الأقصى وفلسطين والآخرون

04 سبتمبر 2017
+ الخط -
تتالت في الآونة الأخيرة الأحداث المرتبطة بإغلاق المسجد الأقصى، وتسارعت وبلغت مستويات أخرى، وكما في كلّ مرّة، وحدهم الفلسطينيون من يجابه غطرسة الكيان الصهيوني وجبروته، فيما الآخرون الذين كانوا في السابق يلزمون الصمت، ويلعبون دور المتفرج، أضحوا اليوم يفتعلون الأزمات ويختلقون الملفات هنا وهناك.
وقد عبّر وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، خالد العطية، في البرنامج التلفزيوني المباشر "قصارى القول" الذي بثته قناة RT الروسية يوم 24 يوليو/ تموز 2017، عن أحد وجوه هذا الافتعال والاختلاق، عندما ربط ما بين إغلاق المسجد الأقصى في وجه المقدسيين ومنع القطريين من الحج إلى بيت الله الحرام، وقال بتأثر شديد "هذا وضع فيه شيء غير طبيعي".
ليس من المهم الاستفسار في هذا الصدد عن مضمون هذا الربط وفحواه، لكن الأهم هو الاستفسار عن خلفيات منع الشعب القطري من زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولماذا تزامن هذا المنع مع إقدام الكيان الصهيوني على إغلاق المسجد الأقصى في وجه المصلين من المقدسيين وغيرهم؟ أما كان يجدر بالمملكة العربية السعودية التي ترعى الحرمين الشريفين أن تنظر فيما يجري في القدس الشريف من اعتداءات وانتهاكات تمسّ البشر والشجر والحجر، وتطاول حتى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه "من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس"؟ أما كان من الأولى لها أن تحرّك آلتها الدبلوماسية الدينية والسياسية والحقوقية في وجه همجية الكيان الصهيوني، عوض أن تمنع شعبا يجمعها معه رابطة الدين والدم والعرق والمصير المشترك، فضلا عن الجوار، من أداء مناسك الحج والعمرة؟
الناظر في التاريخ السياسي للعربية السعودية، والمتمعن في آراء ملوكها وأمرائها وخطاباتهم، ليقف مشدوهاً ومنبهراً ومفتخراً لبعض المواقف المشرقة في تاريخ المملكة، أبرزها قطع المملكة إمدادات البترول والغاز عن الولايات المتحدة، وكل الدول الداعمة والموالية للكيان الصهيوني، والجهر برفض قيام دولة لهذا الكيان، حتى أنّ الصحافة الغربية وصفت الملك فيصل: "إن القوة التي يتمتع بها الملك فيصل بن عبد العزيز تجعله يستطيع، بحركة واحدة من قبضة يده، أن يشل الصناعة الأوروبية والأميركية، وليس هذا فقط، بل يمكنه في دقائق أن يحطم التوازن النقدي الأوروبي، ويصيب الفرنك والمارك والجنيه بضرباتٍ لا قبل لها باحتمالها".
ومما جاء في هذا الخطاب الملهم قوله "في هذه اللحظة التاريخية، عندما اعتدت اليد الصهيونية الآثمة على أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم فإنني أناشد الزعماء المسلمين وشعوبهم في كل أنحاء العالم بأن يقفوا لتحرير المقدسات الإسلامية في قدسنا العزيزة، متسلحين بعقيدتنا والتي هي أقوى سلاح.. وكما تعلمون، فإن الصهيونية العالمية ماضية في عدوانها الإجرامي غير مرتدعة بأي معتقدات روحية أو دينية أو أخلاقية بل تسخر من كل قرارات الأمم المتحدة ومن كل القيم الإنسانية..".
لقد ترك هذا الخطاب وما يزال بصمة الأقصى في جبين كل مواطن عربي ومسلم، وتحولت ذكراه إلى مناسبة لدعم القضيةِ الفلسطينية ونشرها، وفضح المخططات الصهيونية ومناسبة كذلك لتجديد العزم على تحرير الأقصى من المغتصبين، كما تحولت إلى حجة وشهادة تعني الكل وتسائل الجميع، نعم هكذا وحتى عهد قريب، كان يتفاعل كل عربي وكل مسلم مع خطاب الملك فيصل التاريخي، أما الآن فـ"لأنه لا يسمح لي بدخول القدس قلت لامرأة تقطن هناك: كوني عينيّ".
5774E03D-FA23-451D-812A-98244EA1AD25
5774E03D-FA23-451D-812A-98244EA1AD25
عبد الرحمن الأشعاري (المغرب)
عبد الرحمن الأشعاري (المغرب)