الأستاذة صباح بودراس.. نموذج جديد للعلم في الجزائر

09 أكتوبر 2016
اثار أسلوب صباح بودراس غضب وزيرة التربية (غيتي)
+ الخط -

تداول عدد كبير من الناس مقطع فيديو للمعلمة الجزائرية، صباح بودراس، والإعلامية السابقة بقناة "الأطلس"، مع تلاميذها في محافظة باتنة، وهي تشجع التلاميذ على التحدث باللغة العربية باعتبارها اللغة الأم، وتغرس بهم أن الإرادة تصنع المعجزات. وأكدت لهم أن "لسانهم سيكون عربياً هذا العام، لأن العربية هي لغة أهل الجنة". وأكدت خلاله في رسالة للتربويين على تبني مشروع " التربية الخلقية" التي تسعى إلى تطبيقه هذا العام. وشاركها التلاميذ في اختيار السلوك الحسن بين الصدق والتعاون والمحبة والوفاء.

كما ظهرت صباح سابقاً في فيديوهات عدة تناولت غرس أهمية الأم في حياة الطفل، وآخر يتناول أهمية اهتمام التلميذ بأخيه المسلم من خلال رسالة من تلاميذها لكل تلاميذ الدول العربية الشقيقة، وفيديو تناول قيم أنشودة "كن أنت" والتي " تركز على عدم التقليد الأعمى واستخراج القيم الذاتية من الجوهر، لا بالشكل والمال".

وأثار الفيديو الأخير غضب وزيرة التربية، نورية بن غبريط، والتي وصفته، خلال مؤتمر صحافي، تحدثت فيه مدمجة اللغة الفرنسية والدارجة الجزائرية بـ"الكارثة". واعتبرته انتهاكاً لخصوصيات الأطفال، وهددت بإحالتها إلى المجلس التأديبي بتهمة إدارة ظهرها للتلاميذ، وهذا ما اعتبرته أمراً خارجاً عن أخلاقيات المعلم. فالقانون الجزائري يمنع التصوير داخل الأقسام التعليمية دون الإذن، لكنها تراجعت عن هذا تاركة الاختيار لمديرية التربية بسبب الجدل وردود الفعل من المعلمين وأولياء الأمور، وكذلك نشطاء مواقع التواصل والإعلاميين المتضامنين. واعتبر هؤلاء أن هجوم الوزيرة يعود إلى المعاني والقيم التي صرحت بها المعلمة، والتي تعتبر تحدّياً واضحاً لبن غبريط بسبب موقفها من اللغة العربية بعد إطلاقها مشروع إصلاح تعليمي يعطي للغة الفرنسية النصيب الأكبر في المنظومة التربوية الجزائرية.




كسر الروتين الدراسي

تواصل "العربي الجديد" مع المعلمة صباح بودراس، والتي لم تحبذ الخوض في تفاصيل الإجراءات  القانونية التي تمت، لكنها أكدت عودتها للعمل بعد هذا الدعم الذي وجدته من الزملاء والطلاب وأولياء الأمور. وقالت "تخرجت من الصحافة والإعلام وعملت فترة في مجال الإذاعة، لكنني اتجهت لمجال أحبه، أستطيع من خلاله بناء جيل متوازن. فكوني إعلامية جعلني طفلة أستطيع التواصل مع الصغار، والخروج عن الطريقة التقليدية للدراسة، وكسر الروتين خصوصاً في الأسبوع الأول من المدرسة، ليكون بالنسبة إليهم موسماً للمرح".

وعن أهدافها من نشر فيديوهات عبر مواقع التواصل أوضحت أنه "يجب أن نغير صورة المعلم عند الطفل، والتي تصور الأول كأنه وحش شرير، لا يهتم إلا بملامح القسم المرتب واللوح المليء بالمعلومات. يجب أن تكون هناك أفكار لخلق جو من الصحة النفسية للتلميذ، وقد استخدمت وسيلة جديدة للتواصل مع الطلاب من خلال هذه الفيديوهات".

وبخصوص الانتهاء من التحقيق أكدت أنها كانت روتينية، ولفتت  إلى أنه "عقب نشر الفيديو فوجئت بالتصعيد الذي حدث، والموضوع منذ البداية لم يكن يجب أن تهتم به الوزيرة لهذه الدرجة. كما أن تأويل بعض الإعلاميين ساهم في تصعيد المشكلة، والتهمة في التحقيق كانت تصوير سيلفي في القسم، وهذا قد يكون الخطأ الوحيد. لكن رسالتي نبيلة ويجب أن تحظى بالتأييد، وهذه هي مشاريعي التربوية التي لن أتنازل عنها. وبالفعل أنا أجد ترحيباً من الآباء والأمهات. فقد طبقت العام الماضي مشروع المعلم الصغير، إذ يكون التلميذ المتفوق خلال الأسبوع معلماً لمدة ساعة في نهاية الأسبوع. ووجدنا نتائج جد رائعة وتبنيت هذا العام مشروع التربية الخلقية والذي أثار هذه الضجة. للأسف نحن نعاني من القراءة العكسية للقانون، الأشياء الهادفة نحاربها تحت وطأة القانون، ونبحث عن سبل تجريمها، في حين انتشر فيديو لبعض الطلبة يغنون أغنية سوقية في القسم، لكن تمت التغطية على المشكلة، ولم يفتح تحقيق في هذه القضية".

 

كما بينت بودراس أن مواقع التواصل الاجتماعي هي السبيل الأمثل للتواصل بين كافة المعلمين لتبادل الأفكار الجديدة، قائلة: "وصل صوتي إلى المعلمين الجزائريين في مختلف بلدان العالم، كما تواصلت مع معلمين من مصر والأردن والسعودية، والمعلمين العرب في تركيا تضامنوا معي من خلال تشجيع فكرة التربية الخلقية. فالمدرسة كيان بحاجة للارتقاء بالأفكار المفيدة، فالأجيال المقبلة لن تنجح إلا بفتح باب الحوار، والتواصل أساس نجاح العملية التربوية، فقبل أن أكون معلمة يجب أن أكون أمّاً وصديقة للتلاميذ".


قضايا تحتاج إلى التحقيق

وبالفعل، لاقت بودراس تضامناً كبيراً عبر مواقع التواصل، إذ قام المعلمون بنشر صور لهم مع التلاميذ، كما احتج أولياء أمور التلاميذ الذين ظهروا في الفيديو أمام المدرسة. وقال محمد بولحية، والد أحد هؤلاء الطلاب، إن "بودراس علمت ابني المعنى الحقيقي للإيجابية، فهي تعمل بهذه المدرسة منذ فترة طويلة، واستطاعت أن تستغل قدراتها للتأثير على التلاميذ، كما أن معدل ابني الدراسي ارتفع بسببها".

 

ويتفق معه والد آخر، فريد نور الدين، قائلاً:" نعلم منذ العام الماضي أن بودراس تصور أبناءنا داخل القسم، بل إننا ننتظر فيديوهاتها، وننتظر ما تعلمه لهم، وندعمها ونؤيدها في كل ما تغرسه، وهذه ثوابت إسلامية وقيم وطنية كيف نتناقش بها؟ بن غبريط تحارب من يقف في طريقها لفرنسة المدارس الجزائرية، فلماذا لم تهتم بن غبريط بما هو أهم؟ هناك المئات من التلاميذ يقطعون مئات الكيلومترات للوصول إلى مدارسهم؛ منهم من يركبون الحمير، وهناك من طردوا تعسفاً دون أن يكملوا دراستهم، وهناك أساتذة ومعلمون متعاقدون حُرموا من وظائفهم، وهناك عشرات الفضائح التي لم يفتح بعدها تحقيق".

بدوره، علق مدير منتدى العلوم الجزائري، الدكتور هادي زغينة، قائلاً "ما قامت به بودراس من صلب مهامها كمعلمة، فمحتوى الفيديو يهدف إلى ترسيخ ثوابت وقيم الأمة الجزائرية والتي ضحى من أجلها شهداء نوفمبر. استعملت التكنولوجيا الحديثة في تدريسها وهو من غايات المدرسة الجزائرية، والضجة التي ثارت تكشف ضعف تكوين الأساتذة الجدد في جميع المقاييس ومنها الجانب التشريعي، وعدم مواكبة المنظومة التشريعية التربوية للتطورات الحاصلة في العالم. حولتنا بودراس إلى أقزام حين رسمت لنا من داخل القسم الدراسي البسيط أعظم خارطة طريق للخروج من أنفاق الغربة والضياع. لقد كانت المعادلة في منتهى العبقرية، أطفال + أخلاق+ هوية = وطن عظيم".




المساهمون