الأموال والمونديال والأولمبياد في البرازيل.. من المستفيد؟

07 أكتوبر 2017
+ الخط -

كُتب هذا المقال في 25 مايو/ أيار 2012، أيّ قبل تنظيم كأس العالم بسنتين والألعاب الأولمبية بأربع سنوات.

البرازيل بلد ناجح وتخدمه الظروف، لا أحد يستطيع إنكار ذلك. لقد أصبحت عضوًا في نادي القوى العظمى الذي يتعذّر دخوله، ويحتل اقتصادها المرتبة السادسة عالميًا، كما أنها زعيمة أميركا اللاتينية بلا منازع؛ وكما لو أنها تريد الحصول على كل شيء، فإنها ستنظّم إحدى أكبر الأحداث الرياضية في العالم، الأمر الذي لا يتوافر سوى لقلة من الدول المُختارة بعناية. ستنظّم البرازيل كأس العالم لكرة القدم 2014، والألعاب الأولمبية 2016 في ريو.

في مُقابل هذه الهبة التجارية، وعدت البرازيل بأنها ستسرّع من وتيرة تحقيق الطفرة. ولكن ما هو ثمن ذلك؟ 11 مليار يورو لإنشاءات كأس العالم، و14 مليار يورو لإنشاءات الألعاب الأولمبية، وخلق 330 ألف وظيفة ثابتة و380 ألف وظيفة مؤقتة، إلى جانب تدفق من السياح يصل إلى 3 ملايين. والكل يريد بالطبع جانبه من الكعكة.

"سيملأون جيوبهم بأموال كثيرة، من دون أدنى إحساس بالذنب أو تأنيب للضمير"، يتنبأ "روماريو دا سوزا فاريا Romario Da Souza Faria" - نجم منتخب البرازيل السابق والنائب الاشتراكي اليوم - في إشارةٍ منه إلى الصفقات العامة التي تتم في ظل كأس العالم لكرة القدم، ثم يضيف "توجّهتُ لزيارة الـ 12 مدينة التي سيُقام فيها كأس العالم، وفوجئت بأن بناء بعض الملاعب مُعطّل بالفعل حتى يمكن فيما بعد تصنيفها في فئة "الإنشاءات الطارئة"، وبالتالي تفلت من متطلبات وشروط المناقصات والعطاءات. لا أريدُ أن أتخيّل كم سيكلّفنا كل ذلك"، يؤكد روماريو.

يخشى الجميع عودة ظاهرة "الأفيال البيضاء" [إنشاءات ومشاريع ضخمة يتضح مع مرور الوقت أنها تشكّل أعباءً مالية وأنها كانت بلا جدوى]، أيّ تلك الإنشاءات العملاقة التي أُنشِئَت بمناسبة دورة الألعاب الأميركية 2007 في ريو دي جانيرو، والتي بمجرّد انتهاء البطولة أصبحت بلا جدوى، مُهمَلة.

إن روماريو والبرازيل عامةً محقّان في القلق الذي يشعران به، فالإعفاءات التي تمنحها برازيليا إلى المقاولين وأصحاب الشركات إنما تمهّد الطريق أمام الفساد العام. الفساد، كلمة تُغضب حكومة الرئيسة "ديلما روسيف Dilma Rousseff".

إن الـ 14 وزيرًا الذي دُعوا إلى مغادرة مناصبهم بسبب الفساد، قد قدّموا استقالتهم عقب أمور وأحداث مرتبطة مباشرةً بعقود ضخمة تتعلّق بالمونديال، مثل ماريو نيغرومونتي، الوزير الأسبق للمدن ومسؤول مشاريع الربط بين المواقع المشيّدة لكأس العالم (استقال في فبراير/ شباط)، وَبيدرو نوفايس، وزير السياحة والمتُهم بمحاباة بعض الشركات في برنامج إعداد عاملي الخدمات لكأس العالم (استقال في سبتمبر/ أيلول)، وَأورلاندو سيلفا، وزير الرياضة الأسبق (استقال في أكتوبر/ تشرين الأول 2011)، بل وحتى ريكاردو تكسيرا الذي رأس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم لمدة 23 عامًا (استقال في مارس/ آذار 2012)، على خلفية اتهامه بالاختلاس.

في ملف "الأحداث الكبرى وانتهاكات حقوق الإنسان في البرازيل"، قامت لجان المواطنين لكأس العالم (جمعيات للناشطين الحاضرين في مواقع البطولة) بتوجيه نقد عنيف إلى مثل هذا النموذج الذي يُتيح "للشركات الوطنية والدولية إخضاع البرازيل بلدًا وشعبًا لنزواتها أو بالأحرى لمصالحها".

إن مشروع قانون تنظيم كأس العالم 2014 – الذي أقرّه مجلس الشعب البرازيلي 9 مايو/ أيار وينتظر توقيع الرئيسة - الذي فرضته الفيفا بوصفه إطارًا اقتصاديًا وقانونيًا على البرازيل، يُعارض في حقيقة الأمر التشريعات البرازيلية. لنعطِ بعض الأمثلة: بيع المشروبات الكحولية في الملاعب (ممنوع في البرازيل)؛ ومنع تمتع الطلبة، وذوي الإعاقة، ومحدودي الدخل، والمتقاعدين، بالأسعار المخصوصة؛ وتعليق العمل بـ "قانون بيليه"، والذي بموجبه تذهب 5% من حقوق البث التلفزيوني إلى الجمعيات الرياضيّة.

في وقت المساومات هذا، يجب أن تخضع البرازيل لسلسلة من المساومات والتنازلات نظير هذا الألق العالمي. كان باراك أوباما واضحًا: "لا تريد أميركا المشاركة في الألعاب الأوليمبية على مقاعد البدلاء، نودُ أن نضمن أن شركاتنا ستلعب دورًا فعّالًا في ذلك. فالبرازيل في حاجة إلى تشييد طرق وجسور وملاعب جديدة، وشركاتنا مستعدة لمساعدتها في مواجهة هذا التحدي".

"عندما تسود المصالح التجارية على الصالح العام، فلن تكون هناك حدود لخصخصة المجال العام"، يقول بنبرة أسف كارلوس فاينر، بروفيسور في جامعة ريو دو جانيرو، في مقاله "ريو 2016: تمّت الألعاب (الأولمبية؟)". يرى هذا الأكاديمي أن أفضل مصطلح يعبّر عن برازيل اليوم هو "المدينة-الفاترينة": فعملية التمدين التي جرت في الثمانينيات كانت تتصور المدينة بوصفها فضاءً تجاريًا يجب استغلاله، "حيث يجب حجب وإخفاء كل شيء لا يستحق مكانه في الفاترينة، مثل الفقر والبؤس".

في البرازيل، تضرّ الفافيلا (الأحياء العشوائية) بصورة البلد. ومثلما طُردت 35 ألف عائلة في مدينة نيو دلهي في عام 2010 أثناء أعمال البناء الخاصّة بدورة ألعاب الكومونولث، فقد يلقى 170 ألف برازيلي المصير نفسه جرّاء تشييد بنى تحتية جديدة في مواقع المونديال.

علينا ألا ننسى الأرباح الجانبية التي تحقّقت بفضل الظهور المفاجئ للشرطة العسكرية في فافيلات ريو. "إن وحدات شرطة إحلال الأمن، التي تتواءم مع استراتيجيات طرد عصابات المخدرات، تأتي في لُبّ سياسة الأمن، ولكنها لا تملك الإجابة عن كل الأسئلة. نُشرت هذه الوحدات في 67 من الـ 1000 فافيلا في ريو، نُشرت في مناطق تحظى باستثمارات المقاولين أو في مناطق مجاورة لها. ولكننا لا نجد وحدات من هذا النوع في المناطق التي تتحكم بها الجماعات شبه العسكرية"، يؤكّد كلاوديو سوزا آلفيس، عالم الاجتماع وعميد جامعة ريو الريفية.

إن الأمن مجرّد حجة لجمع وتحقيق أرباح ضخمة في الأحياء القريبة للإنشاءات حيث الخوف من رصاصة طائشة واحدة بإمكانه توقيف الاستثمارات. وفقًا لـ خوسيه كوندي كالداس، رئيس جمعية مديرين الشركات لسوق العقارات بمدينة ريو، فإن الممتلكات في ساو كونرادو (جنوب ريو دي جانيرو) قد تتضاعف قيمتها بفضل وجود الشرطة في روسينا (أكبر فافيلا في البرازيل)؛ أمّا في تيجوكا (شمال ريو) فإن قيمة هذه الممتلكات ستنخفض إلى نحو 70%.

علاوة على ذلك، فإن عمليات الحفاظ على النظام هذه قد أتاحت لصناعة السياحة استغلال هذه الأماكن المؤمّنة أيّما استغلال. فقد برزت، من قلب هذه الفافيلات، أماكن سكن وإقامة فندقية مريحة للغاية، دون التطرّق إلى الرحلات التي تُنظّم إلى "متاهات" الأزقة والشوارع الخلفية الصغيرة.

متى يا ترى سنشهد الوقت الذي تنظّم فيه سلاسل الشركات الدولية الكبرى "رحلات" إلى قلب المباني الفقيرة المُعدمة؟ لشدّة رغبتها في استرضاء الشركات متعددة الجنسيات، انتهى المطاف بالبرازيل بأن أصبحت أحد أفرعها، ولكن بلا روح.

المساهمون