعاري في وجه زميلته دانا فايس، لمجرد أنها قالت، إن تبرير شنّ عمليات إرهابية بنصوص دينية لا يقتصر على المسلمين، بل إن إرهابيون يهود فعلوا ذلك. ووجه يعاري إهانةً لفايس فقال: "لا يجوز لك إبداء الرأي في قضايا لا تفهمين فيها".
المفارقة أنّ بعض الأوساط اليسارية التي يتم استكتابها في بعض الصحف اليمينية تعرض وجهات نظر "تصالحية" مع مواقف اليمين ولا تجرؤ على الدفاع عن وجهات نظر اليسار. وضمن هؤلاء، يوسي بلين، وزير القضاء الأسبق، والذي كان يوماً رئيساً لحركة "ميرتس" اليسارية، ويعدّ من كتاب الأعمدة الرئيسيين في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أوسع الصحف انتشاراً، والتي توصف في تل أبيب بأنها "بوق" لديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فقلّما استغل بيلين المساحة المتاحة له في هذه الصحيفة في انتقاد سياسات الحكومة اليمينية، سيّما في كل ما يتعلق بالعلاقة من الصراع مع الشعب الفلسطيني. مع العلم أنّ بيلين كان صاحب العديد من المشاريع التي قدمت لحل الصراع، وضمنها خطة "بيلين أبو مازن" و"مبادرة جنيف".
إلى جانب ذلك، فإنّ مقدمي البرامج الحوارية، الذين يحاورون ممثلي اليمين لا يظهرون حرصاً على طرح وجهات النظر الأخرى. ففي مقابلة أجرتها معه الإذاعة العبرية، أول أمس، حمّل وزير التعليم نفتالي بنات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المسؤولية عمّا يسميه "التحريض" الذي يؤدي لتنفيذ العمليات، بدون أن يحيله المحاور إلى شهادات قادة الجيش والاستخبارات الإسرائيليّة التي "تثني" على دور عباس في محاربة "التحريض" وامتداح إصراره على تواصل التعاون الأمني.