في الأول من يوليو/ تموز عام 1936، بعد عامين من افتتاح "إذاعة القاهرة"، نُصبت في الساحات العامة للعاصمة العراقية بغداد أجهزة الراديو، ليبدأ عمل "إذاعة بغداد" التي تعدّ ثاني إذاعة في الوطن العربي. الكثير من المواطنين تركوا بيوتهم وتجمهروا للاستماع والاطلاع على هذا الجهاز متحدثاً للمرة الأولى بصوت عراقي: "هنا بغداد دار السلام صوت العرب".
في الثلاثينيات بدأت بوادر الحداثة تأخذ طريقها إلى الحياة العراقية المدنية، فانتشرت المقاهي بطريقة لافتة في مدن العراق الكبرى. وبدأت تلعب دوراً ثقافياً تنويرياً رائداً، خاصة في بعض المقاهي الكبيرة في بغداد التي قامت بنصب محطات إذاعية سلكية، لتبث إلى روادها الأغاني والمقامات العراقية.
إذ كان صاحب المقهى ينصب جهاز راديو كبيراً في ركن المقهى، ويوصله بأسلاك الى الحاكي (الميكرفون) الذي تذاع منه الأغاني وتراتيل القرآن الكريم المسجلة في أسطوانات كبيرة.
اقــرأ أيضاً
وأول مقهى أنشأ إذاعة بسيطة يعود إلى الحاج عبدالعزيز، الكائن في محلة الفضل الشهيرة الواقعة في جانب الرصافة في بغداد، عام 1932. تبعه الحاج عبيد الذي أنشا استوديو صوتياً في بيته الذي يجاور المقهى، ثم أوصله بسلك إلى الراديو الموجود في مقهاه الكائن على نهر دجلة.
وما تميز به الحاج عبيد على منافسه الحاج عبدالعزيز هو بثّ الموسيقى الحية إلى رواد مقهاه، بعد أن استأجر فرقة موسيقية لهذا الغرض.
مقاه اخرى طورت الفكرة، وخاصة الموجودة قرب "جامع الفضل"، بعد أن استأجر أصحابها تختاً موسيقياً متكاملاً مؤلفاً من فرقة وعازفين مع مطرب مقام، إضافة إلى منشد مدائح نبوية، ووسعوا البث السلكي ليغطي عدداً من المقاهي في وقت واحد، بينما كان عبدالسلام العزاوي وزكي خطاب المحامي يتلوان آيات القران الكريم من هذه الإذاعة السلكية التي أنشئت في 1933.
اقــرأ أيضاً
وهكذا تطورت المحاولات وشملت أغلب المقاهي في بغداد، وامتدت الظاهرة إلى البصرة والموصل وغيرهما.
وتعدّ "إذاعة الزهور" الإذاعة اللاسلكية الأولى في العراق، وتعود للملك غازي، وأنشئت مطلع عام 1936. وبسبب انطلاق "إذاعة الزهور" المعادية للإنكليز، بدأت الحكومة العراقية بعد شهور بالتفكير جدياً في إنشاء إذاعة عراقية.
وفي الأول من يوليو/تموز من العام نفسه، أنشئت "إذاعة هنا بغداد"، وكان أول صوت انطلق منها قائلاً "هنا بغداد" صوت المذيع عبدالستار فوزي، بعد أن افتتحها وزير المعارف.
اقــرأ أيضاً
وكان اسمها "الإذاعة اللاسلكية للحكومة العراقية"، بعدها توالت العديد من المحطات الإذاعية التي اخذت حيزاً من يوميات العراقيين في برامجها المختلفة. وتبدأ الإذاعة العراقية بثها التجريبي، صباح كل يوم، بصوت البلبل الشهير مغرداً مدة خمس دقائق، قبل الافتتاح.
وقد استحدث لضرورات ضبط مستوى الموجات الصوتية وقياس أعلى وأدنى ذبذبة صوتية. وإلى اليوم، تبدأ الإذاعة العراقية بثها بصوت البلبل، كأنه صار جزءا أو بصمة تميز الإذاعة الرسمية العراقية.
لم يحصل أي تغيير في فترة الثلاثينيات في برامج الإذاعة التي تضمنت تلاوة من القرآن الكريم ونشرة الأخبار ثم أغاني وبعض التمثيليات والمونولوغات للفنان عزيز علي. برامج الأطفال كان لها حصة أيضاً، وكان أول مقدم برامج أطفال الفنان كريم مجيد، ومن برامجه "قصة عمو كريم وحكايته بهجة وسعادة للأطفال وللكبار" و"عمو محجوب"، ثم تلاه الفنان عمو زكي، عام 1938.
اقــرأ أيضاً
وفي هذا السياق، تحدث الفنان ملاذ إسماعيل، لـ "العربي الجديد"، عن ذكرياته في هذا المضمار. وقال "منذ الثمانينيات وصولاً إلى الاحتلال عام 2003، استمعت لإذاعتي (بغداد) و(صوت الجماهير)، وكنت أحب برنامج (عالم الأطفال) وأغنيته الافتتاحية المشهورة. وتابعت (صوت الجماهير) أكثر من (إذاعة بغداد) كونها اجتماعية أكثر، مقارنة بإذاعات أخرى غلب عليها الطابع السياسي".
وأضاف إسماعيل: "مع انقطاع التيار الكهربائي أو عند السفر أو في الطريق إلى العمل، نستمع للمحطات الإذاعية عبر راديو السيارة أو راديو يعمل بالبطارية...".
ومن البرامج الإذاعية التي استهوت العراقيين: "البرنامج الريفي" وبرنامج "حذار من اليأس" الذي صنع شعبية كاسحة لدى العراقيين، إذ عرض في كل حلقة قصصاً اجتماعية حقيقية تأتي بالمراسلة من أصحاب المشكلات ويطلبون الحل، وفي نهاية الحلقة يأتي الحل أو يستضيفون شخصاً يعطي الأسباب والنتائج والحلول.
اقــرأ أيضاً
وتابع: "كنا كطلاب نتابع باهتمام برامج مثل (قل ولا تقل)، (استوديو عشرة)، (نادي الإذاعة)، و(اسمك عنوانك). كما كنا نبحر بأصوات التجويد والقراءات القرآنية الجميلة مثل عبدالباسط عبدالصمد، وأيضا الشعشاعي والحصري وغيرهم".
يذكر أن الإذاعة العراقية شهدت تطورا ملحوظا في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم، خصوصا أنه كان من مشجعي الحفلات ويحضرها شخصيا، وساهم في إيفاد العديد من المتدربين في مجال العمل الإذاعي والتلفزيوني.
وكذلك حظيت الإذاعة باهتمام كبير ومعها التلفزيون في فترة السبعينيات والثمانينيات، وظهرت الكثير من المواهب والأعمال الفنية المهمة حتى باتت الإذاعة العراقية والتلفزيون مؤسسة تعادل وزارة، بعدما كانت شعبة في مديرية، وحظيت برعاية كبيره لما لها من تأثير كبير على الثقافة والسياسة وتوجيه مختلف فئات المجتمع.
في الثلاثينيات بدأت بوادر الحداثة تأخذ طريقها إلى الحياة العراقية المدنية، فانتشرت المقاهي بطريقة لافتة في مدن العراق الكبرى. وبدأت تلعب دوراً ثقافياً تنويرياً رائداً، خاصة في بعض المقاهي الكبيرة في بغداد التي قامت بنصب محطات إذاعية سلكية، لتبث إلى روادها الأغاني والمقامات العراقية.
إذ كان صاحب المقهى ينصب جهاز راديو كبيراً في ركن المقهى، ويوصله بأسلاك الى الحاكي (الميكرفون) الذي تذاع منه الأغاني وتراتيل القرآن الكريم المسجلة في أسطوانات كبيرة.
وأول مقهى أنشأ إذاعة بسيطة يعود إلى الحاج عبدالعزيز، الكائن في محلة الفضل الشهيرة الواقعة في جانب الرصافة في بغداد، عام 1932. تبعه الحاج عبيد الذي أنشا استوديو صوتياً في بيته الذي يجاور المقهى، ثم أوصله بسلك إلى الراديو الموجود في مقهاه الكائن على نهر دجلة.
وما تميز به الحاج عبيد على منافسه الحاج عبدالعزيز هو بثّ الموسيقى الحية إلى رواد مقهاه، بعد أن استأجر فرقة موسيقية لهذا الغرض.
مقاه اخرى طورت الفكرة، وخاصة الموجودة قرب "جامع الفضل"، بعد أن استأجر أصحابها تختاً موسيقياً متكاملاً مؤلفاً من فرقة وعازفين مع مطرب مقام، إضافة إلى منشد مدائح نبوية، ووسعوا البث السلكي ليغطي عدداً من المقاهي في وقت واحد، بينما كان عبدالسلام العزاوي وزكي خطاب المحامي يتلوان آيات القران الكريم من هذه الإذاعة السلكية التي أنشئت في 1933.
وهكذا تطورت المحاولات وشملت أغلب المقاهي في بغداد، وامتدت الظاهرة إلى البصرة والموصل وغيرهما.
وتعدّ "إذاعة الزهور" الإذاعة اللاسلكية الأولى في العراق، وتعود للملك غازي، وأنشئت مطلع عام 1936. وبسبب انطلاق "إذاعة الزهور" المعادية للإنكليز، بدأت الحكومة العراقية بعد شهور بالتفكير جدياً في إنشاء إذاعة عراقية.
وفي الأول من يوليو/تموز من العام نفسه، أنشئت "إذاعة هنا بغداد"، وكان أول صوت انطلق منها قائلاً "هنا بغداد" صوت المذيع عبدالستار فوزي، بعد أن افتتحها وزير المعارف.
وكان اسمها "الإذاعة اللاسلكية للحكومة العراقية"، بعدها توالت العديد من المحطات الإذاعية التي اخذت حيزاً من يوميات العراقيين في برامجها المختلفة. وتبدأ الإذاعة العراقية بثها التجريبي، صباح كل يوم، بصوت البلبل الشهير مغرداً مدة خمس دقائق، قبل الافتتاح.
وقد استحدث لضرورات ضبط مستوى الموجات الصوتية وقياس أعلى وأدنى ذبذبة صوتية. وإلى اليوم، تبدأ الإذاعة العراقية بثها بصوت البلبل، كأنه صار جزءا أو بصمة تميز الإذاعة الرسمية العراقية.
لم يحصل أي تغيير في فترة الثلاثينيات في برامج الإذاعة التي تضمنت تلاوة من القرآن الكريم ونشرة الأخبار ثم أغاني وبعض التمثيليات والمونولوغات للفنان عزيز علي. برامج الأطفال كان لها حصة أيضاً، وكان أول مقدم برامج أطفال الفنان كريم مجيد، ومن برامجه "قصة عمو كريم وحكايته بهجة وسعادة للأطفال وللكبار" و"عمو محجوب"، ثم تلاه الفنان عمو زكي، عام 1938.
وفي هذا السياق، تحدث الفنان ملاذ إسماعيل، لـ "العربي الجديد"، عن ذكرياته في هذا المضمار. وقال "منذ الثمانينيات وصولاً إلى الاحتلال عام 2003، استمعت لإذاعتي (بغداد) و(صوت الجماهير)، وكنت أحب برنامج (عالم الأطفال) وأغنيته الافتتاحية المشهورة. وتابعت (صوت الجماهير) أكثر من (إذاعة بغداد) كونها اجتماعية أكثر، مقارنة بإذاعات أخرى غلب عليها الطابع السياسي".
وأضاف إسماعيل: "مع انقطاع التيار الكهربائي أو عند السفر أو في الطريق إلى العمل، نستمع للمحطات الإذاعية عبر راديو السيارة أو راديو يعمل بالبطارية...".
ومن البرامج الإذاعية التي استهوت العراقيين: "البرنامج الريفي" وبرنامج "حذار من اليأس" الذي صنع شعبية كاسحة لدى العراقيين، إذ عرض في كل حلقة قصصاً اجتماعية حقيقية تأتي بالمراسلة من أصحاب المشكلات ويطلبون الحل، وفي نهاية الحلقة يأتي الحل أو يستضيفون شخصاً يعطي الأسباب والنتائج والحلول.
وتابع: "كنا كطلاب نتابع باهتمام برامج مثل (قل ولا تقل)، (استوديو عشرة)، (نادي الإذاعة)، و(اسمك عنوانك). كما كنا نبحر بأصوات التجويد والقراءات القرآنية الجميلة مثل عبدالباسط عبدالصمد، وأيضا الشعشاعي والحصري وغيرهم".
يذكر أن الإذاعة العراقية شهدت تطورا ملحوظا في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم، خصوصا أنه كان من مشجعي الحفلات ويحضرها شخصيا، وساهم في إيفاد العديد من المتدربين في مجال العمل الإذاعي والتلفزيوني.
وكذلك حظيت الإذاعة باهتمام كبير ومعها التلفزيون في فترة السبعينيات والثمانينيات، وظهرت الكثير من المواهب والأعمال الفنية المهمة حتى باتت الإذاعة العراقية والتلفزيون مؤسسة تعادل وزارة، بعدما كانت شعبة في مديرية، وحظيت برعاية كبيره لما لها من تأثير كبير على الثقافة والسياسة وتوجيه مختلف فئات المجتمع.