الإبادة الثقافية: من سكان أميركا الأصليين إلى فلسطين

02 مايو 2017
(رنا بشارة، في ذكرى 531 قرية دُمّرت عام 1948)
+ الخط -
كتاب "الإبادة الثقافية"، الصادرة ترجمته حديثاً عن دار "العبيكان"، وبترجمة منار الشهابي، هو أحد المؤلفات القليلة التي تتطرق إلى السياسيات التي تتخذها دولة أو جهة أو ثقافة ما، والتي جرى انتهاجها تاريخياً لتحقيق الإبادة لثقافة أخرى في زمان ومكان محددين ولأسباب مختلفة. الكاتب هو الأميركي لورنس دافيدسون (1945) صاحب كتاب آخر وهو "الأصولية الإسلامية" وصاحب مقولات حول تفكيك الصهيونية.

يأخذ الكاتب عدة حالات تاريخية لمناقشة الإبادة الثقافية، ومن الأمور التي يؤكد عليها أنه يدرس نماذج سبقت الهولوكوست. فيدرس ما حدث لثقافة وتاريخ وصورة السكّان الأصليين في أميركا، ويعود إلى روسيا وما فعلته باليهود في القرن التاسع عشر، ثم يناقش حالة الصين والتبت، وبالطبع "إسرائيل" والشعب الفلسطيني والإبادة الثقافية الممنهجة.

يقول الكاتب إن ما فعله الروس بالتراث اليهودي في روسيا، حين حاولوا تدمير كل معالم الثقافة اليهودية في مناطقها، يتكرر اليوم في ما يقوم به الإسرائيليون اليوم ضد الثقافة الفلسطينية. ويشبههم أيضاً بالبيض في جنوب أفريقيا في فترة الفصل العنصري، لافتاً إلى أن نتيجة هذا الفصل ليس الاندماج في المجتمع الأوروبي، بل الانعزال التام الذي يفرضه من يمارس هذا الفصل على نفسه.

ويعتبر الكاتب أنه ورغم الادعاء الإسرائيلي بالديمقراطية من خلال الزعم بحرية التعبير والصحافة، إلا أن التلاعب الشعبوي في الأخبار يتيح تضليل الاتجاهات والسلوكيات. وهذا التضليل هو آلة من آلات الإبادة الثقافية التي تتبعها دولة الاحتلال، إذ أنها تؤثر بشكل فاعل على ما يعتقد وما يقوم به ليس فقط اليهود، بل مسانديهم من داعمي الصهيونية في كل مكان من العالم، أما محرك هذا التلاعب فهو الحكومة والإعلام الذي يخدمها واستخدام اللغة العاطفية والموجهة والمشحونة، بل وفوق هذا تقديم ما أصبح يعرف بـ "رأي خبير".

وإن كانت هذه الآلات والأدوات، إذن فمنتجات صناعة التلاعب هذه ستكون على شكل فكر جمعي يتطوّر ليصبح رؤية مشوهة للواقع. وهذه بالضرورة تخدم على عدة أصعدة؛ تبرر العنف وتلغي الآخر وتغذّي الشعور بأنه مجرد عنصر مهدّد على أكثر من مستوى.

من الأمثلة التاريخية عليها: حرمان السكّان الأصليين في أميركا من حقوقهم وتجريدهم من ممتلكاتهم، ومعاملة وحشية لليهود في روسيا، والفصل العنصري، وهذا الفكر المفرغ والجمعي عند اليهود الإسرائيليين والصهاينة، والنتيجة بالضرورة هي دولة يهودية مارست وتمارس محاولات إفناء لثقافة الآخر الذي اختارته لتحتلّ أرضه وتنفي وجوده.

المساهمون