الأنظمة العربية جمعيات خيرية

25 يوليو 2014
+ الخط -

في وقت تواصل فيه آلة الحرب الصهيونية عدوانها على أهالي غزة، من الجو والأرض والبحر، ممعنة في القتل والتدمير والتصفية، بعدما فشلت في الاجتياح البري للقطاع، برهنت المقاومة على جاهزيتها، وأسقطت أكثر من ثلاثين قتيلاً في صفوف جيش الاحتلال، وتمكنت من أسر جندي، فضلاً عن تدمير آليات عسكرية، وطالت صواريخها العمق الإسرائيلي، مما أرغم الوكالة الفيدرالية الأميركية للطيران على إيقاف رحلاتها إلى الكيان الصهيوني. هنالك سعي حثيث من القادة السياسيين والعسكريين في إسرائيل إلى تغيير الواقع في غزة، وكسر شوكة الفلسطينيين، بتركيع ما تبقى من فصائل فلسطينية، تتبنى خيار المقاومة، وجرّها إلى القبول بعملية "السلام"، كما فعلت قبل ذلك مع من هم الآن في السلطة في الضفة الغربية.

الجديد في الحرب المفتوحة على أهالي غزة أن هذه الحرب لا تقل عنفاً عن سابقاتها من الحروب، كالتي شنتها إسرائيل في آخر سنة 2008، واستمرت إلى أوائل يناير/كانون ثاني 2009، وأيضاً حربها على القطاع في نوفمبر/تشرين ثاني 2012، فقد أدى العدوان المستمر إلى تدمير البنية التحتية الأساسية في القطاع، فيما تجاوز عدد الشهداء الستمائة وآلاف الجرحى. وإذا كان الجديد في الحرب الإسرائيلية المفتوحة على الفلسطينيين، ارتفاع حدة الإجرام، فمن حقنا أن نسأل: ما الجديد في مواقف النظام العربي الرسمي تجاه ما يحدث في فلسطين؟ وما الآليات التي بموجبها سيواجه العربدة الإسرائيلية في المنطقة؟

منذ أسبوعين من بدء العدوان، تلكأت معظم الأنظمة العربية التي تعيش في معظمها حالة غير مسبوقة من التشظي داخلياً وبينياً، عن إعلان مواقفها تجاه ما يجري بشكل صريح، واحتدم النقاش بينها حول إمكانية عقد قمة عربية طارئة وتاريخ انعقادها، والتي حتى لو انعقدت، فإنها لن تأتي إلا ببيانات الشجب والاستنكار والدعوة غير الملزمة لإسرائيل، بوقف العدوان، وامتد الأمر إلى حد انحياز مصر السيسي إلى الجانب الإسرائيلي. وذلك بتجاهلها في مبادرتها لوقف القتال من الطرف الأهم والأصيل في الصراع، وهو المقاومة الفلسطينية، والتي تتزعمها حركة حماس، فضلاً عن مساواتها بين الجلاد والضحية، حينما تحدثت عن وقف الأعمال العدوانية من الجانبين.

في الخليج العربي، يتبدى الانقسام جلياً بخصوص الموقف من العدوان على غزة، فغالبية دوله تتماهى مع مصر، في موقفها الذي يصب في مصلحة الكيان الصهيوني، في مقابل الجهود القطرية المتواصلة، وبتنسيق مع تركيا لوقف العدوان، وبأكبر قدر من شروط المقاومة، والتي يبقى أهمها التعهد بضمان عدم الاعتداء على غزة من الجانب الإسرائيلي، وإنهاء الحصار وفتح المعابر والحق في المياه الإقليمية.

أية قراءة أولية في هذه المواقف والتحركات تجعلنا على يقين من أن الدول العربية، في معظمها، رفعت يدها عن القضية، وهي المطالبة عقدياً وتاريخياً وإنسانياً بإيجاد الحل، لكنها أصبحت تستجديه من غيرها، وتحول دور بعضها إلى حد الوقوف في صف إسرائيل لحصار المقاومة الفلسطينية، وبعدما فشل هذا الحصار في تحقيق أهداف إسرائيل أعطت الضوء الأخضر لتفعل هذه الأخيرة فعلتها بأهلنا في القطاع.

هذه القراءة تجعلنا نقر بالإخفاق العربي الرسمي المروع في قيادة الصراع الرئيسي والجوهري والمحوري، هذا النظام الرسمي الذي انقلبت عنده الوقائع والمفاهيم، ولم يعد يرى في الصهيونية الخطر الأولى بالمواجهة. ولم تحرك آلية القتل والتدمير والتصفية والاضطهاد والملاحقة والتوسع في المستوطنات ساكناً لدى الأنظمة العربية، لاستنهاض الهمم السياسية، وإنما استسلمت مثل هذه القيادات لفرضية الوحدة في ما يسمى دول الاعتدال.

وبعد، هذا هو المأزق، والحالة هذه كان لابد لهذه الدول العربية أن تبحث لنفسها عن أدوار تدعم فيها الفلسطينيين، وتذر الرماد في العيون. وبذلك، تدفع عن نفسها التهمة، ولو قليلاً، فآثرت أن تجعل نفسها في موقع الجمعيات الخيرية التي لا يتعدى دورها تقديم المساعدات الطبية والغذائية والمساعدة في علاج جرحى العدوان الإسرائيلي، ثم تساهم، لاحقاً، في جهود إعادة الإعمار، وتنتظر شأن هيئات الإغاثة، حتى تسمح إسرائيل بدخول هذه المعونات عبر معبر رفح الذي يفصل غزة عن أكبر دولة عربية تغلقه من طرفها. هذه الدولة التي تروج أخباراً وشواهد عن إرسالها مساعدات غذائية فاسدة ومنتهية الصلاحية، لسكان غزة المنكوبين، فضلاً عن إصرارها على إغلاق معبر رفح، حتى في وجه المرضى وحملة الجنسية المصرية. ربما لم يخطر في أذهان القائمين على السياسة في دولنا العربية أن هذا ليس المطلوب منهم فحسب، فحتى الأعداء يعالجون الجرحى في الحروب، وحتى الأعداء يتبرعون ويسمحون بدخول قوافل الأدوية والغذاء. إنه أمر مخجل أن نجد أنفسنا بصدد مقارنة دول عربية مع الصليب الأحمر وأونروا والمنظمات الخيرية.

أزال العدوان الجاري على غزة الغشاوة المتبقية عن الدوافع الحقيقية، لإجهاض التجربة الديمقراطية في مصر، والانقلاب على الرئيس المنتخب، محمد مرسي، الذي وصف العدوان على غزة في 2012 بالمهزلة، وطالب إسرائيل أن توقفه فوراً، وصرح أن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، واستلهم في خطابه من القاموس الإسلامي الجهادي قائلاً "نفوسنا تتوق إلى المسجد الأقصى.. لن تستطيعوا إيقاف غضبتنا".

avata
avata
عبد العالي الذهبي (المغرب)
عبد العالي الذهبي (المغرب)