استغلقت اليابان على فهم الشعوب الأخرى. لم تكن مفهومةً مثلًا ظاهرة طياري الكاميكاز الانتحاريين خلال الحرب العالمية الثانية؛ كانوا يفجّرون طائراتهم بقوّات الحلفاء، وهم يستمعون إلى الحركة الأخيرة من السمفونية التاسعة لبيتهوفن. خلال الحرب نفسها كلّفت حكومة الولايات المتحدة روث بينيديكت بإجراء دراسة أنثروبولوجية عن بعد، استنادًا إلى مقابلات مع مهاجرين يابانيين وعبر الأدب والصحف وأفلام السينما.
أتتِ المحصلة بعد انتهاء الحرب، كتابًا أمسى كلاسيكيًا في مقاربة الثقافة والمجتمع اليابانيين؛ "الأقحوان والسيف". كتب هنري ميلر تأمّلات حول انتحار يوكيو ميشيما. تحدّث ماركيز مرارًا عن ولعه برواية "الجميلات النائمات" لكواباتا.
في هذه الرواية الصغيرة، يتجلّى العالم للعجوز المؤرق أو الساهر حين ينام الآخرون؛ الأسى يغطي العالم والقادرين على توليد الجمال، بحسب ما قاله كواباتا في كلمته أمام أكاديمية نوبل (1968): "الأطفال والشابات والمحتضرون".
كان مزيج الهشاشة والدقّة والقوّة عصيًا على الفهم. لنتذكر معلّم الهايكو ماتسو باشو وكيف صادفه شاب في إحدى الرحلات بين جزر اليابان وأراضيها، فقرأ الأخير على مسمعه قصيدة هايكو يقول فيها: "انزعْ عن اليعسوب جناحيه يصِرْ قرن فلفل"، فأجابه: "لا تكن قاسيًا. ضَعْ لقرن الفلفل جناحين يصِرْ يعسوبًا".
تقول الأسطورة إن أرخبيل اليابان مبعثرٌ على ظهر سمكة حنكليس عملاقة نائمة اسمها كامي، وكلّما تململ ذيلها أو رأسها تسبّبت بزلزال. كان هوكوساي يظنّ أن بلاده أرضٌ طافيةٌ على وجه الغمر، وحاليًا تعرض المئات من أعماله في القصر الكبير في باريس، بعضها مرسوم على حرير أو ورق هشّين.
وتُعرض في واجهات العديد من المكتبات، في أكثر من مدينة فرنسية، أعمال جديدة مترجمة لروائيين مثل يوكو أوغاوا وهاروكي موراكامي، إضافة إلى كاتالوغات رسامين مثل هيروشيغي الذي عُرضت أعمال له العام الفائت في باريس، وكان ضمنها ما أوحى لفان غوغ ببعض لوحاته.
خلال حياته التي توقفت قبل أن تتخطى التسعين عامًا أنجز هوكوساي ما لا يقل عن ثلاثين ألف عمل بين رسم وحفر، وغيّر اسمه ومسكنه عشرات المرات. هنا مقطع مما كتبه في أيامه الأخيرة: "أثناء ولعه بالأسلوب المتكلف لهيمامو شو نيودا، كان الرسام ياماميزو تينغو يهيأ نفسه لفنّه الخاصّ مبهر الرسوم.
أما الآن، وبعد انقضاء مائة سنة تقريبًا على دراستي هذا الفنّ الذي لم أستوعبه أكثر بتاتًا، فقد طرأ علي هذا الإحساس الغريب: ألاحظ أن جميع شخصياتي، حيواناتي، حشراتي، أسماكي تبدو هاربةً من إسار الورقة. أليس هذا فريدًا بحقّ؟ وهناك ناشر أعلموه بهذه الحقيقة فطلب هذه الرسوم، طلبًا تعذّر عليّ رفضه. لحسن الحظ اعتنى الحفّار كوايزامي بالأمر، فهو حفّار خشب بارع؛ بسكينه الحادة جداً حفر عروق المخلوقات المرسومة وأعصابها، واستطاع أخيرًا أن يحرمها من حرية الهروب".
(العربي الجديد)
أتتِ المحصلة بعد انتهاء الحرب، كتابًا أمسى كلاسيكيًا في مقاربة الثقافة والمجتمع اليابانيين؛ "الأقحوان والسيف". كتب هنري ميلر تأمّلات حول انتحار يوكيو ميشيما. تحدّث ماركيز مرارًا عن ولعه برواية "الجميلات النائمات" لكواباتا.
في هذه الرواية الصغيرة، يتجلّى العالم للعجوز المؤرق أو الساهر حين ينام الآخرون؛ الأسى يغطي العالم والقادرين على توليد الجمال، بحسب ما قاله كواباتا في كلمته أمام أكاديمية نوبل (1968): "الأطفال والشابات والمحتضرون".
كان مزيج الهشاشة والدقّة والقوّة عصيًا على الفهم. لنتذكر معلّم الهايكو ماتسو باشو وكيف صادفه شاب في إحدى الرحلات بين جزر اليابان وأراضيها، فقرأ الأخير على مسمعه قصيدة هايكو يقول فيها: "انزعْ عن اليعسوب جناحيه يصِرْ قرن فلفل"، فأجابه: "لا تكن قاسيًا. ضَعْ لقرن الفلفل جناحين يصِرْ يعسوبًا".
تقول الأسطورة إن أرخبيل اليابان مبعثرٌ على ظهر سمكة حنكليس عملاقة نائمة اسمها كامي، وكلّما تململ ذيلها أو رأسها تسبّبت بزلزال. كان هوكوساي يظنّ أن بلاده أرضٌ طافيةٌ على وجه الغمر، وحاليًا تعرض المئات من أعماله في القصر الكبير في باريس، بعضها مرسوم على حرير أو ورق هشّين.
وتُعرض في واجهات العديد من المكتبات، في أكثر من مدينة فرنسية، أعمال جديدة مترجمة لروائيين مثل يوكو أوغاوا وهاروكي موراكامي، إضافة إلى كاتالوغات رسامين مثل هيروشيغي الذي عُرضت أعمال له العام الفائت في باريس، وكان ضمنها ما أوحى لفان غوغ ببعض لوحاته.
خلال حياته التي توقفت قبل أن تتخطى التسعين عامًا أنجز هوكوساي ما لا يقل عن ثلاثين ألف عمل بين رسم وحفر، وغيّر اسمه ومسكنه عشرات المرات. هنا مقطع مما كتبه في أيامه الأخيرة: "أثناء ولعه بالأسلوب المتكلف لهيمامو شو نيودا، كان الرسام ياماميزو تينغو يهيأ نفسه لفنّه الخاصّ مبهر الرسوم.
أما الآن، وبعد انقضاء مائة سنة تقريبًا على دراستي هذا الفنّ الذي لم أستوعبه أكثر بتاتًا، فقد طرأ علي هذا الإحساس الغريب: ألاحظ أن جميع شخصياتي، حيواناتي، حشراتي، أسماكي تبدو هاربةً من إسار الورقة. أليس هذا فريدًا بحقّ؟ وهناك ناشر أعلموه بهذه الحقيقة فطلب هذه الرسوم، طلبًا تعذّر عليّ رفضه. لحسن الحظ اعتنى الحفّار كوايزامي بالأمر، فهو حفّار خشب بارع؛ بسكينه الحادة جداً حفر عروق المخلوقات المرسومة وأعصابها، واستطاع أخيرًا أن يحرمها من حرية الهروب".
(العربي الجديد)