يستطيع المراقب اليوم تسجيل حرمان شريحة كبيرة من الأفغان من الرعاية الصحيّة، ومن إمكانيّة الوصول إلى مراكز الرعاية بأمان، بالإضافة إلى النقص الحاد في المراكز الصحيّة والمتخصصين والكوادر الفنيّة.
تزيد الأحوال الأمنية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها أفغانستان، من تردّي وضع قطاع الرعاية الصحية في البلاد، على الرغم من الجهود التي تدّعي الحكومة الأفغانية والمؤسسات التي تعنى بمجال الصحة بذلها لتطوير هذا القطاع.
ووسط غياب الرعاية الصحية الملائمة، أضحى الأفغان يتوجهون إلى الخارج، لا سيّما دول الجوار لتلقي العلاج المناسب. وباتوا يصرفون هناك مبالغ ضخمة، بحسب ما أشارت إليه وزارة الصحة الأفغانية في تقرير أصدرته أخيراً. وقد بيّنت الوزارة أن "الأفغان يصرفون سنوياً نحو 300 مليون دولار أميركي في الدول الأجنبية، وخصوصاً في باكستان والهند، للحصول على الرعاية الطبية والعلاج المناسبَين"، وهو ما يؤكده خبراء في مجال الصحة ومراقبون.
وقد أعرب وزير الصحة في حكومة الوحدة الوطنية فيروز الدين فيروز أخيراً، عن قلقه البالغ إزاء الوضع الصحي المتفاقم في البلاد. وقال إن "الوزارة تبذل قصارى جهدها لتحسينه، وهي تحاول إيجاد خيارات بديلة لتوفير الرعاية الصحية للذين يقصدون الخارج لتلقي العلاج". إلى ذلك، أنشأت الوزارة مركزاً لإعادة تنظيم الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، والقضاء على الفساد الإداري والمالي الذي يعمّ جميع دوائر الحكومة؛ والذي تأثرت به بشكل ملحوظ وخطير.
وتعليقاً على الفساد الإداري والمالي المستشري في القطاع الصحي، يقول مسؤول رفيع المستوى في الوزارة تحفّظ عن ذكر اسمه، إن "تعيين المسؤولين في الوزارة وتكليف الطواقم الطبية في المستشفيات الرئيسية لم يحصلا وفق أسس علمية ومهنية. والفساد المالي والإداري من أبرز أسباب تدهور هذا القطاع إلى جانب الوضع الأمني المتردي، كما هي حال جميع قطاعات الدولة".
وقد تعهد فيروز الذي تسلم منصبه أخيراً، بالقضاء بشكل كامل على الفساد المالي والإداري، وتقديم الخدمات الصحية للمواطن الأفغاني بكل نزاهة. كذلك أعلن عن إنشاء مستشفيات وفق معايير دولية توفّر على المواطنين عناء نقل مرضاهم إلى الدول المجاورة.
وبحسب إحصائية، فإن مئات الأفغان يتوجهون يومياً إلى باكستان والهند لتلقي العلاج. وهو ما يؤكده المتخصص في مجال جراحة الأعصاب في باكستان الدكتور محمد عبد الله، قائلاً إن "عشرات الأفغان يتلقون العلاج في المستشفيات الباكستانية، خصوصاً في بعض المجالات المعقدة كجراحة الأعصاب وجراحة القلب، وأمراض التهاب الكبد الوبائي والسرطان وغيرها".
محمد هادي مصاب بالتهاب الكبد الوبائي، يتلقى العلاج في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، بعدما لم ينفعه العلاج في أفغانستان. يقول إن "الذهاب والإياب إلى باكستان أمر مكلف للغاية، خصوصاً وأن الإجراءات على الحدود وتعامل الشرطة الباكستانية على الطريق يضاعف معاناة المرضى الذين لا يجدون خياراً آخر".
محمد نعمان أفغاني آخر يتلقى العلاج خارج البلاد. فالأطباء في أفغانستان قرّروا قطع يده اليمنى بعد تعرضه لحادث سير، لكن إخوته رفضوا ذلك وقرروا نقله إلى باكستان. وقد تمكن الأطباء هناك من علاج يده بعد عشر عمليات جراحية في خلال خمسة أشهر. يقول نعمان: "لو قبل إخوتي برأي الأطباء في أفغانستان، لكنت اليوم مبتور اليد. للأسف، القطاع الصحي في البلاد يعاني من نقص حاد في الطواقم والكوادر الطبية".
والقطاع الصحي تأثر كثيراً بالحروب التي شهدتها البلاد على مدى العقود الثلاثة الماضية. كذلك فإن الوضع الأمني يحول دون وصول عدد كبير من المرضى لا سيما الأطفال، إلى المرافق الصحية في الوقت المناسب. بالتالي، فإن بلوغ المستشفيات في مراحل متقدمة من المرض، غالباً ما يتسبب في وفاة مرضى كثر وخصوصاً من الأطفال.
من جهتها، تعاني المرأة الأفغانية أكثر من الذكور والأطفال في هذا الإطار. فإلى جانب النقص في مجال الرعاية الصحية عموماً، تمنع العادات القبلية النساء في بعض المناطق من الذهاب إلى المراكز الصحية. لذا سجلت في البلاد أعلى نسب وفيات في خلال الحمل وعند الولادة.
لكن مسؤولين في المجال الصحي يشيرون إلى أن الوضع الطبي في البلاد شهد تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة لجهة المراكز الصحية والطواقم الطبية، بما فيها تلك الخاصة بالنساء. فإلى جانب العيادات والمستشفيات الخاصة، توظف طواقم من الجوار، لا سيما باكستان ودول آسيا الوسطى.