والشهر الماضي عثر الأهالي على جثتين لأبناء المحافظة، قُتلا على يد مجهولين، فيما وثّق الناشطون حالات قتل متعمّد، لا تزال مجهولة الفاعل، إضافة إلى ست حالات خطف، والعديد من حالات السرقة والنهب، خلال الشهر الحالي. وأشار ناشطون إلى أن "قوات النظام عمدت إلى إزالة الحواجز داخل محافظة السويداء ليس لتسهيل حركة المرور والحياة العامة، بل لتسهيل حالات القتل والخطف ونشر الجريمة، في محاولة للضغط على الأهالي لمطالبة النظام بإعادة الانضباط الأمني، أي إطلاق يد النظام في المحافظة مجدداً بعد القيود التي حاول الأهالي وضعها على حركة أجهزة النظام الأمنية، التي كانت تهتم فقط بملاحقة المطلوبين للنظام والمتخلفين عن الخدمة العسكرية".
وكان النظام اعتمد على العاطلين عن العمل والمهمّشين لقمع الاحتجاجات في المحافظة. كما أطلق سراح المجرمين، مشكّلة مجموعات منفلتة تعتمد على الدعم والحماية من النظام لخدماتها في قمع المعارضين، ومعظمها يعمل لمصلحة أحد فروع الأمن، خصوصاً فرعي "الأمن الجوّيّ" و"الأمن العسكريّ". ومع دخول إيران إلى مركز القرار والتحكّم في سورية، تأسّست مليشيا "الدفاع الوطني" وغيرها، لتبدأ أعمال التهريب والخطف والنهب والابتزاز، ومحاصصة الفروع الأمنيّة على غنائمها. لكن البعض من تلك المليشيات بدأت تعمل لحسابها مع تنسيق محدود مع أجهزة النظام وحواجزه، ويجد النظام صعوبة في السيطرة على تلك العصابات، لكنه يحاول استثمار الفوضى الناجمة عن أعمال تلك العصابات عبر إطلاق يد "الدولة" في المحافظة، مع ما يترتب على ذلك بالتحاق المتخلفين عن الخدمة العسكرية بجيش النظام وأجهزته الأمنية، والمقدر عددهم بنحو 30 ألف شاب.
ومن الحوادث التي أثارت استياءً واسعاً في محافظة السويداء، حادثة قتل الفتاة ديانا أبو حسون، وهي طالبة مدرسة ثانوية قتلها والدها، برصاصة في الرأس نتيجة تغيبها ساعتين عن المدرسة من دون علمه، وذلك بسبب استسهال القتل وانتشار السلاح بين الأهالي. ما أشاع جواً من الخوف في عموم المحافظة، وامتنع الكثير من الناس عن التجول ليلاً، مع التركيز على إبقاء أولادهم في المنازل.
كما عثر أهالي السويداء على جثة منصور جميل الربيدان، وهو من عشائر بدو السويداء، مرمية في ساحة دوار المشنقة، بعد قتله بطلق ناري في رأسه. وأرفقت الجثة بورقة كُتب عليها اسمه، وتهمة منسوبة له باشتراكه في هجوم تنظيم "داعش" على السويداء في 25 يوليو/تموز. وقبل ساعة واحدة، وجد الأهالي أيضاً طفلة لا يتجاوز عمرها 6 أشهر، وحيدة في ساحة الفرسان، تبين لاحقاً أنها ابنة القتيل الربيدان، التي اختطفت معه ومع زوجته مطلع أغسطس/آب الماضي، بالقرب من بلدة المشنف شرقي السويداء. وتبنت عملية الخطف حينها مليشيا مجهولة تطلق على نفسها اسم "الغيارى" ادعت حينها أن زوجة الربيدان هي شقيقة عيد عفيس، الذي اتهمته المليشيا بأنه "الداعشي" الذي قطع رأس الشاب مهند أبو عمار، من مخطوفي المحافظة لدى "داعش". وأكدت مصادر محلية أن "الربيدان، هو راعٍ لمواشي أهالي بلدة المشنف، وقد التزم بيته المعروف لدى أهالي البلدة يوم الهجوم، واستبعد معظم الأهالي أن تكون له علاقة مع داعش".
وتعرض العديد من أبناء العشائر لعمليات قتل في السويداء بحجة أن لهم صلة مع تنظيم "داعش" مثل قطع رأس شخص من عشيرة النادر ورميه في باحة مسجد المقوس، مرفقاً بعبارة "هذا مصير كل بدوي في السويداء"، بعد عجز عائلته عن دفع فدية بـ8 ملايين ليرة سورية (15.4 ألف دولار)، علماً أن المجموعة التي خطفت النادر وأعدمته تتبع للمخابرات الجوية". وقد دانت "الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني في السويداء" هذه الجرائم وأكدت أنها تهدف لتقويض العلاقات الأهلية والتاريخية بين سكان الجبل بكل مكوناته.
وقالت مصادر أهلية من السويداء، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "حالة الفلتان الأمني في السويداء بدأت فعلياً مع بداية الحراك عام 2011، مستندة على عقود سبقته من الفساد والمحسوبيات، إذ بدأت الأفرع الأمنية مع بداية الحراك بتجنيد أصحاب السوابق الجرمية وحثالة المجتمع، لقمع التظاهرات التي غلب على المشاركين بها المتعلمون والمثقفون السلميون المدنيون. وأصبح لكل جهة أمنية أو حزبية مجموعة تابعة لها، سرعان ما بدأ تسليحها بحجة وجود خطر من مجموعات مسلحة بحسب تسميتهم في محيط السويداء، إن كان في درعا أو البادية الشرقية أو بريف دمشق".
من جهته، اعتبر الناشط المدني سامر ف. في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "أصبح لدينا مجموعات تكنى بأسماء متزعميها كعصابة ابن الطويل وابن الخطيب في منطقة شهبا، وابن أبو سرحان في الريف الغربي، وأبو حمرة في السويداء، وأبو عاصي في الريف الشرقي وغيرهم كثر. كل مجموعة تدعي أنها مدعومة من جهة أمنية ما، فيمتلكون بطاقات أمنية، ومنهم من تم توقيفه، إلا أنه ما أن تمر أيام قليلة إلا ويتم إطلاق سراحهم وكأن شيئاً لم يكن، ويتم عقبها استئناف نشاطهم كما كان أو أكبر".
وأضاف "من أبرز الأعمال التي امتهنتها تلك الجماعات، هي الخطف بقصد الفدية، وكانت تتعامل مع العصابات في محافظة درعا، إذ يتم نقل المخطوفين لدرعا، حالهم حال السيارات والدراجات النارية، التي بدأ بعضها يعود، بعد أن سيطرت القوات النظامية على درعا والقنيطرة، وبدأت تدقق على ملكية السيارات والآليات، ما يدفع مقتنيها إلى محاولة إعادتها مقابل مبالغ مالية متفاوتة".
وأعرب عن اعتقاده بأن "ما رسخ الفلتان الأمني، هو انتشار السلاح العشوائي، فقد شرعن توزيع السلاح من النظام على المرتزقة، وتعددت الفصائل والتسميات وتنقلت المرتزقة بينها وبين مجموعات مسلحة تمارس العمليات الإجرامية، وانتشرت تجارة السلاح. وكان ذلك بالتوازي مع تراجع دور الدولة بشكل عام، خصوصاً المسؤولة عن حفظ أمن المواطنين وتنفيذ الأحكام القضائية حتى الخاصة بالحقوق المدنية، فتحول السلاح إلى حاجة لكل شخص مع زيادة الإحساس بفقدان الأمن، فتجد الشاب يحمل قنبلة يدوية أو مسدساً، وحتى الأطفال تجد بحوزتهم سكيناً أو سلاحاً أبيض آخر".
وأوضح أن "الشرطة والأمن، رفعا يدهما بشكل شبه مطلق عن حفظ أمن الناس، الذي ما زال مطلوباً منهم بما أنهم ما زالوا متواجدين، فلا تقوم الشرطة على سبيل المثال بإلقاء القبض على المطلوبين جنائياً أو حتى المحكومين من قبل القضاء، بحجة أنها تتجنب الصدام ولا تريد سفك الدماء، في وقتٍ يعلم (الأمن والشرطة) أن رؤوس الجريمة هم مرتبطون بأجهزة النظام بشكل أو بآخر. ما دفع عائلات إلى أداء دور الشرطة بهدف تحصيل حقوقها، ومنهم من قام بتسليم المجرمين للقضاء ومنهم من اقتص من المجرمين بيده".
وكشف الناشط أن "رسائل عدة وصلت من قبل النظام، بما معناه أنه على استعداد أن يعيد ضبط أمن المحافظة، بمقابل تفويض مشايخ العقل وعائلات السويداء، بإطلاق يده لاعتقال كل من بحقه نشرة شرطية. الأمر الذي أثار مخاوف المجتمع، خصوصاً أن هناك عشرات آلاف الشباب المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، كما يوجد مئات الناشطين والمعارضين، في حين أن أعداد المجرمين بضع عشرات".
بدوره، قال الناشط السياسي نبيل أبو معروف، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "مع تردي الأوضاع الأمنية في السويداء بسبب غياب بعض مؤسسات الدولة عن القيام بدورها، وأعتقد بأن ذلك ليس بالصدفة بل هو قرار مدروس. ما دفع المجتمع لخلق حلول بديلة، فتسلحت العائلات، وظهرت حركة رجال الكرامة، التي أخذت على عاتقها تحصيل حقوق من يقصدها، وحماية الشباب الرافض للخدمة العسكرية وقد فرضت وجودها على ساحة المحافظة وألزمت النظام بكثير من القضايا أهمها، وقف الاعتقالات منذ عام 2014، وعدم إجبار الشباب على الالتحاق بالقوات النظامية".
وأضاف أنه "كما أدت دار الطائفة وهي مؤسسة مشيخة العقل لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، دوراً كبيراً في السويداء، خصوصاً أن رعاياها يشكلون غالبية سكان السويداء، فتدخلت في كثير من الأزمات الاجتماعية. كما حُلّت عشرات القضايا العالقة بين سكان المحافظة، بعيداً عن القضاء، الذي يعاني من الروتين ما يجعل أي دعوى قد تستغرق سنوات ليتم الحكم بها، في وقت لا يوجد من يطبق تلك الأحكام، كما قدمت وإلى اليوم المساعدات المختلفة إلى عشرات الآلاف من سكان المحافظة".
ولفت إلى أن "السويداء اليوم تشهد أشد أيامها صعوبة، فما زال خطر تنظيم داعش يلوح في ريفها الشرقي، وهناك تأزم في العلاقة بين الدروز والبدو، الذين يُتهم جزءٌ منهم بالتعاون مع داعش، إضافة إلى ملف الخدمة العسكرية، مع امتناع عشرات الآلاف عن الخدمة، في حين يضغط النظام ويهدد بأن العفو الأخير الذي أصدره الأسد، هو آخر فرصة للشباب للالتحاق بالقوات النظامية. الأمر الذي يهدد بحدوث صدام بين النظام والأهالي في حال قرر النظام سوق الشباب بالقوة للخدمة العسكرية".