تخيّم حالة من الجمود على الساحة السياسية الباكستانية، إثر استمرار الاعتصامات التي يقودها زعيم "حركة الإنصاف" عمران خان، وزعيم "الحركة الشعبية" و"منهاج القرآن" طاهرالقادري في المنطقة الحمراء، بالقرب من مقرّات حكومية هامة وسط العاصمة الباكستانية إسلام آباد.
وفشلت كل جهود الوساطة بين الحكومة ومعارضيها، ووصلت إلى طريق شبه مسدود، بسبب إصرار كل طرف على موقفه، في وقتٍ تدخل فيه الاعتصامات الهادفة إلى إطاحة حكومة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، شهرها الثاني يوم السبت المقبل، دون وجود مؤشرات إلى حلّ المعضلة التي أضرّت البلاد سياسياً واقتصادياً.
وعلى الرغم من رفض الحكومة الباكستانية والأحزاب السياسية والحركات الدينية المؤيدة لها استقالة شريف من منصبه، إلا أن خان والقادري لم يغيّرا موقفهما، وظلّا يصرّان على مواصلة الاعتصامات المفتوحة لحين الإطاحة بالحكومة وتنفيذ مطالبهما.
وأكد في كلمة أخيرة له أمام مؤيديه أن "الاعتصامات لن تنتهي حتى يعلن شريف تنحّيه عن منصبه". وطالب أنصاره في مختلف مناطق باكستان بالتحرّك نحو العاصمة والمشاركة في اجتماع السبت. لكن القادري بدا متفائلاً وبشّر أنصاره في خطاب له، بإسقاط حكومة شريف خلال الشهر الجاري، والعودة إلى منازلهم قبل عيد الأضحى، مطلع الشهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل. إلا أنه أصرّ كذلك على عدم الرجوع قبل تنحّي رئيس الوزراء.
وعلى العكس من ذلك، تعتبر الحكومة الباكستانية استقالة رئيس الوزراء أمراً غير دستوري وغير منطقي، وغير قابل للتفاوض. وأشار وزير الاعلام برويز رشيد في هذا الصدد، إلى أن "الحكومة مستعدّة للتفاوض بشأن جميع مطالب المعارضة، ومنها إجراء تعديلات في قانون الانتخابات والتحقيق في انتخابات العام الماضي"، التي يزعم خان وقوع تزوير فيها لصالح شريف".
ولفت رشيد إلى أن "البرلمان الاتحادي رفض استقالة رئيس الوزراء، وعارضته مجمل الأحزاب السياسية والحركات الدينية الممثلة في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. لذا ترفضه الحكومة، ولا تقبل مناقشته".
وبموازاة الاعتصامات يواصل البرلمان الفدرالي، بغرفتيه الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، جلساته بشكل يومي، وأعلنت معظم الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان الوقوف إلى جانب رئيس الوزراء، ورفض مطلب المعارضة بتنحّي رئيس الوزراء. واعتبرت أن التحرك الاحتجاجي يهدف إلى اطاحة النظام الديمقراطي وإتاحة الفرصة لانقلاب عسكري.
ويشدد البرلمانيون خلال خطاباتهم على ضرورة إنهاء الاعتصامات، مؤكدين أن "المعتصمين دخلوا إلى المنطقة الحمراء بطريقة غير شرعية". وطالب بعضهم، كحزب "الشعب جناح شيرباؤ" الحكومة بقبول استقالات أعضاء البرلمان المنتمين إلى "حركة الإنصاف". رفضت الحكومة لعدم رغبتها في ذلك، كونه سيغلق كل أبواب الحوار بين الطرفين، كما أشار إلى ذلك المتحدث باسم حزب "الرابطة الإسلامية" الحاكم صديق الفاروق.
وكما لم تتمكن الحكومة من إقناع خان والقادري بالتراجع عن موقفهما، فهي كذلك فشلت في منع أنصارهما من المشاركة في الاعتصامات، على الرغم من استخدام كل السبل المتاحة لديها، بدءاً بقطع الطرق بالحاويات والأسلاك الشائكة، مروراً باستخدام القوة وانتهاءً بتحذيرات من إمكانية تسلّل الانتحاريين إلى العاصمة، واستهدافهم الاعتصامات، في وقتٍ لا يزال فيه أنصار القادري وخان يتوجهون من المدن الباكستانية نحو العاصمة للمشاركة في الاعتصامات.
وكان لافتاً أيضاً أن موقف الجيش الباكستاني إزاء الأزمة الحالية قد وضع الحكومة في موقف حرج، وعلى الرغم من مضيّ شهر تقريباً على الاعتصامات، وتعثّر المفاوضات أكثر من مرة، إلا أن الحكومة لا يمكنها استخدام القوة لفضّ الاعتصامات، ومنع أتباع خان والقادري من المشاركة فيها، وذلك لأن الجيش حذّر طرفي الصراع من اللجوء إلى القوة بعد مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن مطلع شهر سبتمبر الحالي، والتي أدت إلى مقتل أربعة محتجين وإصابة أكثر من 500 آخرين من محتجين وعناصر أمن إثر محاولة المحتجين اقتحام مبان حكومية.
وفي محاولة لإنهاء الجمود السياسي، يواصل قياديون في أحزاب سياسية وحركات دينية جهود الوساطة بين الطرفين، وعقد وفد السياسيين البارزين، وفي مقدمتهم زعيم "الجماعة الإسلامية" سراج الحق ووزير الداخلية السابق والقيادي في حزب "الشعب" الباكستاني رحمن ملك، اجتماعات عدة مع وفد الحكومة ووفدي خان والقادري، ولكن من دون أية نتيجة. واعتبر الوفد أن استقالة رئيس الوزراء عائق أساسي أمام التوصل إلى التسوية.
بدوره، دعا ملك الحكومة والمعارضة معاً إلى المرونة في موقفهما لصالح البلاد والحفاظ على النظام الديمقراطي. وأكد أن الأزمة تستفحل يوماً بعد يوم، وتستدعي من الحكومة ومعارضيها، تقديم مصلحة البلاد على مصالحهما الشخصية والحزبية.
في الأثناء، حذرت الداخلية الباكستانية من تسلل ستة انتحاريين إلى إسلام آباد. وذكرت في بيان لها، أن التقارير الاستخبارية تؤكد استهداف الانتحاريين الاعتصامات وقياداتها. وأمرت بتشديد الإجراءات الأمنية في المنطقة الحمراء وبالقرب من مواقع الاعتصام.
ودعا زعيم "الحركة القومية المتحدة" إلطاف حسين، وزعيم "مؤتمر العلماء" العلامة طاهر أشرفي، قادة الاعتصامات إلى إنهاء حالة من القلق الذي يسود المنطقة بسبب الاحتجاجات الحالية، والمشاركة في عملية إغاثة المتضررين جراء الفيضانات الجارفة التي اجتاحت مناطق واسعة في إقليمي البنجاب وكشمير. وأدت الفيضانات إلى مقتل وإصابة المئات وتشريد الآلاف. لكن لا يبدو أن لدى المعارضة نية لإنهاء الاعتصامات، خصوصاً أنها نصبت مجدداً مئات الخيم في أرجاء المنطقة الحمراء للمعتصمين، وأقامت مدارس مفتوحة أمام مبنى البرلمان، سُميّت "مدارس الانقلاب"، بالإضافة إلى إقامة أسواق صغيرة داخل المنطقة الحمراء توفر للمعتصمين الحاجات اليومية.