الأزمات العربية تنعكس انخفاضاً في إنتاج الكتب في لبنان

23 اغسطس 2016
دور النشر تعاني من غياب الدعم (رنا الموسوي/فرانس برس)
+ الخط -
كان لبنان يعتبر مقصداً في صناعة الكتب ونشرها لعدد كبير من الدول العربية، نظراً للتكاليف المقبولة وجودة الإنتاج، وكذا بسبب حرية التعبير التي لا تزال محصّنة نسبياً مقارنة مع الدول العربية الأخرى.

ويعمل في هذا البلد المئات من دور النشر وكذا العديد من المطابع الورقية، التي تشغّل الآلاف من عمال التجليد والطباعة، ومن الموظفين المتخصصين في الطبع والتدقيق والترجمة وغيره...

وفي حين يشكو هذا القطاع من تراجع الاستهلاك المحلي للكتب، أضيفت إلى أزماته عدم قدرة
العديد من الكتّاب العرب على النشر من لبنان بسبب الأزمات التي تدور في بلدانهم، منها السياسية والأمنية، وكذلك الاقتصادية، وكذلك إحجام عدد من الحكومات العربية عن اللجوء إلى السوق اللبنانية لنشر وطباعة الكتب المدرسية والمنشورات والمطبوعات الرسمية. 

إذ يشكل قطاع النشر وفق العاملين فيه، نسبة معتبرة من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان، لكن يواجه اليوم أزمات عديدة أدت في بعض الأحيان إلى إقفال بعض دور النشر والمطابع، وفقدان مئات العمال وظائفهم.

يقول محمد، وهو محاسب حرّ يتنقل في عمله بين دار نشر وأخرى، أن صناعة الكتب من أهم القطاعات الإنتاجية المحلية، وتقسم دور النشر على الشكل التالي: منها يعمل من خلال تمويل سياسي وديني وبالتالي الاستمرارية تكون مرتبطة بالتمويل وليس بمردود الإنتاج "كما هو معروف يوجد العشرات من دور النشر المتخصصة بالكتب الدينية والحزبية، وهذه الدور تخرج من المعادلة الاقتصادية بما خص التكاليف والعائدات".
وهناك دور نشر كبرى لا تعتمد على الإصدارات من كتب المؤلفين، بل على نشر كتب مدرسية ومطبوعات رسمية لدول عربية وأجنبية، كما أنها تلتزم الأعمال وفق مناقصات عربية ودولية.

ويضيف محمد أن الدور المنتجة والكبيرة التي تتصدر المشهد الثقافي في البلد إنتاجها ثابت ويرتفع أحياناً، لكن مشكلتها تنقسم على ثلاثة عوائق، أولها السوق المحلية اللبنانية الصغيرة التي لا يمكنها استيعاب الإنتاج الضخم للكتب، وهذه الدور تصدّر غالبية إنتاجها إلى دول العربية، ولكن المشاكل الاقتصادية في مصر وتونس والمغرب والجزائر والحروب في اليمن وليبيا وسورية والعراق أدت إلى تراجع المبيع، وبالتالي يتكدس الإنتاج في المستودعات.

أما الجانب الثاني يتابع محمد، يتجلى في التحويلات المادية من الخارج بعد المشاركة في المعارض أو الحصول على التزام ما في إحدى الدول، فالتشدد المصرفي على التحويلات يؤدي إلى تأخيرها، وذلك ينعكس على المطابع وعمال الصف والتدقيق والورقيين والمجلدين.

ويضيف محمد أن الجانب الثالث يكمن في فرق العملة، فلبنان يعتمد الدولار للتسعير، مثلاً كتاب كلفته 10 دولارات في لبنان، بيع العام الماضي في مصر بسعر 9 جنيهات، أما هذا
العام أصبح سعره 13 جنيهاً. ويختم محمد أن العديد من دور النشر بدأت تبيع ممتلكاتها من أجل الاستمرارية، وذلك ينقسم بين بيع مستودعات، أو حقوق النشر والامتيازات لدور نشر أخرى.

من جهتها، تشير المديرة العامة لدار الآداب، رنا إدريس أن الإصدارات ثابتة منذ سنوات، لكن كمية الطبع تراجعت. ففي السابق كان النشر يصل إلى 5 آلاف نسخة لكل كتاب، اليوم تراجع العدد إلى ما بين ألف وألفي نسخة في المادة الأدبية، أما في الشعر مثلاً قد لا يتخطى العدد 500 نسخة.

وتضيف إدريس أن الظروف الاقتصادية والحروب في العالم العربي أدت إلى تراجع سوق النشر في لبنان. وتخص بالذكر القارئ السوري والعراقي اللذين كانا من القراء الأساسيين، ولكن الحروب في تلك البلاد كبحت السوق.

وتشرح إدريس أن الدور الكبيرة والقديمة لم تتأثر بالأزمة كثيراً وذلك بسبب حضورها والمادة التي تقدمها، ومن الناحية التجارية هي تمتلك أرشيفاً ضخماً يمكّنها من إعادة إصدار ما تشاء من كتب عند الحاجة.

بدوره، يقول المدير العام لدار الفارابي، حسن خليل، أن حجم الإنتاج في الدار يعرف تصاعداً ملحوظاً في السنوات الخمس الأخيرة "الدار ينتج ما يعادل كتاباً في اليوم الواحد أي حوالي 214 كتاباً في العام، أي ما يوازي 220 يوم عمل تقريباً. وهذا الرقم ليس بالسهل لكن لا يعني أن الوضع العام سليم".

ويشرح أن "الإنتاج كبير، ولكن التصريف للدول العربية تراجع خلال الفترة الأخيرة في ظل وجود أزمات اقتصادية وحروب تعاني منها العديد من الدول العربية". ويشير خليل إلى أن نسبة تصدير الكتاب تتخطى الـ 50% من الإنتاج في لبنان، لافتاً إلى أن الدولة غائبة تماماً عن مساعدة دور النشر في عملية الصمود، باستثناء ما تقوم به وزارة الثقافة من دعم لعدد صغير من الكتّاب وذلك من خلال شراء بعض الكتب وتوزيعها على المكاتب العامة.
ويؤكد أن "هذا طبعاً غير كاف، فالدورة النشرية تعاني الكثير من الصعوبات والتحديات". ويختم الدكتور حسن برفضه الكلام المشاع عن تأثير الإنترنت على الكتاب الورقي، ويقول: "إننا كدار ننشر بعض الكتب عبر المواقع لكن السوق الرئيسية مرتبطة بالكتاب الورقي".
دلالات
المساهمون