تتعدد الأسباب أو الدوافع التي تجبر الأمهات على النزول من البيت إلى العمل وترك أطفالهن لمربية أو في حضانة، ولكن تبقى معاناتهن واحدة تتمثل في الإحساس بالذنب والإخفاق في تلبية حاجات أطفالهن. ولذلك تضطر الأم العاملة إلى مضاعفة جهودها لتعويض أطفالها عن حرمانهم من وجودها، وهذا ما يجعل الأم في إنشغال دائم.
ولقلّة مساعدة الأب أو عدمها في بعض الأحيان، تظلّ الواجبات المنزلية من مسؤوليات المرأة، وتقع على كاهلها مسؤولية كبيرة قد تجعلها، ولكثرة انشغالاتها، تلغي من قاموس حياتها اهتماماتها الشخصية.
وبيّنت مؤخراً دراسات بريطانية أن الأم قد تجني أكثر من ثلاثين ألف جنيه استرليني في العام، إذا تقاضت أجراً عن المهام المنزلية والعائلية التي تقوم بها. واستندت هذه الدراسات إلى الحد الأدنى للأجور في بريطانيا وهو 6.31 جنيهاً إسترلينياً في الساعة.
ويبلغ متوسط ساعات العمل عند الأم البريطانية حوالى 88 ساعة في الأسبوع، بما فيه 27 ساعة في العمل الخارجي المدفوع الأجر، في حين تأخذ عطلة ثلاثة أيام ونصف سنوياً من الواجبات العائلية.
مهام متعددة
كما أجرت شركة النشر "برغون" استفتاء بين الأمهات سألت فيه ألفَي أم، عن مهامهن المنزلية كطاهية، ومنظفة، ومربية وغيرها من المهام، وتبيّن أن الكسب السنوي لهذه المهام قد يصل إلى 31.216 جنيه إسترليني. وهذا المجموع يشمل راتباً أسبوعياً يصل إلى 111 جنيهاً إسترلينياً كمربية، 16 جنيهاً إسترلينياً كمنظفة، و28 جنيهاً إسترلينياً كسائقة.
وتؤكد سيدة عربية تقيم في لندن، ولم تفصح عن اسمها، أن مصاعب الحياة وغلاء المعيشة، تحتم عليها الخروج إلى العمل. وتقول إن "العيش في بلد غير بلدك يصعب على المرأة الخروج إلى العمل، ويزيد هذا من مسؤولياتها اتجاه الأسرة. ففي بلدي الأصلي حيث عائلتي أستطيع الاعتماد على والدتي أو أختي في مساعدتي بالأطفال بدل تسجيلهم في الحضانة أو البحث عن مربية".
والمشكلة التي تطرحها هذه السيدة توضح معاناة الأم العاملة بخصوص رعاية الأطفال خلال فترة عملها، خصوصاً أن بريطانيا تشهد غلاء شديداً في تكلفة رعاية الأطفال.
ففي تقرير لـ"إدارة الأسرة ورعاية الطفل" في بريطانيا تبيّن أن الأسر البريطانية قد تنفق في رعاية طفل واحد في الحضانة أو النوادي المخصصة بعد دوام المدارس ما يعادل 7.549 جنيهاً إسترلينياً في السنة.
وتقدّم الدولة في بريطانيا مساعدات عدة إلى الأسر محدودة الدخل التي يمكن للمرأة العاملة الاستفادة منها لتقليل ساعات عملها خارج البيت.
وتشمل هذه المساعادات مبالغ شهرية مثل "إعانة الطفل" التي تقدّم كل شهر لأولياء الأمور شرط أن يكون دخل الأسرة لا يتعدى 50 ألف جنيه إسترليني. وهناك "الإئتمان الضريبي للعمل"وهو عبارة عن إعفاءات ضريبية مدفوعة من الحكومة إذا كان الشخص مسؤولاً عن طفل واحد على الأقل، وأجره السنوي منخفضاً، وإذا كان يدفع لرعاية طفل أو أكثر يمكن أن يحصل على إعفاءات ضريبية للمساعدة في تكاليف الرعاية.
وكذلك هناك "مكافأة الإنجاب" وهي دفعة مقدمة للأم من الدولة قيمتها 500 جنيه إسترليني للمساعدة في تكاليف إنجاب الطفل الأول، وهذا بالإضافة إلى "إجازة الإنجاب" وهي عبارة عن 52 أسبوع إجازة مدفوعة الأجر من الطرف المشغِل للمرأة الحامل، بحيث تحصل على أسبوعين أو أربعة أسابيع قبل الولادة والباقي بعدها.
وتوضح مختصة نفسية أن "نفسية الأم تؤثر بشكل كبيرعلى أطفالها، فعدم الرضا أو الشعور بالذنب من قبل الأم العاملة، يولد ارتباكاً لديها مما ينعكس سلباً على أطفالها"، موصية الأمهات أن "يتركن مشاكل العمل لحظة الخروج من مكان العمل وأن يركزن على أطفالهن بعد ذلك". كما أكدت أنه "ليس مهماً كمية الوقت الذي تقضيه الأم مع أبنائها بقدر أهمية نوعيته".