لم يكن الهرب من الصورة ممكناً، حتى لمن أراد ذلك. الطفل عيلان عبدالله (ايلان الكردي) كان في كل مكان، على مواقع التواصل، على صدر مقالات عنوانها تقريباً كان موحداً: "الصورة التي هزّت العالم"... وفي صور بشعة صمّمت على عجل ومن دون إبداع لجثته تتوسط مجلس الأمن، أو راقداً على غيمة، أو في سرير جميل لطفل "عادي".
حصل كل شيء بسرعة، بدقائق قليلة، سرعة منعتنا من طرح السؤال نفسه الذي نعيد تدويره منذ 4 سنوات: هل كان يجب نشر الصورة؟ الجواب البديهي المرتبط بأصول المهنة، واحترام "حق الضحايا وحق عائلاتهم بالخصوصية" هو لا. بشكل أبسط يقول طوني رودجرز، وهو أحد "المنظرين في أخلاقيات الصحافة"، أن "نشر الصور المزعجة قد يؤدي إلى ضرر نفسي وجسدي دائم بحق الضحية، عائلته، وبحق القارئ، وبالتالي فإن النشر مرتبط بظروف الأرض، وظروف الحدث".
لكن كل المؤسسات نشرت. "الإندبندنت" بررت نشرها "بتذكير الناس بحجم المأساة لأننا ننسى بسرعة"، "نيويورك تايمز" فعلت ذلك أيضاً، مشيرة إلى نشر أبرز الناشطين الحقوقيين للصورة. "بي بي سي" فضّلت التركيز على صورة حرس السواحل التركي وهو يحمل جثة الصبي. بهدوء تام حصل النقاش: ننشر، لا ننشر. ننشر، لمَ لا؟ بدا الإعلام الغربي كأنه يرى الضحية السورية للمرة الأولى. ضحية نظيفة بلا دم، ولا دمار.
إذاً، يحتاج العالم إلى صورة. إلى صورة كهذه الصورة: طفل سوري، بشعر أسود جميل، بجسد ووجه مبللين، ملقىً على شاطئ سياحي تركي يعرفه السياح الأوروبيون جيداً. الصورة بكلّ عناصرها مغرية، لا براميل، لا ذبح، لا صراع سوري: لاجئ فشل العالم في إيجاد حلٍ للجوئه، فمات في البحر ورُميت جثته على الشاطئ، لن يضطر أحد إلى مواجهة اتهامات بعدم الحياد هذه المرة.
قبل عامين قتل النظام السوري المئات في الغوطة الشرقية، أغلبهم من الأطفال، يومها قرّر القسم الأكبر من الإعلام الغربي عدم نشر الصور "لقساوتها واحتراماً لحرمة الموت". هكذا قيل وقتها. مع إعدام تنظيم "داعش" للرهائن الغربيين، مجدداً عاد النقاش، لم تنشر الصور، وتمت مقاطعة الصحف التي نشرتها. وها هو عيلان يموت. لم يقتله أحد بالمعنى المباشر للكلمة. غرق في البحر أمام تخاذل العالم عن استقبال اللاجئين (عددهم تجاوز 4 مليون لاجئ هذا العام بحسب الأمم المتحدة)، هذه هي الرواية الرسمية. الرواية الفضفاضة والتي تناسب الجميع. ولعلّ هذا ما جعل الجميع يتّفق على نشر الصورة، طبعاً إلى جانب ارتفاع الحملات الغربية الداعية إلى استقبال اللاجئين. هذه المرة يبدو الغرب على تماس مباشر مع موت الطفل، ثمة في الشارع من يصرخ محمّلاً الإعلام والحكومات المسؤولية. تنشر الصورة، يصدم العالم.. كأنه لم يرَ الموت السوري قبل الآن.
الصورة بكل تفاصيلها محزنة، بوجه الطفل الذي ينظر صوب البحر، بالقصة التي انتشرت عن حياته، وبصورته ضاحكاً يوم كان لا يزال يحتفظ ببيت وبلد. لكن مجدداً هل كان يجب نشر الصورة؟ لن يتغيّر شيء، لا قبلها ولا بعدها، منذ العام 2011، وسورية مصدر الصور الأول للأطفال القتلى حول العالم: مخنوقين، مذبوحين، عظام ناتئة من أجساد صغيرة بلا طعام... وراقدين على شواطئ ليست شواطئهم، ولا أحد ينشرها، نراها فقط على مواقع التواصل، ويتحجّج الإعلام "بعدم القدرة على التأكد من صحتها".
يحتاج الإعلام الغربي إلى التأكد من قتل الأطفال السوريين، يهرب من واقع سورية إلى معايير مهنية علمية تعفيه من الخوض في وحول ودماء السوريين. اليوم وبينما يبكي العالم عيلان عبدالله، وشقيقه غالب الذي رقد غير بعيدٍ عنه، يموت أطفال آخرون في سورية، في دوما وحلب والزبداني (أكثر من 15 ألف طفل شهيد سقط في سورية حتى الساعة بحسب "قاعدة بيانات شهداء الثورة")... لن نعرف أسماءهم، لن نعرف وجوههم، ولا قصصهم. لا تحتمل الصورة كل هذا الشِّعر: هذا لاجئ سوري غريق.
اقرأ أيضاً: الطفل السوري الغريق: "إنسانيتنا الراقدة على الشاطئ"
حصل كل شيء بسرعة، بدقائق قليلة، سرعة منعتنا من طرح السؤال نفسه الذي نعيد تدويره منذ 4 سنوات: هل كان يجب نشر الصورة؟ الجواب البديهي المرتبط بأصول المهنة، واحترام "حق الضحايا وحق عائلاتهم بالخصوصية" هو لا. بشكل أبسط يقول طوني رودجرز، وهو أحد "المنظرين في أخلاقيات الصحافة"، أن "نشر الصور المزعجة قد يؤدي إلى ضرر نفسي وجسدي دائم بحق الضحية، عائلته، وبحق القارئ، وبالتالي فإن النشر مرتبط بظروف الأرض، وظروف الحدث".
لكن كل المؤسسات نشرت. "الإندبندنت" بررت نشرها "بتذكير الناس بحجم المأساة لأننا ننسى بسرعة"، "نيويورك تايمز" فعلت ذلك أيضاً، مشيرة إلى نشر أبرز الناشطين الحقوقيين للصورة. "بي بي سي" فضّلت التركيز على صورة حرس السواحل التركي وهو يحمل جثة الصبي. بهدوء تام حصل النقاش: ننشر، لا ننشر. ننشر، لمَ لا؟ بدا الإعلام الغربي كأنه يرى الضحية السورية للمرة الأولى. ضحية نظيفة بلا دم، ولا دمار.
إذاً، يحتاج العالم إلى صورة. إلى صورة كهذه الصورة: طفل سوري، بشعر أسود جميل، بجسد ووجه مبللين، ملقىً على شاطئ سياحي تركي يعرفه السياح الأوروبيون جيداً. الصورة بكلّ عناصرها مغرية، لا براميل، لا ذبح، لا صراع سوري: لاجئ فشل العالم في إيجاد حلٍ للجوئه، فمات في البحر ورُميت جثته على الشاطئ، لن يضطر أحد إلى مواجهة اتهامات بعدم الحياد هذه المرة.
قبل عامين قتل النظام السوري المئات في الغوطة الشرقية، أغلبهم من الأطفال، يومها قرّر القسم الأكبر من الإعلام الغربي عدم نشر الصور "لقساوتها واحتراماً لحرمة الموت". هكذا قيل وقتها. مع إعدام تنظيم "داعش" للرهائن الغربيين، مجدداً عاد النقاش، لم تنشر الصور، وتمت مقاطعة الصحف التي نشرتها. وها هو عيلان يموت. لم يقتله أحد بالمعنى المباشر للكلمة. غرق في البحر أمام تخاذل العالم عن استقبال اللاجئين (عددهم تجاوز 4 مليون لاجئ هذا العام بحسب الأمم المتحدة)، هذه هي الرواية الرسمية. الرواية الفضفاضة والتي تناسب الجميع. ولعلّ هذا ما جعل الجميع يتّفق على نشر الصورة، طبعاً إلى جانب ارتفاع الحملات الغربية الداعية إلى استقبال اللاجئين. هذه المرة يبدو الغرب على تماس مباشر مع موت الطفل، ثمة في الشارع من يصرخ محمّلاً الإعلام والحكومات المسؤولية. تنشر الصورة، يصدم العالم.. كأنه لم يرَ الموت السوري قبل الآن.
الصورة بكل تفاصيلها محزنة، بوجه الطفل الذي ينظر صوب البحر، بالقصة التي انتشرت عن حياته، وبصورته ضاحكاً يوم كان لا يزال يحتفظ ببيت وبلد. لكن مجدداً هل كان يجب نشر الصورة؟ لن يتغيّر شيء، لا قبلها ولا بعدها، منذ العام 2011، وسورية مصدر الصور الأول للأطفال القتلى حول العالم: مخنوقين، مذبوحين، عظام ناتئة من أجساد صغيرة بلا طعام... وراقدين على شواطئ ليست شواطئهم، ولا أحد ينشرها، نراها فقط على مواقع التواصل، ويتحجّج الإعلام "بعدم القدرة على التأكد من صحتها".
يحتاج الإعلام الغربي إلى التأكد من قتل الأطفال السوريين، يهرب من واقع سورية إلى معايير مهنية علمية تعفيه من الخوض في وحول ودماء السوريين. اليوم وبينما يبكي العالم عيلان عبدالله، وشقيقه غالب الذي رقد غير بعيدٍ عنه، يموت أطفال آخرون في سورية، في دوما وحلب والزبداني (أكثر من 15 ألف طفل شهيد سقط في سورية حتى الساعة بحسب "قاعدة بيانات شهداء الثورة")... لن نعرف أسماءهم، لن نعرف وجوههم، ولا قصصهم. لا تحتمل الصورة كل هذا الشِّعر: هذا لاجئ سوري غريق.
اقرأ أيضاً: الطفل السوري الغريق: "إنسانيتنا الراقدة على الشاطئ"