وتقول قوات الأمن العراقية إنها مضطرة لضرب أطواق أمنية حول تلك الأسواق لمنع استهدافها، ما يفقدها كثيراً من زبائنها الذين راحوا يتجهون نحو المجمعات والمولات التجارية لشراء احتياجاتهم رغم ارتفاع السعر نسبياً.
لكن أكثر ما تفتقده تلك الأسواق نكهتها التاريخية التي سلبتها الأسلاك الشائكة والحواجز الأمنية خشية حصول تفجيرات ضمن إجراءات أمنية تقوم ها قوات الأمن.
وتضم الأسواق الشعبية، مطاعم وكافيتريات ومقاهي قديمة جداً، وأسواقاً للخضراوات والفواكه والمنتجات الشعبية بعضها أغلقها أصحابها بسبب مخاطر أمنية وتراجع المبيعات.
حسام البقال، صاحب سوق تجاري كبير في ضواحي بغداد أفصح عن تراجع نسبة البيع إلى نحو ربع ما كانت عليه بسبب التفجيرات التي تضرب الأسواق الشعبية بين آونة وأخرى وعزوف كثير من المواطنين عن التوجه نحو تلك الأسواق.
ويضيف البقال لـ"العربي الجديد" يفضل المواطنون التوجه نحو المجمعات والمولات التجارية لشراء الفواكه والخضار، فهي تكون في بنايات كبيرة من عدة طوابق يشعرون فيها بشيء من الأمان من الاستهداف".
ويبين أن" نسبة مبيعات السوق تراجعت كثيراً خلال الستة أشهر الماضية مع تصاعد التفجيرات التي تستهدف أسواقاً شعبية في عموم البلاد، والتي راح ضحيتها عشرات المواطنين بين قتيل وجريح".
ولم يقف الأمر عند عزوف الناس عن التوجه نحو الأسواق الشعبية، بل تعدى ذلك إلى طلب البضائع عبر الهاتف خشية الذهاب إلى الأسواق التي لم تعد آمنة بنظرهم بسبب كثرة التفجيرات التي تضربها بين حين وآخر.
أمر دفع أصحاب الأسواق الشعبية والمطاعم والكافيتريات وغيرها إلى توظيف عاملين جدد "ديليفري" لتوصيل طلبات المواطنين إلى منازلهم.
ميسم حسين ( 29 عاماً ) يعمل موظف توصيل طلبات يقول: "بسبب التفجيرات التي تعصف بالأسواق الشعبية بين آونة وأخرى يخشى كثيرون التوجه نحو الأسواق، فوجدت لي عملاً في أحد الأسواق الشعبية لإيصال الطلبات إلى المنازل".
ويجد الأهالي في "الديليفري" أماناً لهم من التوجه نحو الأسواق الشعبية والمناطق المكتظة بالمتبضعين والباعة المتجولين والمحال التجارية، خشية تفجيرات مشابهه لما حصل في الكرادة وأسواق شعبية عديدة.
كما يفعل محمد ياسر (41 عاماً) من أهالي بغداد، حيث يتصل بموظف الديليفري ليسجل طلباته التي تصل منزله بعد أقل من ساعة.
يقول لـ"العربي الجديد" بصراحة صرت أخشى التوجه نحو الأسواق الشعبية فهي معرضة للتفجيرات بشكل خطير، وحصل كثيراً في الأسابيع الماضية استهداف لتلك لأسواق لذلك أجد في شراء ما احتاجه عبر الهاتف وسيلة آمنة لي ولأسرتي".
وأدخلت التفجيرات المستمرة في العراق أصحاب تلك الأسواق والمحال التجارية في عسكرة إجبارية عبر اتخاذ إجراءات أمنية احترازية ومراقبة الزبائن، وظهرت وظائف جديدة لشباب مهمتهم مراقبة الداخلين والخارجين من السوق.
قصي علي ( 25 عاماً ) وجد له عملاً من نوع جديد في أحد الأسواق الشعبية الكبيرة، وهو الجلوس عند البوابة الرئيسية للسوق ومراقبة الداخلين والخارجين منها، ومراقبة تحركاتهم بدقة خشية دخول انتحاري أو شخص يحمل متفجرات.
ويبين علي "أتلقى راتباً شهرياً جيداً مقابل الجلوس ومراقبة الداخلين والخارجين من السوق وتفتيش من أشك فيه، أو ملاحظة تحركات مريبة عليه وكل هذه الإجراءات حرصاً على المواطنين وعلى حياتهم وأمنهم".
كل تلك الإجراءات الأمنية حولت الأسواق إلى شبه ثكنات عسكرية وسلبتها رونقها التاريخي والشعبي الذي يفضله الكثيرون على المجمعات التجارية الحديثة، لكنهم عادوا نحو المجمعات التجارية كون الحراسة الأمنية عليها تكون أسهل، غير أن هذا لم يتحقق في مجمع الليث التجاري في الكرادة الذي احترق بمن فيه بعد انفجار ضرب المنطقة مؤخراً مثيراً تساؤلات ما زالت تؤرق الأهالي.
وتصاعدت شعبية المجمعات والمولات التجارية نسبياً على حساب الأسواق الشعبية والتاريخية القديمة في عموم البلاد التي كانت توفر متعة كبيرة خلال التسوق، لكنها اليوم تثير الخشية في نفوس الأهالي.
ويعتبر أمنيون أن الأسواق الشعبية هي الأكثر خطراً على المواطنين، وعلى أصحابها اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر للحد من التفجيرات.
ويقول الخبير الأمني مظهر الحسني إنّ "الأسواق الشعبية خطيرة للغاية بسبب اكتظاظها بالمتبضعين، وأي تفجير سيوقع أعداد كبيرة جداً من المواطنين كما حصل أول أمس شمالي بغداد وفي الأسابيع والأشهر الماضية".
ويتابع" يجب وضع كاميرات مراقبة وتوظيف شباب مهمتهم مراقبة الداخل والخارج من تلك الأسواق لرصد أي تحركات مريبة، ولكن هذا صعب بالنسبة للأسواق الكبيرة التي يصعب حصر مساحتها وبواباتها بمكان محدد".