رفع نظام بشار الأسد، أسعار المازوت والغاز المنزلي والبنزين ثلاث مرات خلال الثورة، غير أنه يعجز في الوقت الحالي عن تأمين المازوت والغاز للذين بقوا تحت الحصار وخطر الموت، رغم برودة الشتاء وانقطاع التيار الكهربائي لنحو عشرين ساعة يومياً، إذ ارتفع سعر لتر المازوت إلى نحو مائتي ليرة (دولار واحد) في السوق السوداء، نتيجة قلة العرض وغياب الرقابة، ووصل سعر أسطوانة الغاز المنزلي أكثر من خمسة آلاف ليرة سورية (25 دولارا).
وتُشير تقارير محلية ودولية إلى أن عدم استفادة السوريين من تراجع أسعار النفط بأكثر من 40% عالميا، يرجع إلى امتناع حلفاء نظام الأسد، خاصة إيران، عن دعمه بالمال أو النفط، بعدما أثر تهاوي أسعار الذهب الأسود في ميزانياتها بشكل كبير، فضلا عن العقوبات التي تتعرض لها.
فيما يرى مراقبون أن تبديد الاحتياطي النقدي الأجنبي، وبدء تململ طهران وموسكو نتيجة ارتفاع ديون سورية الخارجية التي قيل إنها وصلت نحو 11 مليار دولار، حالا دون استفادة السوريين من هذا التراجع.
وقال وزير الطاقة والثروة المعدنية في حكومة تصريف الأعمال السورية المعارضة، إلياس وردة، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": إن نظام الأسد لم يخفّض أسعار المشتقات، لأنه يحتاج إلى تدبير نفقات الحرب التي يشنها على الثورة منذ أربع سنوات، وبالتالي لا مجال لديه لتقليص إيراداته من المحروقات، ولو على حساب المواطنين.
وعن الاستفادة من ضربات التحالف الدولي لمواقع آبار النفط في سورية، لاستعادتها من تنظيم الدولة "داعش"، وهل تقدمت "حكومة تصريف الأعمال المعارضة" باعتراض على تهديم البنى السورية، قال الوزير وردة: ليس بمعنى الاعتراض، لكني تكلمت مع الأوروبيين بشكل رئيسي حول عدم استهداف الآبار ومناطق إنتاج النفط، علماً أن الحملة لم تستهدف الآبار، ولا مصلحة لأحد في ذلك، فاشتعال أي بئر سيشكل كارثة بيئية، والوصول إلى تلك المناطق لإطفائه أمر مستحيل، ولكن للأسف هناك أضرار نجمت عن القصف طالت بعض المواقع والمصافي التقليدية، وأثرت على كمية العرض وعمل بعض السوريين.
وأضاف، أن المعارضة لم تتمكن من استعادة الآبار التي سيطر عليها تنظيم "داعش"، "لأن ذلك يتطلب جيشاً قوياً، وهو ما لم تساعدنا به الدول الداعمة، أو ما يسمى أصدقاء سورية"، موضحا أن توقف الدعم للجيش الحر لا يمكن معه استعادة الآبار ومواقع الإنتاج من "داعش".
وبينما ينصرف التجار والمنتجون عن بيع النفط للنظام السوري، يقول وردة، إن النظام يدبر احتياجاته من النفط من خلال شراء نفط "داعش"، "لأن داعش تريد المال في الحرب والنظام
يريد النفط، ولدينا وثائق وتقارير مؤكدة حول شراء الأسد النفط من داعش حتى الآن".
أسباب سياسية
وقال وردة إن أسعار النفط العالمية لا تحددها الأسباب الاقتصادية وكميات الإنتاج وحسب، وليس صحيحاً ما يقال عن قوانين السوق والعرض والطلب، بل هناك أسباب وقرارات سياسية تتعلق بمصالح الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، فالدول الصناعية تعيش ظروفا اقتصادية صعبة.
وإن بقيت أسعار النفط مرتفعة، فلن تستطيع تلك الدول الانتعاش والانطلاق من جديد، لذا جاءت الضغوط لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار خوفاً من الركود وزيادة معدلات البطالة.
ويرى الوزير السوري المعارض، أن طفرة الإنتاج التي سجلها النفط الصخري مؤخرا في أميركا الشمالية، ليست سببا كافيا لإغراق السوق إلى الحد الذي تتراجع فيه الأسعار بأكثر من 40% في أقل من أربعة أشهر.
معللا التراجع بأسباب متعددة، منها: انتعاش الدولار، وتراجع نسب النمو في اقتصادات كبرى كالصين، وأيضاً استخدام الدول المتقدمة وسائل وتكنولوجيا جديدة ومتطورة لا تحتاج معها الكمية ذاتها من النفط التي كانت تستهلك سابقاً، إلى جانب الأسباب والتفاهمات السياسية بين كبار المنتجين والمستهلكين.
معاقبة موسكو
ولم يستبعد المسؤول السوري أن يكون من بين أسباب قرار منظمة "أوبك" بعدم تخفيض الإنتاج، معاقبة موسكو وطهران، لما لعائدات النفط من أهمية على مواردهما وتحديد حجم الموازنة.
وقال: "هذا صحيح، لكنه نتيجة لما أشرت له ضمن الأسباب السياسية، إذ لا يمكن الوصول له من دون وجود منتجين كبار يلعبون هذا الدور. فعلا أعتقد أن هناك تبادل مصالح وتفاهمات، بين كبار المنتجين والدول الكبرى، أوصلت موسكو وطهران إلى مرحلة الحرج، وطلب تخفيض الإنتاج خلال اجتماع أوبك الأخير".
وأضاف أن قرار "أوبك" يعزز الاعتقاد بوجود تفاهمات واسعة بين الكبار، فإن بقي العرض يوازي أو يزيد عن الطلب، فستتراجع الأسعار أكثر وأكثر، ما يزيد الضغط على الدول التي تعتمد في دخلها على النفط.
ودعا وردة، الدول المنتجة للنفط الصخري إلى أخذ معيار البيئة في الاعتبار، ودول أوبك، خاصة العربية منها، إلى امتلاك التكنولوجيا، ليس لأنها معيار الحضارة فقط، بل لكونها أداة ضغط وقوة دائمة، على عكس امتلاك النفط الذي يمنح القوة الاقتصادية وبعض السياسية، ولكن إلى أجل.
النفط الصخري
وأعلن الوزير في حكومة أحمد طعمة السورية المعارضة، أنه يدعم قرار المملكة العربية السعودية، بشأن الحرب على النفط الصخري، قائلا: "أؤيد هذا الطرح، ولنعلم أن أعداء النفط الصخري ليسوا منتجي النفط التقليدي فقط، بل له أعداء كثر، لأن استخراجه يخرب البيئة على نحو خطير، ويتعارض مع التوجهات العالمية للحفاظ على البيئة".
وقال إن منتجي النفط الصخري في أميركا وكندا يتجاهلون الشروط البيئية والتغيرات المناخية التي تكلف العالم مليارات الدولارات سنويا.
وذكر أن خسائر تراجع الأسعار عالميا، بدأت تظهر على الشركات التي تستخرج النفط الصخري، لأن تكلفة إنتاجه تتجاوز تكلفة بيعه بالأسعار الحالية.