يبدي سكان محليون ومراقبون في كبرى محافظات العراق، الأنبار، الواقعة في غرب البلاد، خشيتهم من مرحلة ما بعد انتهاء صفحة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، واستعادة السيطرة على المدن؛ إذ إنّ تلويح العشائر بالقوة لبعضها البعض يجعل من مسألة إعمار المحافظة المدمرة خطوة مؤجلة قد تطول لطغيان لغة الانتقام والثأر بين العشائر بسبب تورط أفراد من هذه العشيرة أو تلك مع تنظيم "داعش"، الذي استهدف عشائر بعينها في المحافظة.
اقرأ أيضاً: "داعش" يهاجم غربي الأنبار.. والعشائر العراقية تطالب بتدخل أميركي
وتمكّنت القوات العراقية مدعومة بقوات عشائرية تمثل 12 عشيرة بارزة في الأنبار من استعادة السيطرة على عاصمة المحافظة مدينة الرمادي (التي تبعد نحو 110 كيلومترات غرب العاصمة بغداد)، بعد قتال استمر نحو شهر، وبدعم جوي أميركي عالي المستوى.
وبعد التحرير، ظهرت قوائم تضم أسماء العشرات من أبناء العشائر المتهمين بالعمل لصالح تنظيم "داعش"، أصدرتها عشائر أخرى، قالت إنها ستقتص منهم، وفق النظام.
وبحسب أحد المناشير الذي أصدرته عشيرة بارزة في الأنبار، فإن القصاص لم يبدأ بعد من الذين ساعدوا "داعش" أو تعاملوا معه، وهو ما يثير مخاوف عودة الاحتراب العشائري الذي وقع عقب طرد تنظيم "القاعدة" من الأنبار عام 2006 من قبل العشائر، وبدعم أميركي، في إطار ما سُمي حينها بقوات الصحوة العشائرية.
وقال زعيم عشيرة البو ذياب في الأنبار الشيخ حميد الشوكة، لـ"العربي الجديد" إن "جميع الويلات والنكبات التي أصابت محافظة الأنبار هي بسبب "داعش"، الذي ما كان ليتمكّن من السيطرة على الأنبار لولا خونة ومندسين من السكان، واعتماده على الخلايا النائمة التي زرعها في غالبية أقضية ونواحي الأنبار، والتي بدورها سهلت عملية ولوج التنظيم وظهوره من جديد.
وأضاف الشوكة أن "هناك تحركات من قبل شخصيات دينية وسياسية وعشائرية، كثفت اللقاءات والمؤتمرات لدراسة وضع المحافظة ما بعد "داعش"، ولاسيما أن مجتمع الأنبار عشائري، وستكون هناك عمليات ثأر بين أهلها بسبب التنظيم والمنتمين إليه من تلك العشائر".
وأكد أنّ زعماء العشائر عازمون على تخطي الأزمة؛ إذ إن هناك مؤتمرا سيقيمه رئيس ديوان الوقف السني عبد اللطيف الهميم، وسيتم خلاله وضع ضوابط وميثاق شرف بين العشائر، لا يمكن للموقع عليه أن يتخطى ذلك الميثاق، بغية حقن الدماء وضمان عودة آمنة لأهالي الأنبار النازحين ومسك الأرض بعد تحرير المحافظة.
غير أنّ رئيس مجلس إنقاذ الأنبار حميد الهايس، وهو مجلس عشائري يحارب "داعش"، رفض اقتراحات الشوكة، مبيناً أن "المتورطين يجب أن تتم محاسبتهم بنفس الطريقة التي تورطوا فيها بقتل أبناء العشائر". وأضاف: "لدينا أسماء غالبية المتورطين، ولا أظن أنهم سيفلتون منا"، واصفاً "مسألة الثأر بأنها عدالة للضحية".
من جهته، ذكر عضو مجلس محافظة الأنبار عذال الفهداوي، أن هناك اجتماعات لشيوخ العشائر، لكنهم قرروا خلالها استبعاد جميع الزعماء والشخصيات التي تلطخت أيديهم بدماء أهالي المحافظة بمساندتهم لتنظيم "داعش". وأضاف أن اجتماعاً مرتقباً يجمع الشخصيات السياسية والعشائرية يتم خلاله توقيع ميثاق شرف بين العشائر وتخصيص مقاتلين من أبناء العشائر مهمتهم مسك الأرض بعد التحرير.
وأكد الفهداوي أنّ عدد المقاتلين الموجودين الآن بلغ أكثر من 10 آلاف مقاتل، أغلبيتهم موجودون حالياً في ساحات المعارك، يساندون القوات الأمنية في تصدّيهم لتنظيم "داعش"، مضيفاً أن النصر مهم، ولكن الأهم المحافظة عليه، لأن الأنبار، لا تتحمل انتكاسة ثانية، لذا يجب التقصي والبحث عن الخلايا النائمة للتنظيم والقضاء عليها. ورأى أن السعي لعقد اتفاق لجعل القضاء، الفيصل الوحيد كفيل بتجنب هذا الكابوس.
وفي الإطار، قال رئيس مجلس المحافظة صباح الكرحوت لـ"العربي الجديد"، إنه "سيتم القصاص من أعضاء (داعش) العراقيين الذين يتم اعتقالهم بالقانون؛ لكن أن يكون القصاص عشوائياً وعشائريا بناء على الشبهة، فهذا يعني دخولنا بحرب جديدة طابعها عشائري". وبيّن أن غالبية العشائر يجب أن تتفهم ذلك.
ورأى مراقبون أن بعض العشائر عازمة على الثأر، ويخشون من أن يكون الثأر وفق النظام القديم، القائم على قتل أحد أفراد العائلة، إن لم يتمكّنوا من الوصول إلى القاتل، داعين إلى تدخل السلطة الدينية والقضائية والأمنية في هذه المرحلة.
اقرأ أيضاً: خطة حكومية عراقية لتدارك الموقف في الرمادي