12 اغسطس 2018
الإصلاح التونسي والمساواة في الإرث
طرح الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، في 13أغسطس/ آب الجاري، موضوع المساواة بين الرجال والنساء في الإرث، معتبراً أن تونس تتجه إلى المساواة "في جميع الميادين"، وقال: "لا بد من أن نقول إننا نتجه نحو المساواة في جميع الميادين، والمسألة كلها في الإرث". مرّة أخرى، ينجح الرئيس السبسي في الانتصار للمشروع الوطني الحداثوي الذي ناضلت من أجله أجيال من المصلحين مند منتصف القرن التاسع عشر، من أجل بناء دولة مدنية ذات مؤسسات سيادية قوية، تتمتع باستقلالية قرارها الوطني، وأيضاً من أجل مجتمع تعدّدي ديمقراطي يضمن الحق في الاختلاف والتعايش السلمي، بطرح قضيّة مجتمعية (المساواة في الإرث بين الرجل و المرأة، وزواج التونسية بغير المسلم)، هي في صميم نهج تحرير المرأة الذي وضع معالمه الأولى الزعيم الحبيب بورقيبة والشيخ الطاهر الحداد، فهذا من أكثر القرارات جرأة ومناصرة للمرأة، بتمكينها من المساواة في الإرث والحرية في اختيار القرين، باعتباره حقّا دستوريا ليس لأيٍّ كان أن ينزعه عنها.
وكان بورقيبة، بعد تصفيته البنية التحتية الاقتصادية للمؤسسة الإسلامية التقليدية، بإلغاء مؤسسة الحبس والأوقاف، في قراري 31 مايو/ مايو 1956 و18 يوليو/ تموز1957، اتخذ قراراتٍ غاية في الجذرية، مثل إعلان قانون الأحوال الشخصية للمرأة في 13 أغسطس/آب 1956، الذي ألغى تعدّد الزوجات، وأتاح التعليم الإجباري للبنات، ونصح بتحديد النسل، وأوصى بحرية اختيار الشريك الزوجي، وألغى التطليق، وأفسح في المجال أمام الزواج المدني والطلاق القضائي. ونص الدستور التونسي الذي تم تبينه عام 1959 على المساواة القضائية بين الرجل والمرأة في حق الانتخاب تصويتاً وترشيحاً، وحق العمل... ويعاقب القانون التونسي منذ 2004 على التحرّش الجنسي. وللمرأة التونسية حق منح أولادها جنسيتها، وتم إحداث صندوقٍ يضمن تسديد النفقة الزوجية، حتى لا تضطر للجري وراء طليقها.
وكان سن هذه القوانين التشريعية كما قال بورقيبة تعبيراً "عن ضرورة التكيف مع متطلبات الحياة المعاصرة، وتسيير شؤون الحياة، وفق المنطق الجديد الذي لا يعد منطقاً متناقضاً مع روح الإسلام". ووحد بورقيبة القضاء على أساس القوانين الوضعية، وألغى المؤسسة القضائية التقليدية التي تعكس البنية التحتية المتأخرة تاريخيًا. وفيما يتعلق بالإرث بين الرجل والمرأة، قال بورقيبة لرئيس حكومته، محمد مزالي "سأموت وستبقى مسألة المساواة في الإرث في نفسي".
واحتل تحرير المرأة التونسية مركزاً جوهرياً في المشروع التحديثي البورقيبي الذي امتد أكثر من ثلاثة عقود، إذ قامت علاقة المرأة بالسلطة السياسية في تونس على تاريخ نوعي خاص، رسم مساراً استراتيجياً يصعب جدا ً التخلي عنه، أو التراجع عن أيٍّ من مكاسبه، إنها علاقة يجتمع فيها الجوهري بالشكلي، والاجتماعي والإنساني بالسياسي وبالتنموي.
وكان مفهوم التحديث في الخطاب السياسي البورقيبي يقوم على تبني نسقٍ من القيم الغربية والسعي إلى التماثل مع القيم المجتمعية الغربية.
وبقدر ما تم الثناء على طرح رئيس الجمهورية ومبادرته الجريئة التي تدخل في سياق مزيد من دعم حقوق المرأة وحرياتها ومكتسباتها (دعم الحقوق المادية عبر المساواة في ودعم الحريات عبر تمكينها من الزواج ممن تريد)، بقدر ما رأى قسم آخر من التونسيين أن هذا الطرح لا يخلو من التوظيف السياسي يخدم مصلحة السبسي نفسه، وحزبه الأصلي "نداء تونس"، لا سيما مع اقتراب مواعيد انتخابية مهمة، البلدية في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ثم التشريعية والرئاسية في 2019.
أصبحت المرأة التونسية من مصادر الشرعية للسلطة السياسية في تونس، سواء في عهد بورقيبة أم في عهد الباجي السبسي الذي صوتت لانتخابه، نهاية خريف 2014، مليون امرأة، لوجود علاقة جدلية بين الطرفين، إضافة إلى المصالح المختلطة والمتشابكة. وبذلك لعبت أصوات النساء دوراً حاسماً في فوز مرشح "نداء تونس"، الباجي قائد السبسي، على حساب منصف المرزوقي، وبلغ عدد أصوات الناخبات 60% من مجموع الأصوات التي حصل عليها السبسي الذي عبر عن امتنانه لنساء تونس. ويبدو أن الرجل قرأ حساباً للمحافظة على هذا "الخزان الانتخابي" في صورة تفكيره في إعادة الترشح لرئاسية 2019، وهو ما لم ينفه في تصريح له أخيراً، إلى جانب فرضية تفكيره أيضاً في المحافظة على تقدم الحزب الذي أسسه "نداء تونس".
أذكى وصول حركة النهضة إلى السلطة، عقب انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2011، الخوف المشترك بين المدافعين عن المشروع الوطني الحداثي والدولة المدنية والمرأة على التخندق في الخندق الايديولوجي والسياسي الواحد، باعتبارهما المستهدفين من مشروع حركة النهضة القائم على استراتيجية التمكين والهيمنة على مفاصل الدولة بالتدريج، فالمدافعون عن الدولة المدنية في تونس يتفاخرون بأنهم أسهموا في تحرير المرأة، بوصفها الضامن الوحيد للمحافظة على مكاسبها أمام مشروع الإسلاميين، واستخدامها بعبع تخويف ضد المجتمع، وضد المرأة خصوصاً. فيما أصبحت المرأة التونسية توفر للسلطة الحداثوية والعلمانية التعبئة والمساندة اللازمتين.
وكان بورقيبة، بعد تصفيته البنية التحتية الاقتصادية للمؤسسة الإسلامية التقليدية، بإلغاء مؤسسة الحبس والأوقاف، في قراري 31 مايو/ مايو 1956 و18 يوليو/ تموز1957، اتخذ قراراتٍ غاية في الجذرية، مثل إعلان قانون الأحوال الشخصية للمرأة في 13 أغسطس/آب 1956، الذي ألغى تعدّد الزوجات، وأتاح التعليم الإجباري للبنات، ونصح بتحديد النسل، وأوصى بحرية اختيار الشريك الزوجي، وألغى التطليق، وأفسح في المجال أمام الزواج المدني والطلاق القضائي. ونص الدستور التونسي الذي تم تبينه عام 1959 على المساواة القضائية بين الرجل والمرأة في حق الانتخاب تصويتاً وترشيحاً، وحق العمل... ويعاقب القانون التونسي منذ 2004 على التحرّش الجنسي. وللمرأة التونسية حق منح أولادها جنسيتها، وتم إحداث صندوقٍ يضمن تسديد النفقة الزوجية، حتى لا تضطر للجري وراء طليقها.
وكان سن هذه القوانين التشريعية كما قال بورقيبة تعبيراً "عن ضرورة التكيف مع متطلبات الحياة المعاصرة، وتسيير شؤون الحياة، وفق المنطق الجديد الذي لا يعد منطقاً متناقضاً مع روح الإسلام". ووحد بورقيبة القضاء على أساس القوانين الوضعية، وألغى المؤسسة القضائية التقليدية التي تعكس البنية التحتية المتأخرة تاريخيًا. وفيما يتعلق بالإرث بين الرجل والمرأة، قال بورقيبة لرئيس حكومته، محمد مزالي "سأموت وستبقى مسألة المساواة في الإرث في نفسي".
واحتل تحرير المرأة التونسية مركزاً جوهرياً في المشروع التحديثي البورقيبي الذي امتد أكثر من ثلاثة عقود، إذ قامت علاقة المرأة بالسلطة السياسية في تونس على تاريخ نوعي خاص، رسم مساراً استراتيجياً يصعب جدا ً التخلي عنه، أو التراجع عن أيٍّ من مكاسبه، إنها علاقة يجتمع فيها الجوهري بالشكلي، والاجتماعي والإنساني بالسياسي وبالتنموي.
وكان مفهوم التحديث في الخطاب السياسي البورقيبي يقوم على تبني نسقٍ من القيم الغربية والسعي إلى التماثل مع القيم المجتمعية الغربية.
وبقدر ما تم الثناء على طرح رئيس الجمهورية ومبادرته الجريئة التي تدخل في سياق مزيد من دعم حقوق المرأة وحرياتها ومكتسباتها (دعم الحقوق المادية عبر المساواة في ودعم الحريات عبر تمكينها من الزواج ممن تريد)، بقدر ما رأى قسم آخر من التونسيين أن هذا الطرح لا يخلو من التوظيف السياسي يخدم مصلحة السبسي نفسه، وحزبه الأصلي "نداء تونس"، لا سيما مع اقتراب مواعيد انتخابية مهمة، البلدية في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ثم التشريعية والرئاسية في 2019.
أصبحت المرأة التونسية من مصادر الشرعية للسلطة السياسية في تونس، سواء في عهد بورقيبة أم في عهد الباجي السبسي الذي صوتت لانتخابه، نهاية خريف 2014، مليون امرأة، لوجود علاقة جدلية بين الطرفين، إضافة إلى المصالح المختلطة والمتشابكة. وبذلك لعبت أصوات النساء دوراً حاسماً في فوز مرشح "نداء تونس"، الباجي قائد السبسي، على حساب منصف المرزوقي، وبلغ عدد أصوات الناخبات 60% من مجموع الأصوات التي حصل عليها السبسي الذي عبر عن امتنانه لنساء تونس. ويبدو أن الرجل قرأ حساباً للمحافظة على هذا "الخزان الانتخابي" في صورة تفكيره في إعادة الترشح لرئاسية 2019، وهو ما لم ينفه في تصريح له أخيراً، إلى جانب فرضية تفكيره أيضاً في المحافظة على تقدم الحزب الذي أسسه "نداء تونس".
أذكى وصول حركة النهضة إلى السلطة، عقب انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2011، الخوف المشترك بين المدافعين عن المشروع الوطني الحداثي والدولة المدنية والمرأة على التخندق في الخندق الايديولوجي والسياسي الواحد، باعتبارهما المستهدفين من مشروع حركة النهضة القائم على استراتيجية التمكين والهيمنة على مفاصل الدولة بالتدريج، فالمدافعون عن الدولة المدنية في تونس يتفاخرون بأنهم أسهموا في تحرير المرأة، بوصفها الضامن الوحيد للمحافظة على مكاسبها أمام مشروع الإسلاميين، واستخدامها بعبع تخويف ضد المجتمع، وضد المرأة خصوصاً. فيما أصبحت المرأة التونسية توفر للسلطة الحداثوية والعلمانية التعبئة والمساندة اللازمتين.