31 أكتوبر 2024
الأزمة الليبية وصراع المحاور
تُنذر الأزمة الليبية بتداعيات جيوساسية، بعد قرار تركيا دعم حكومة الوفاق الوطني في حربها ضد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. ولعل ذلك قد يصبح الفصلَ الأكثرَ دراماتيكية في التقاطب الإقليمي والدولي الذي تشهده ليبيا والمنطقة العربية بوجه عام. وإذا كان الصراع على الغاز والنفط في شرق المتوسط يُشكّل الدافع الرئيسي لهذا القرار، فإن الأمر على صلةٍ، أيضا، بصراع المحاور الذي تشهده المنطقة منذ سنوات على خلفية الانتكاسة التي منيت بها معظم الثورات العربية بعد 2013.
يصعب فصلُ التطورات العسكرية والسياسية التي تعرفها الأزمة الليبية عما يحدث في سورية، لا سيما في المناطق الشمالية المتاخمة للحدود التركية، فلا يُستبعد أن يكون قرار تركيا، في جانب منه، محاولة لإعادة جدولة نفوذها على الساحة السورية، من خلال دفع الروس إلى إعادة حساباتهم في ليبيا مقابل تقديم تنازلات ميدانية في معركة إدلب الكبرى. بمعنى أن تركيا تسعى إلى أن يصبح الملف الليبي ورقةً في يدها في مواجهة النفوذ الروسي المتنامي في المنطقة. ولذلك ترسل إشارة بالغة الدلالة إلى الروس الذين تدخلوا في سورية بطلب من نظام بشار الأسد قبل أربعة أعوام، ذلك أن تدخلها المرتقب في ليبيا جاء، أيضا، بطلبٍ من حكومة الوفاق التي تعترف بها الأمم المتحدة ممثلا وحيدا وشرعيا للشعب الليبي.
وتتعاطى روسيا مع القرار التركي وفق ما لديها من أوراق بشأن الملف الليبي، فهي وإن لم تكن جزءاً من منظومة الدول الداعمة لحفتر، إلا أن هناك مرتزقة روساً في صفوف قوات الأخير، ولها قنوات للتواصل مع قياداتهم، ما يعني أن إمكانية انسحاب هؤلاء المرتزقة تبقى واردة في أي لحظة، لا سيما أمام إخفاق قوات حفتر في اقتحام طرابلس. ومؤكّد أن ذلك كله سيلقي بظلاله على مباحثات الرئيسين التركي، أردوغان، والروسي، بوتين، في أنقرة الأسبوع المقبل.
لا تنشغل تركيا كثيرا بتقديم سرديةٍ بشأن تدخلها المرتقب في ليبيا، وصلته بالموقف الروسي من ذلك، لكنها تبدو، من ناحية أخرى، معنيةً بتبرير تدخلها ضمن التقاطبات الإقليمية التي يشهدها الإقليم منذ العام 2013، فتدخلها لمساندة القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني جاء بطلبٍ من الأخيرة، بينما يمثل حفتر الذي يشكل المرتزقة الأجانب عصب قواته امتداداً لمشروع الثورة المضادة في المنطقة الذي تتزّعمه السعودية والإمارات ومصر، من خلال دعمها مشاريع الحكم العسكري، وسعيها إلى إجهاض مسارات التحول الديمقراطي. من هنا، يصبح إرسال قوات لدعم حكومة فايز السراج، وفق السردية التركية، شرعيا وأخلاقيا، لأنه يصبّ في مساعدة هذه الحكومة (الشرعية) في جهودها لإعادة توحيد البلاد وإحلال السلم الأهلي والسياسي من ناحية، وفي مناهضة الاستبداد الجديد في المنطقة من ناحية أخرى.
بهذا المعنى، يصبح تدخل أنقرة في ليبيا إعادةً لصياغة الدور التركي في المنطقة أمام عجز النظام الإقليمي العربي عن القيام بأدواره، واكتفائه بردود الأفعال المتأخرة. ولنا في النظام المصري أبلغ مثال على ذلك؛ فقد فضّل، لاعتباراتٍ ترتبط بضعف شرعيته الداخلية، أن يكون جزءا من محور الثورة المضادّة في مخطّطه لإجهاض الحل السياسي للأزمة الليبية، بمؤازرته حفتر الذي يمثل مشروع الاستبداد الجديد (العسكري بالضرورة) في ليبيا. والآن يجد هذا النظام نفسه في ورطةٍ حقيقيةٍ في ظل التبعات المحتملة للتدخل التركي في ليبيـا على الأمن القومي المصري. في حالة توصل الطرفين التركي والروسي إلى تفاهماتٍ بشأن هذه الأزمة، لا يُتوقع أن يصبّ ذلك فيما يشتهيه نظام عبد الفتاح السيسي الذي يرى في اقتحام قوات حفتر طرابلس، وإسقاط حكومة الوفاق الوطني عمقا استراتيجيا وحيويا له.
في ضوء ذلك كله، يقع التدخل المرتقب للقوات التركية في لبيبا ضمن سعي تركيا إلى إعادة تحديد موقعها في صراع المحاور الذي يشهده الإقليم، والذي يُنذر بأطوارٍ جديدةٍ يصعب التكهن بطبيعتها ومآلاتها.
وتتعاطى روسيا مع القرار التركي وفق ما لديها من أوراق بشأن الملف الليبي، فهي وإن لم تكن جزءاً من منظومة الدول الداعمة لحفتر، إلا أن هناك مرتزقة روساً في صفوف قوات الأخير، ولها قنوات للتواصل مع قياداتهم، ما يعني أن إمكانية انسحاب هؤلاء المرتزقة تبقى واردة في أي لحظة، لا سيما أمام إخفاق قوات حفتر في اقتحام طرابلس. ومؤكّد أن ذلك كله سيلقي بظلاله على مباحثات الرئيسين التركي، أردوغان، والروسي، بوتين، في أنقرة الأسبوع المقبل.
لا تنشغل تركيا كثيرا بتقديم سرديةٍ بشأن تدخلها المرتقب في ليبيا، وصلته بالموقف الروسي من ذلك، لكنها تبدو، من ناحية أخرى، معنيةً بتبرير تدخلها ضمن التقاطبات الإقليمية التي يشهدها الإقليم منذ العام 2013، فتدخلها لمساندة القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني جاء بطلبٍ من الأخيرة، بينما يمثل حفتر الذي يشكل المرتزقة الأجانب عصب قواته امتداداً لمشروع الثورة المضادة في المنطقة الذي تتزّعمه السعودية والإمارات ومصر، من خلال دعمها مشاريع الحكم العسكري، وسعيها إلى إجهاض مسارات التحول الديمقراطي. من هنا، يصبح إرسال قوات لدعم حكومة فايز السراج، وفق السردية التركية، شرعيا وأخلاقيا، لأنه يصبّ في مساعدة هذه الحكومة (الشرعية) في جهودها لإعادة توحيد البلاد وإحلال السلم الأهلي والسياسي من ناحية، وفي مناهضة الاستبداد الجديد في المنطقة من ناحية أخرى.
بهذا المعنى، يصبح تدخل أنقرة في ليبيا إعادةً لصياغة الدور التركي في المنطقة أمام عجز النظام الإقليمي العربي عن القيام بأدواره، واكتفائه بردود الأفعال المتأخرة. ولنا في النظام المصري أبلغ مثال على ذلك؛ فقد فضّل، لاعتباراتٍ ترتبط بضعف شرعيته الداخلية، أن يكون جزءا من محور الثورة المضادّة في مخطّطه لإجهاض الحل السياسي للأزمة الليبية، بمؤازرته حفتر الذي يمثل مشروع الاستبداد الجديد (العسكري بالضرورة) في ليبيا. والآن يجد هذا النظام نفسه في ورطةٍ حقيقيةٍ في ظل التبعات المحتملة للتدخل التركي في ليبيـا على الأمن القومي المصري. في حالة توصل الطرفين التركي والروسي إلى تفاهماتٍ بشأن هذه الأزمة، لا يُتوقع أن يصبّ ذلك فيما يشتهيه نظام عبد الفتاح السيسي الذي يرى في اقتحام قوات حفتر طرابلس، وإسقاط حكومة الوفاق الوطني عمقا استراتيجيا وحيويا له.
في ضوء ذلك كله، يقع التدخل المرتقب للقوات التركية في لبيبا ضمن سعي تركيا إلى إعادة تحديد موقعها في صراع المحاور الذي يشهده الإقليم، والذي يُنذر بأطوارٍ جديدةٍ يصعب التكهن بطبيعتها ومآلاتها.