21 فبراير 2018
الأغلبية الصامتة
اختار أكثر من 20 مليون مغربي عدم المشاركة في اقتراع السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لانتخاب برلمان جديد، فاقتصرت المشاركة على حوالي 7.5 ملايين ناخب، وهو عدد يبعث على القلق على صلابة التجربة الإصلاحية، في بلادٍ تدّعي أنها تسير على سكة التحول الديمقراطي. لكل فئةٍ من هذا الشعب الصامت أسبابها، فقد كانت فكرة الذين قاطعوا صندوق الاقتراع سياسياً: لا جدوى من المشاركة في انتخاباتٍ لا تقدم ولا تؤخر، فالقرار بيد العاهل المغربي محمد السادس ومحيطه، والانتخابات ما هي إلا ديكور لتأثيث المشهد، وإخفاء الوجه السلطوي للنظام خلف مظهر ديمقراطي. يعرف هؤلاء ما لا يريدون، لكنهم لا يعرفون الطريق إلى ما يريدون، ولهذا يشهرون الورقة الحمراء في وجه المشاركة السياسية، ويخرجون من الملعب، أملا في حدوث معجزة.
الذين يقاطعون الانتخابات اجتماعيا فئتان؛ الأولى لا تنتظر شيئاً من الانتخابات، ولا من الحكومة، ولا من البرلمان، ولا من الدولة، لأنها طبقة مرتاحة مادياً، ولا تفكّر في غيرها، وغير مستعدة للتضحية من أجل إحداث تغييراتٍ ولو طفيفة. الفئة الثانية يائسة سياسياً، وتشك دائماً في سلامة الاقتراع، وتعتبر أن التصويت لعبة مفبركة، وأن الصندوق لن تخرج منه مفاجآت، وأن ما تريده الدولة هو الذي ينجح ومن لا تريده الدولة يرسب دائماً. لا يتابع هؤلاء تعقيدات العملية الانتخابية، وضيق مساحة التزوير انتخاباتٍ بعد أخرى. ولهذا، لا يبذلون جهداً في تغيير الواقع، ويكتفون بالملاحظة من بعيد.
أما الذين لم يشاركوا في الاقتراع من منطلق ثقافي وسيكولوجي، فهم الذين لا يبالون بالسياسة، ولا بالأحزاب، ولا بمجريات الحياة العامة، وجل هؤلاء شباب مشغولون بحياتهم الخاصة، وبتدبير مساراتهم الفردية، وبالعيش في البلاد بأجسادهم، لكن عقولهم في الخارج، واهتمامهم منصبٌّ على النّت.. يسقط هؤلاء في فخ (الدعاية للذات)، ويقول عنهم الباحث إيف كونزاليس، المتخصص في الثقافة الرقمية بالعالم العربي "ما يجري على فيسبوك هو أننا نتجول داخل مصاف (filtres) من المعلومات التي ينتجها الأشخاص الذين نتابعهم، أو الذين اخترنا إضافتهم إلى قائمة أصدقائنا. وبالتالي، لا ننفتح على كل الآراء والإمكانات، بل على العكس من ذلك، نصير أسرى معلوماتٍ مصفاة، انتقائية، داخل شبكة مدجّنة. نتفاعل داخل حلقةٍ مغلقةٍ، فنتصور أن الرأي العام هو ما يوجد على سطح صفحتنا الزرقاء".
ما زال جل المغاربة لا يثقون في قدرة السياسة على إحداث التغيير في المعيش اليومي، ولا يرى هؤلاء أن الانتخابات والأحزاب والبرلمان والحكومة، وكل مؤسسات التدبير الديمقراطي للشأن العام، قادرة على تحسين أوضاعهم، وإشراكهم في الحكم الذي يرونه في أيدٍ قليلة، لا تريد أن تقتسمه مع أحد، على الرغم من أن هذه الفئة بدأت تخسر بعض زبنائها من الطبقات الوسطى، الذين فتح الربيع العربي شهيتهم للمشاركة في الانتخابات، وأعطتهم الحكومة السابقة بعض أملٍ في قدرة التصويت على فرز نخبٍ جديدة غير مدجّنة، بحيث بدأ صندوق الاقتراع يتحول إلى مكبر للصوت، وإن لم يتحول بعد إلى أداة فعالة للتناوب على الحكم، لكن الطريق ما زالت طويلة لإضعاف "حزب المقاطعة" الذي لا يؤطره أحد سوى حزب المشاركة، عندما لا يعطي المثال الحي على جدوى السياسة في تغيير الواقع.
نحن بلاد لم تصل إلى درجة "الإشباع السياسي"، لنقول إننا واقعون في ظاهرة العزوف العالمية عن الانتخابات، ونحن بلاد مؤسساتها ما زالت هشة، وديمقراطيتها هشّة، وتعدّديتها هشّة، ومجتمعها مليء بالانقسامات والعنف واللاتسيس. ولهذا، المشاركة السياسية رقم استراتيجي في معادلة استقرار البلاد، والثقة في نظامها.
الذين يقاطعون الانتخابات اجتماعيا فئتان؛ الأولى لا تنتظر شيئاً من الانتخابات، ولا من الحكومة، ولا من البرلمان، ولا من الدولة، لأنها طبقة مرتاحة مادياً، ولا تفكّر في غيرها، وغير مستعدة للتضحية من أجل إحداث تغييراتٍ ولو طفيفة. الفئة الثانية يائسة سياسياً، وتشك دائماً في سلامة الاقتراع، وتعتبر أن التصويت لعبة مفبركة، وأن الصندوق لن تخرج منه مفاجآت، وأن ما تريده الدولة هو الذي ينجح ومن لا تريده الدولة يرسب دائماً. لا يتابع هؤلاء تعقيدات العملية الانتخابية، وضيق مساحة التزوير انتخاباتٍ بعد أخرى. ولهذا، لا يبذلون جهداً في تغيير الواقع، ويكتفون بالملاحظة من بعيد.
أما الذين لم يشاركوا في الاقتراع من منطلق ثقافي وسيكولوجي، فهم الذين لا يبالون بالسياسة، ولا بالأحزاب، ولا بمجريات الحياة العامة، وجل هؤلاء شباب مشغولون بحياتهم الخاصة، وبتدبير مساراتهم الفردية، وبالعيش في البلاد بأجسادهم، لكن عقولهم في الخارج، واهتمامهم منصبٌّ على النّت.. يسقط هؤلاء في فخ (الدعاية للذات)، ويقول عنهم الباحث إيف كونزاليس، المتخصص في الثقافة الرقمية بالعالم العربي "ما يجري على فيسبوك هو أننا نتجول داخل مصاف (filtres) من المعلومات التي ينتجها الأشخاص الذين نتابعهم، أو الذين اخترنا إضافتهم إلى قائمة أصدقائنا. وبالتالي، لا ننفتح على كل الآراء والإمكانات، بل على العكس من ذلك، نصير أسرى معلوماتٍ مصفاة، انتقائية، داخل شبكة مدجّنة. نتفاعل داخل حلقةٍ مغلقةٍ، فنتصور أن الرأي العام هو ما يوجد على سطح صفحتنا الزرقاء".
ما زال جل المغاربة لا يثقون في قدرة السياسة على إحداث التغيير في المعيش اليومي، ولا يرى هؤلاء أن الانتخابات والأحزاب والبرلمان والحكومة، وكل مؤسسات التدبير الديمقراطي للشأن العام، قادرة على تحسين أوضاعهم، وإشراكهم في الحكم الذي يرونه في أيدٍ قليلة، لا تريد أن تقتسمه مع أحد، على الرغم من أن هذه الفئة بدأت تخسر بعض زبنائها من الطبقات الوسطى، الذين فتح الربيع العربي شهيتهم للمشاركة في الانتخابات، وأعطتهم الحكومة السابقة بعض أملٍ في قدرة التصويت على فرز نخبٍ جديدة غير مدجّنة، بحيث بدأ صندوق الاقتراع يتحول إلى مكبر للصوت، وإن لم يتحول بعد إلى أداة فعالة للتناوب على الحكم، لكن الطريق ما زالت طويلة لإضعاف "حزب المقاطعة" الذي لا يؤطره أحد سوى حزب المشاركة، عندما لا يعطي المثال الحي على جدوى السياسة في تغيير الواقع.
نحن بلاد لم تصل إلى درجة "الإشباع السياسي"، لنقول إننا واقعون في ظاهرة العزوف العالمية عن الانتخابات، ونحن بلاد مؤسساتها ما زالت هشة، وديمقراطيتها هشّة، وتعدّديتها هشّة، ومجتمعها مليء بالانقسامات والعنف واللاتسيس. ولهذا، المشاركة السياسية رقم استراتيجي في معادلة استقرار البلاد، والثقة في نظامها.