تداولت حسابات مقربة من النظام السوري، أول من أمس الأحد، صورة لرئيس النظام، بشار الأسد، قالت إنها في مدينة اللاذقية، غربي البلاد. ويبدو أن زيارة الأسد هذه، تأتي في سياق مسعاه للمصالحة بين عائلته وآل مخلوف، بعدما توترت العلاقة بينهما أخيراً على خلفية الحجز على أموال ابن خاله، رجل الأعمال رامي مخلوف. وأكدت هذه الحسابات أنّ الأسد زار بالفعل القرداحة في ريف المحافظة، والتقى بوجهاء من العائلتين، لاحتواء الخلاف الحاصل، ولطمأنة أنصاره في البلدة التي تُعَدّ الخزان البشري للنظام ومؤيديه.
وكانت قد تفجرت خلافات وصلت إلى منابر الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، بين الأسد ورامي مخلوف، على خلفية مطالبة حكومة النظام للأخير بدفع ضرائب متراكمة، اعتبرها محاولة لتحجيم دوره السياسي والاقتصادي في سورية. وانتهى الخلاف بالحجز على أموال مخلوف، واعتقال كبار موظفي شركاته. وفيما عُدّ هذا الأمر مقدمة لإنهاء الدور الذي أدّاه رامي مخلوف داخل النظام منذ تسلّم الأسد للسلطة خلفاً لأبيه حافظ الأسد، مطلع الألفية الحالية، هناك من رأى في التوتر غطاءً للتستر على أزمة سياسية كبيرة بدأت بحاجة النظام إلى مليارات الدولارات لتسديدها إلى روسيا بالعملة الصعبة. ولم تخلُ القضية من أحاديث عن سعي أسماء الأخرس الأسد، زوجة بشار الأسد، إلى استبدال مخلوف بابن خالتها رجل الأعمال، مهند الدباغ، ليكون هو الإمبراطور المالي الجديد في سورية، وهو ما يصوّره أتباع مخلوف على أنه بمثابة سعي إلى الانتقاص من نفوذ الطائفة العلوية في سلطة آل الأسد (على اعتبار أن أسماء الأخرس تتحدر من الطائفة السنية).
زار الأسد القرداحة، والتقى بوجهاء من العائلتين، لطمأنة أنصاره في البلدة التي تُعَدّ الخزان البشري للنظام ومؤيديه
ومن الواضح أن بشار الأسد يحاول ردم هوّة الخلاف التي تشكلت بين عائلته وأسرة والدته، أنيسة مخلوف. وتُعَدّ عائلة مخلوف من العائلات ذات النفوذ الكبير في الطائفة العلوية التي تشكل نحو 7 في المائة من سكان سورية، ويستحوذ عدد من رموزها على السلطة بشكل كامل منذ عام 1970، حين استولى حافظ الأسد على الحكم إثر انقلاب عسكري انفتحت بعده كل الأبواب أمام كبار الضباط في الطائفة للهيمنة على الحياة العامة. وحاول رامي مخلوف استغلال الاستياء من الوضع المعيشي السيّئ الذي يعيشه العلويون في الساحل السوري، من أجل التأثير في الحاضن الاجتماعي الأهم للنظام، وسحب ما أمكن من أبناء الطائفة إلى صفّه، في سياق معركة لم تكن متوقعة مع ابن عمته، إلا أن محاولاته فشلت.
ومع تسلّم بشار الأسد للسلطة، صعد رامي مخلوف بشكل سريع في عالم المال والأعمال، حيث بات يملك أكبر شركة للهواتف المحمولة في سورية. ووفق مصادر مطلعة، يملك مخلوف وعائلته شركة "شام القابضة"، ومصرفي "سورية الدولي" و"بيبلوس"، وشركة "شام كابيتال" للوساطة المالية، وأسطولاً لصيد السمك في جزيرة أرواد السورية، يدرّ ملايين الدولارات سنوياً، إضافة إلى استثمارات في موسكو ودبي. وتوحي زيارة الأسد للقرداحة بأن لديه تخوفاً حقيقياً من انشطار الطائفة العلوية ما بين عائلته وأسرة مخلوف، ما من شأنه التأثير سلباً في نظامه المتهالك أصلاً نتيجة سنوات الحرب الطويلة والعقوبات الدولية والأميركية التي أنهكت اقتصاده. واسترضى الأسد عائلة مخلوف بدفع شقيق رامي الأصغر، المدعو إيهاب، إلى الواجهة، حيث منحه وفق موقع "صوت العاصمة" المحلي، وشريكه رجل الأعمال الكويتي والنائب السابق عبد الحميد دشتي، الذي يُعَدّ من كبار الداعمين للنظام السوري، حقوق تشغيل "الأسواق الحرة" في سورية، وذلك بعد أن سُحبت من شركة "راماك" التي يملكها رامي مخلوف. وأوضح الموقع الذي يهتم بأخبار العاصمة السورية دمشق، أنّ الشريكين استحوذا على العقد لمدة 5 سنوات، بمبلغ قارب 15 مليون دولار سنوياً، تُدفع بالنقد الأجنبي حصراً.
وكان إيهاب قد أعلن في منشور عبر موقع "فيسبوك"، في وقت سابق، أن استقالته من مركز نائب مجلس إدارة شركة اتصالات "سيريتل" التي يملكها شقيقه، جاءت بعد خلاف على تعاطي الأخير مع الإعلام، ومع الملفين المالي والقانوني مع حكومة النظام السوري. وأعلن إيهاب مخلوف ولاءه الكامل لبشار الأسد.
استرضى الأسد عائلة مخلوف بدفع شقيق رامي الأصغر، المدعو إيهاب، إلى الواجهة
ولا يقتصر نفوذ عائلة مخلوف على محمد (خال رئيس النظام) وأبنائه، إذ كان أحد أبناء عمومته، عدنان مخلوف، لفترة طويلة قائداً للحرس الجمهوري إبان سنوات حكم الأسد الأب. ويسيطر خلدون، ابن عدنان مخلوف، على قسم كبير من القطاع السياحي والفندقي في سورية. وتعود العلاقة بين عائلتي الأسد ومخلوف التي تتحدر من بلدة بستان الباشا التابعة لمنطقة جبلة في محافظة اللاذقية، إلى خمسينيات القرن الماضي، حين تقدم حافظ الأسد لخطبة أنيسة مخلوف، إلا أنه رُفض، لكونه من عائلة متواضعة ومغمورة من قرية القرداحة القريبة. لكن الأسد الذي كان يحاول تحسين وضعه الاجتماعي، عاد وتزوج أنيسة التي أدّت دوراً كبيراً في صعود شقيقها محمد إلى الواجهة الاقتصادية في سورية، حيث بدأ في سبعينيات القرن الماضي رحلة طويلة من الفساد، راكم خلالها ثروة كبيرة جراء نهبه للمال العام.