الإحصاءات السورية "غب الطلب" وتتناقض مع الواقع

26 أكتوبر 2015
لا يتوافر في سورية إحصاءات دقيقة عن الفقر(فرانس برس)
+ الخط -
يمتلك النظام السوري سجلاً حافلاً في حجب البيانات والإحصائيات والمعلومات الاقتصادية ليس فقط عن وسائل الإعلام وعن المواطنين، بل حتى عن مؤسسات الدولة نفسها وعن السلطة التشريعية، الأمر الذي ساهم في انتشار الفساد وإهدار الأموال العامة أو اختفائها في دهاليز السلطة من دون أن تمتلك أية جهة القدرة على تتبع مسارها. 
وتعود قضية حجب المعلومات والبيانات إلى عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، حيث تبددت معظم عائدات النفط دون معرفة وجهتها. يقول الباحث منذر الناجي لـ"العربي الجديد": "مع توسع ثروة سورية النفطية في الثمانينيات، لم يكن أحد يعلم، باستثناء الأسد وبعض المقربين منه، بالحجم الفعلي للإنتاج النفطي ناهيك عن العائدات المالية". ويضيف: "البعض يقول إن عائدات بيع النفط كانت تحول إلى حساب الأمين العام لحزب البعث أي إلى حساب الأسد، وآخرون يقولون إنها تحول لمقربين منه، لكن الأكيد أنها لم تكن تدخل في موازنة الحكومة في الأعوام الأولى للفورة النفطية".

حجب البيانات المالية

وقد واصل النظام السوري اتباع سياسة حجب البيانات المالية وآليات عمل بعض مؤسسات الدولة مثل "اللجان التي كانت تشكل لدراسة المناقصات التجارية، إذ كانت المناقصة ترسو على أفراد مقربين من السلطة دون معرفة كيف تم ذلك، بل وحتى دون معرفة من هم أعضاء اللجنة في بعض الأحيان" يقول التاجر السوري منير الدلو لـ"العربي الجديد".
فيما يعتقد نائب رئيس المنتدى الاقتصادي السوري تمام البارودي أن "معظم القرارات الاقتصادية في سورية كانت محجوبة بطريقة ما، إما لفائدة فئة أو اسم محدد أو للضرر بفئة أو اسم بعينه، وخصوصاً قرارات السماح بالاستيراد والإعفاءات والعقود فضلاً عن الإحصاءات الاقتصادية".

اقرأ أيضاً:الخلل السوري المكشوف

وكمثال على ذلك يقول البارودي لـ "العربي الجديد" إن بعض التجار المرتبطين بالنظام كانوا يباشرون باستيراد مادة معينة قبل صدور قرار السماح باستيرادها، "وهو ما يؤكد أنهم على اطلاع وتنسيق تام مع الحكومة، ويقومون بالعمل بناءً على تسريبات مسبقة للقرارات التي سوف تصدر عنها، مثل حادثة استيراد الحديد والموز". ويضيف: "وكذلك كان الأمر مع عقود برنامج النفط مقابل الغذاء الخاص بالعراق، إذ كانت تأتي العقود للحكومة السورية لتقوم بتوزيعها على أشخاص مقربين منها، ومن ثم تقوم بالإعلان عنها بالغرف التجارية السورية بعد أن تكون قد نفذت".
كما يؤدي حجب المعلومات إلى انعدام القدرة على متابعة عمل المؤسسات والأفراد وتقييم أدائها، وبالتالي استحالة محاسبتها وهو ما ينعش الفساد ويعزز من عناصر الفشل. ولطالما واجهت الباحثين في سورية مسألة غياب الأرقام والإحصائيات من اجل إنتاج دراسات تعمل على تقييم المشروعات والسياسات الاقتصادية.

خدمة السياسات القائمة

ويقول مهندس سوري في وزارة الزراعة فضل عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد":"يطلب منا القيام بدراسات لا يكون هدفها إبراز الواقع بل خدمة السياسات القائمة وتبريرها". وكمثال على ذلك يقول: "ففي حال خلصنا في دراستنا إلى أن رفع الدعم عن مادة المازوت على سبيل المثال كان له آثار مدمرة على المزارعين، لا يتم نشر الدراسة. الحقيقة أنه غالباً ما يحدد الهدف من الدراسة نتائجها النهائية، كأن يطلب منا إجراء دراسة تشجع على رفع الدعم وتنفي أي ضرر يمكن أن يلحق بالمزارعين".
ويؤكد البارودي ذلك إذ يروي لـ"العربي الجديد" حادثة إعداد دراسة حول معدلات الفقر في سورية من قبل هيئة أممية، حيث "حجبت الدراسة لأكثر من 9 أشهر في درج رئيس الحكومة لأنها خلصت إلى أن نسبة الفقر تتجاوز 40 في المائة". ويضيف البارودي: "اجتمع رئيس أحد الأفرع الأمنية مع الباحثة (مصرية الجنسية) وحاول إقناعها بأن دراستها خاطئة، وأن نسبة الفقر في سورية لا تتجاوز 11 في المائة، وتم فعلاً إصدار الدراسة بالنتيجة التي أرادتها الحكومة السورية ".

اقرأ أيضاً:تغيّرات الخارطة الاستثمارية في سورية
المساهمون