الأمان الاجتماعي... برنامج ينهي معاناة فقراء تونس؟

20 ابريل 2018
فقر في شوارع تونس (جيانلويجي غويرتشا/ فرانس برس)
+ الخط -

التونسيون موعودون بالأمان الاجتماعي الذي تفتقر إليه شريحة كبيرة منهم. هل تتحقق آمالهم من خلال مشروع القانون المطروح، أم أنّ الأمر مجرّد كلام يهدف إلى التهدئة الآنيّة ليس إلا؟

تطرح الحكومة التونسية برنامج "الأمان الاجتماعي" لمعالجة أزمة أكثر من مليون ونصف مليون فقير ومن نصف مليون عاطل من العمل، عبر قانون وإجراءات تستهدف طبقة اجتماعية يائسة أنهكها طول الانتظار. ويأمل رئيس حكومة الوحدة الوطنية يوسف الشاهد أن يمتصّ غضب معارضيه عبر التخفيف من غليان الطبقات الهشة والفقيرة التي لم تعد قادرة على تأمين أبسط مقومّات العيش كالغذاء والصحة والسكن، نظراً إلى الارتفاع المتزايد لتكاليف الحياة في البلاد.

تفيد بيانات المعهد الوطني للإحصاء في تونس بأنّ عدد الفقراء يبلغ مليوناً و694 ألف تونسي تحت خط الفقر. وقد حُدّد خطّ الفقر في تونس بـ 1085 ديناراً (نحو 450 دولاراً أميركياً) سنوياً، أي أنّ أكثر من مليون ونصف مليون تونسي لا ينفقون دولاراً واحداً ونصف الدولار في اليوم. كذلك، أحصت السلطات التونسية أكثر من 600 ألف تونسي عاطل من العمل، من بينهم أكثر من 250 ألفاً يحملون شهادات جامعية.

يزداد احتقان التونسيين وغضبهم مع تزايد عدد الفقراء والعاطلين من العمل، في حين يتواصل الارتفاع الصاروخي للأسعار في ظل واقع اجتماعي واقتصادي متأزم. ويعيد الأستاذ المحاضر في علم الاجتماع، محمد الجويلي، "انتشار ظواهر اجتماعية عدّة إلى الواقعَين الاجتماعي والاقتصادي المترديَين"، مشيراً إلى أنّ "الانتحار وهي ظاهرة اجتماعيّة تكررت أخيراً في أوساط الشباب التونسي تعود إلى ما يعانونه من فقر وبطالة وتهميش في حين يبقى المستقبل مجهولاً". ويتحدّث لـ"العربي الجديد" عن "انتشار التسوّل والتشرّد والهجرة غير الشرعية والعنف والفساد، وهي كلها ظواهر اجتماعية مرتبطة بتردّي الواقع الاجتماعي".

تحرّك احتجاجي في يناير/ كانون الثاني 2018 (ياسين القايدي/ الأناضول) 

وتبيّن خارطة الاحتجاجات الشعبية تركّز الفقر وتفاقمه في الجهات الداخلية المعدومة بين الوسط الغربي والجنوب، حيث يسيطر الإحباط بين الشباب والأهالي الذين انتظروا طويلاً رياح التغيير بعد ثورة الحرية والكرامة التي قامت ضد الفقر والجوع والتهميش والتفاوت بين الجهات.

وأتت احتجاجات يناير/ كانون الثاني الماضية بمثابة دقّ لناقوس الخطر بعد رفع الجباية والأسعار وإثقال كاهل المواطن بضرائب جديدة نصّ عليها قانون المالية والميزانية السابقة. والاحتجاجات العنيفة التي سجّلت في جهات عدّة في البلاد، عكست غضب التونسيين من القيادة الحالية ومن الحكومات المتعاقبة التي عجزت عن تضميد جراح الشعب المنهك بعد سنوات من الاستبداد.

في المقابل، كانت حكومة الشاهد قد قدّمت في أواخر العام المنصرم مشروع قانون "الأمان الاجتماعي" المتضمّن إجراءات جديدة لفائدة العائلات الفقيرة والمهمشة، وقد أقرّ البرلمان التونسي تمرير هذا القانون إلى الجلسة العامة للمصادقة عليه، بعدما ناقشته لجنة الشؤون الاجتماعية ووافقت على بنوده التي تنظّم برامج المساعدات الاجتماعية لفائدة الفقراء في تونس.

في السياق، يقول رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والصحة في مجلس الشعب سهيل العلويني لـ"العربي الجديد" إنّ "مشروع قانون الأمان الاجتماعي يؤسس لمنظومة تأمين اجتماعي أكثر رقابة وتنظيماً، عبر توجيه المساعدات نحو مستحقيها وفق قاعدة بيانات مضبوطة يُصار إلى تحديثها بطريقة دورية ودقيقة بعيداً عن المحاباة وكذلك المحسوبية التي تسجّل في توزيع المساعدات على القرى والأرياف في عدد من المحافظات. ثمّة مسؤولون يستغلّون سلطتهم لتوزيع المساعدات والمعونات بحسب أهوائهم أو مصالحهم أو حساباتهم السياسية".

يضيف العلويني أنّه "جرى إقرار رفع حجم الإعانات المخصصة للعائلات الفقيرة، إلى جانب تخصيص منحة خاصة للعاطلين من العمل. ومشروع القانون ينصّ على تأليف هيئة عليا للأمان الاجتماعي تجمع مختلف الوزارات المعنية، من قبيل وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين ووزارة التشغيل والتكوين المهني. ووزارة الشؤون الاجتماعية سوف تسهر على ضبط قاعدة بيانات المنتفعين من المساعدات الاجتماعية وتنظيمها، بعد دراسة الحالات. كذلك سوف تؤمّن مراقبة وتحديثاً للقائمة ومسالك توزيع المساعدات". ويشير العلويني إلى "انطلاق وزارة الشؤون الاجتماعية بالعمل فعلياً على إعداد وضبط قائمة بيانات سوف تفضي إلى قائمة خاصة بالعائلات المنتفعة من المنحة الاجتماعية والتغطية المجانية".




ومشروع قانون "الأمان الاجتماعي" الذي أرسل إلى مجلس نواب الشعب التونسي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، تزامن مع موجة الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها البلاد في بداية عام 2018 ضد قانون المالية والموازنة التي أقرّت رفع الجباية والأسعار. وقد أعلنت الحكومة التونسية في 13 يناير/ كانون الثاني الماضي عن برنامج للأمان الاجتماعي يتضمن حزمة من الإجراءات الاجتماعية لفائدة العائلات الفقيرة والفئات الضعيفة، أشارت إلى أنّها سوف تُضمَّن في قانون ينظمها.

وأقرّ مجلس وزاري مصغر حينها، ترأسه الشاهد، مجموعة من الإجراءات تتعلّق بتشغيل العاطلين من العمل ورفع المساعدات وتطاول منظومة الصحة والضمان الاجتماعي، وكلّ ذلك يندرج في إطار الاستراتيجية الوطنية لمقاومة الفقر وتحقيق الدماج الاجتماعي بحلول عام 2020، بحسب ما أعلنته الحكومة في بيانها.

ويهدف مشروع قانون "الأمان الاجتماعي" الذي صادقت عليه اللجنة الاجتماعية في البرلمان، بحسب ما أعلن وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي إلى تأمين التغطية الصحية المجانية في كل المستشفيات العمومية لـ 640 ألف عاطل من العمل ابتداءً من الأوّل من أبريل/ نيسان 2018، إلى جانب ضمان دخل أدنى ومستمر للعائلات المعوزة وكذلك سكن اجتماعي لائق بالإضافة إلى شمولية التغطية الاجتماعية.

والقانون بحسب ما قال الطرابلسي لـ"العربي الجديد" في حديث سابق، من شأنه أن ينظم برامج المساعدات الاجتماعية في إطار تشريعي موحّد يتجاوز الفراغ القانوني وحالة التشتت على مستوى النصوص الترتيبية المختلفة المنظمة له. كذلك فإنّه سوف يعمل على تنظيم التعاطي مع البطالة وحماية العاطلين من العمل وإعانتهم في بحثهم عن فرص عمل. ويشمل المشروع كذلك فصولاً تهتمّ بذوي الإعاقة وتتيح تشغيلهم ومراقبة تشغليهم، إلى حين إيجاد آليات جديدة لتشغيل العاطلين من العمل عن طريق وزارة التشغيل وفي إطار إصلاحات كبرى على مستوى الصناديق الاجتماعية.

لا يملكون سوى الأمل (فتحي بلعيد/ فرانس برس)


وبحسب بنود مشروع القانون، يهدف برنامج "الأمان الاجتماعي" إلى ضمان الحق في حدّ أدنى من الدخل، والحقّ في المنافع الصحية للفئات الفقيرة ومحدودة الدخل، كذلك يهدف إلى مقاومة الإقصاء والحدّ من التفاوت الاجتماعي وتعزيز تكافؤ الفرص وتكريس العدالة الاجتماعية والتضامن. وتنتفع الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل كذلك من العلاج والتداوي والإقامة في المؤسسات الصحية العمومية، ومن الأجهزة التعويضية والميسّرة للدمج ومن خدمات التأهيل. ويعزّز البرنامج آليات الدمج والتمكين الاقتصادي، مثل أولوية الانتفاع من البرامج الاجتماعية وأولوية الانتفاع من برامج التنمية الجهوية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني.

ومشروع القانون الذي يقبل البرلمان على المصادقة عليه، ينصّ على استحداث "مجلس أعلى للأمان الاجتماعي" تحت إشراف رئيس الحكومة، ومن شأنه ضبط التوجهات العامة لسياسات الدولة الاجتماعية في مجال النهوض بالفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل.

من جهته، يقول الأمين العام المساعد المسؤول عن الحماية الاجتماعية في الاتحاد العام التونسي للشغل، عبد الكريم جراد، إنّ "صياغة مشروع قانون الأمان الاجتماعي أتت بطريقة ارتجالية، ولا ينمّ عن إرادة سياسية حقيقة لإرساء الأرضية الدنيا للحماية الاجتماعية". يضيف جراد لـ"العربي الجديد" أنّ "هذا القانون لا يكرّس نظرة أفقية وشاملة تعمل على توحيد البرامج المتعددة في مجال الحماية الاجتماعية وفقاً لمبدأ الاستهداف باعتبار أنّ الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل هي نتاج للخيارات السياسية والاقتصادية"، مؤكداً "ضرورة استحداث مجلس أعلى للحماية الاجتماعية يمكّن الدولة من وضع استراتيجية استباقية تحول دون تفاقم الفقر".

ويزداد الوضع الاجتماعي تأزماً يوماً بعد يوم، بتراجع الطبقة الوسطى في تونس واقترانها بالطبقة الفقيرة وتزايد الهوّة بينها وبين الطبقة الغنية، وهو الأمر الذي أجّج الشعور بالطبقية وغياب المساواة والعدالة. ويبدو أنّ البلاد تتّجه نحو مزيد من التقهقر بسبب ضعف النموّ وارتفاع المديونية وتوقف الإنتاج في المناجم والمناطق الحيوية.




في السياق، ترى المعارضة التونسية أنّ القانون والإجراءات التي تقترحها حكومة الشاهد لا ترتقي إلى تطلعات التونسيين، خصوصاً الفئات الفقيرة. ويقول النائب عن الجبهة الشعبية، منجي الرحوي، وهو رئيس لجنة المالية والموازنة في البرلمان التونسي، إنّ "الشاهد يذرّ الرماد على العيون وهذه نصوص لتضميد الجراح التي لا تندمل". يضيف الرحوي لـ"العربي الجديد" أنّ "الوضع الاجتماعي المنفجر والواقع الاقتصادي المنكوب لا يمكن معالجتهما بحلول ترقيعية، بل يجب طرح إصلاحات حقيقية وواقعية تراعي مصلحة الفقير والمهمش والأجير وفرض إجراءات توجب العدالة الاجتماعية والتمييز الإيجابي وتقاوم الفساد والرشاوى وتفرض ضرائب على الثروة وليس العكس عبر إثقال كاهل المواطن".
دلالات