يعيد إعلان "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، أمس السبت، الانتصار على تنظيم "داعش" طرح سؤال مركزي بشأن مصير أكراد سورية خلال المرحلة المقبلة، لا سيما بعدما تقاطعت مؤشرات عدة خلال الأيام الماضية، تفيد بأن أحد العناوين الأساسية والخلافية خلال مرحلة ما بعد "داعش" يتعلق بمصير أكراد سورية، خصوصاً بعدما استغلوا تمدد "داعش" على مدى سنوات لتعزيز نفوذهم السياسي والعسكري في الشرق السوري. وبينما هدد النظام السوري صراحة بانتزاع المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد بالقوة، أعادت تركيا، أمس السبت، التأكيد على خطوطها الحمراء، تحديداً عدم السماح بوجود المسلحين الأكراد على حدودها الجنوبية، فيما لا تزال أنقرة وواشنطن، بحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، تتفاوضان على ملف المنطقة الآمنة التي تطالب تركيا بها في الشمال السوري. من جهتهم، بدا المسؤولون الأكراد مدركين لخطورة المرحلة المقبلة، خصوصاً في ما يتعلق بمصير "الإدارة الذاتية" التي أعلنوها في المناطق التي يسيطرون عليها ولم يعترف بها النظام. ودعا الأكراد، أمس، النظام السوري إلى التفاوض، لكنهم وضعوا شرطاً كان النظام قد رفضه، وهو الاعتراف بالإدارات الذاتية المنتخبة والقبول بخصوصية قواتهم. كما طالبوا تركيا بعدم التدخل في الشؤون السورية، والانسحاب من عفرين. وتشير هذه المعطيات بوضوح إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة المفاوضات الصعبة وينخرط فيها أكثر من طرف.
وفي السياق، كشفت مصادر تركية مطلعة على تفاصيل المشاورات الأميركية التركية حول سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الولايات المتحدة أبلغت تركيا بعمق "المنطقة الآمنة" التي تعتزم إنشاءها في منطقة شرق الفرات، لطمأنة أنقرة من خطر "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تشكل العمود الفقري لقوات سورية الديمقراطية "قسد". وأشارت إلى أن واشنطن وافقت على أن يتراوح عمق "المنطقة الآمنة" بين 5 و10 كيلومترات، وأن أقصى حد يمكن أن تتساهل واشنطن به هو الوصول إلى عمق 15 كيلومتراً. في المقابل، تطالب أنقرة بأعماق تصل إلى 35 كيلومتراً، وهو الأمر الذي ترفضه الإدارة الأميركية، وتصرّ الإدارة التركية على مواصلة التفاوض من أجل تشكيل هذه المنطقة. وتتطابق المعطيات التي ذكرتها المصادر المطلعة على المفاوضات مع الطلب الروسي من تركيا بأن تكون "المنطقة الآمنة" وفق اتفاق أضنة الموقع مع النظام السوري في العام 1998، والذي يمنح أنقرة إمكانية العمل العسكري حتى مسافة 5 كيلومترات داخل الأراضي السورية، لكن الدعوات الأميركية والروسية تصطدم بموقف تركي حاسم. وفي السياق، تفقد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس السبت، برفقة رئيس الأركان يشار غولر، وقائد القوات البرية أوميت دوندار، الوحدات العسكرية المنتشرة على الشريط الحدودي مع سورية، وقال: "لا يمكننا أن نقبل وجود الإرهابيين على الحدود الجنوبية لبلادنا"، مضيفاً "لا بد أن ينتهي وجود الإرهابيين في شرق الفرات، لأنهم يهددون بلادنا وأمتنا وحدودنا ويعرضونها للخطر".
وزاد إعلان "قوات سورية الديمقراطية"، أمس، السيطرة على آخر جيب لتنظيم "داعش" في الباغوز السورية والذي سيؤدي حكماً إلى تخفيض واشنطن لقواتها في سورية، من مخاوف الأكراد على "الإدارة الذاتية" التي عملوا على إرسائها في الشمال السوري. وتصاعد نفوذ الأكراد تدريجياً في سورية بعد اندلاع الثورة في العام 2011، وتمكنوا، بدعم أميركي خصوصاً، من تأسيس قوات عسكرية وأمنية، فضلاً عن مؤسسات عامة والتدريس باللغة الكردية. وأجروا انتخابات محلية في مناطق "الإدارة الذاتية".
وفي السياق، دعت "قوات سورية الديمقراطية"، أمس السبت، النظام السوري إلى الحوار، بعد أيام من تأكيد النظام عزمه على استعادة مناطق يسيطر الأكراد عليها بـ"المصالحات أو عبر القوة" العسكرية. وقال القائد العام لـ"قوات سورية الديمقراطية" مظلوم كوباني، في بيان خلال مؤتمر صحافي في حقل العمر النفطي: "ندعو الحكومة المركزية في دمشق إلى تفضيل عملية الحوار، والبدء بخطوات عملية للوصول إلى حلّ سياسي على أساس الاعتراف بالإدارات الذاتية المنتخبة في شمال وشرق سورية والقبول بخصوصية" قواته. كما دعا "تركيا إلى الكف عن التدخل في سورية، والخروج من كل الأراضي السورية، خصوصاً عفرين".
وقال الأستاذ الجامعي والخبير في الشأن السوري فابريس بالانش، لوكالة "فرانس برس"، إن الأكراد سيجدون أنفسهم عالقين بين القوات التركية وقوات النظام السوري، مرجحاً أن يصار إلى تقاسم شمال شرق البلاد بين حكومة النظام السوري والجيش التركي. ورأى الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير أوغلو، أن "الأكراد يواجهون اليوم مصيراً مجهولاً"، مشدداً على أن "الخطر الأكبر يأتي من تركيا". وأوضح أن "غالبية المدن الكردية تقع عند الحدود، مثل منبج وتل أبيض والدرباسية والقامشلي".