فجأة، ومن دون إعلان مسبق، وصل رئيس وزراء الحكومة الإقليمية في إقليم البنجاب، محمد شهباز شريف، وهو شقيق رئيس الوزراء نواز شريف، إلى أحد الأسواق الرمضانية في مدينة راولبندي المجاورة للعاصمة، لتفقّد أحوال السوق عن كثب، والاستماع إلى آراء المواطنين والتجار حول الأسواق، ومدى مساهمتها في توفير مختلف الاحتياجات للمواطن الباكستاني.
وما إن وصل، حتى تحلّق حوله عدد من المواطنين، وبدأوا يقولون ما لم يكن يتوقعه. وبشكل عام، تحدث كثيرون عن غلاء الأسعار.
بدوره، وعد الوزير بمراقبة سير عمل الأسواق الرمضانية، بغية الوصول إلى الأهداف المرجوّة. وكعادته، توعّد كلّ من ينهب حق المواطن. إلا أن الأخير لا يدري إن كانت لشكواه أي فائدة، فمعظم الوعود الحكومية تذهب أدراج الرياح مع الوقت.
ما يميّز شهر رمضان في باكستان هو انتشار الأسواق الرمضانية التي تعم جميع أنحاء البلاد. وبسبب الفساد المالي والإداري، لم يحصل المواطنون على كل ما يريدونه، على الرغم من صرف الحكومة أموالاً طائلة. يقول محمد شعيب، أحد سكان مدينة راولبندي، والذي حضر إلى السوق مع والدته أفشين خان لشراء بعض الحاجيات: "بحكم العادة، نأتي إلى الأسواق الرمضانية، مع أننا ندرك جيداً أنه لا يوجد فرق كبير بين الأسعار في هذه الأسواق وغيرها". يضيف أن السلع الأرخص تكون رديئة بالمقارنة مع تلك الموجودة في الأسواق العامة.
في المقابل، ترى الوالدة أن للأسواق الرمضانية تأثير إيجابي على حياة المواطنين. وتوضح أنه حتى لو كان الفرق في الأسعار بسيطاً، إلا أنه يعني كثيراً للفقراء. في الوقت نفسه، تشكو من عدم وجود رقابة على هذه الأسواق، ما يؤدي إلى تفشي الفساد.
وتختلف أسعار المواد الغذائية وغيرها من السلع من سوق إلى آخر. وفيما يرى بعض المواطنين أن الأسعار في مدينة راولبندي مناسبة، يقول سكان مدينة فيصل آباد إن الأسواق الرمضانية مجرد حيلة لجمع الأموال. ويوضح محمد شاكر، القاطن في هذه المدينة، لـ"العربي الجديد"، أن الأسواق الرمضانية هي بمثابة حيلة يبتدعها التجار، وخصوصاً المقربين من الحكومة، لجمع المال. يضيف أن معظم الخضار والفاكهة الموجودة في السوق، والتي تباع بأسعار رخيصة، غير قابلة للاستخدام. ويدعو شاكر الحكومة إلى تشديد الرقابة على الأسواق العامة بدل إقامة بعض الأسواق الرمضانية.
اقرأ أيضاً: لطيف خان مهمند.. فقد يده وما زال يصنع الطوب
بدورهم، يشكو التجار وأصحاب المحال في الأسواق الرمضانية من ارتفاع الأسعار في البلاد بشكل عام، ويؤكدون أن هناك فرقاً في الأسعار بين الأسواق الرمضانية وتلك العامة. لكن المشكلة الرئيسية هي الغلاء وارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان، علماً أنها زادت هذا العام بصورة غير مسبوقة. ويوضح عدد من التجار أنهم يشترون السلع بأسعار مرتفعة، لكنهم يبيعونها بحسب اللائحة التي وزّعت عليهم من قبل الحكومة المحلية، الأمر الذي لا يقبله الزبائن بأي حال من الأحوال.
في السياق، يقول محمد لطيف، الذي يبيع الفاكهة في سوق رمضاني في روالبندي، لـ"العربي الجديد"، إن "المشكلة الرئيسية هي الغلاء السائد في البلاد، بالإضافة إلى البطالة المتفشية. لذا، فإن عدد الزبائن قليل جداً هذا العام، بالمقارنة مع الأعوام الماضية، لأن الناس غير قادرين على الشراء حتى من الأسواق الرمضانية".
من جهة أخرى، يتنافس التجار في ما بينهم لاستئجار محال داخل الأسواق الرمضانية. وفي بعض الأحيان، يقدّم بعض التجار رشاوى لهذا الغرض، علماً أن بدل إيجار هذه المحال رمزيّ، ما يتيح للتجار الربح. في السياق، يرفض التاجر لطيف التعليق على الموضوع، لكنه يطالب بالقضاء على الفساد المالي والإداري السائد في جميع الدوائر الحكومية، لافتاً إلى أن ذلك سيساهم في الحد من الغلاء المستشري في البلاد.
أما المواطن محمد سرور، الذي يرتاد الأسواق الرمضانية دورياً، فيشعر بالخيبة هذا العام، ولا يتوقع أن تتحسن الأحوال في وقت قريب. يضيف أن الحكومة تفرض ضرائب إضافية عاماً بعد عام، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، من دون أن تزداد رواتب المواطنين.
إلا أن وزير الزراعة، فرخ جاويد، يرفض هذه الادعاءات، قائلاً إن الأسواق الرمضانية تعمل وفق خطط نزيهة وشفافة. ويلفت إلى أن الحكومة تعمل كل ما في وسعها لضمان نزاهة سير العمل. يضيف أن الحكومة شكلت لجنة لمراقبة عمل الأسواق، وتأمين جميع الاحتياجات الرمضانية للمواطن الباكستاني.
في المحصّلة، تساهم الأسواق الرمضانية إلى حد كبير في تخفيف معاناة المواطن الباكستاني الذي يعيش تحت خط الفقر، لكن الفساد المستشري في البلاد يمنع تحقيق النتائج المرجوّة.
اقرأ أيضاً: إفطار على ضوء الشموع