الأرستقراطية.. قبلة المصريين

07 ابريل 2018
+ الخط -
ذات يوم، أعلنت شركة عقارات في مصر فتح باب الحجز للوحدات السكنية في التجمع الخامس. كان سعر أصغر الوحدات لا يقل عن مليوني جنيه، وكانت المفاجأة أن موظفي المبيعات في الشركة وجدوا أنفسهم أمام طوابير طويلة من حاملي حقائب مكدسة بأموال، ربما تكون فائضة عن حاجتهم، وربما تكون إجمالي إدخار سنوات العمر كلها. والمفاجأة الأكبر أن كل هؤلاء على علم بأن هذه الوحدات لن يستلموها قبل ثلاث سنوات، وحتي بعد الإستلام، ستكون هناك حالة من الركود في سوق العقارات، ما يعني أنه لا أرباح شهرية ولا سنوية متوقعة، فلماذا يتهافتون على الشراء؟ السبب هو عقدة الارستقراطية، أو كما يسمونها في مصر "علشان نبقى كلاس"، هذة العقدة قديمة، قدم النظام الطبقي في المجتمع المصري، والذي يرجع إلى فترة الملكية وما قبل ثورة 1952. وحسب هذا النظام، المصريون هم ثلاث طبقات: الارستقراط والوسطى والدنيا. هذا التقسيم مبني على عدة معايير، أهمها القرب من الحاكم والنفوذ والإقطاع والثروة والتعليم والثقافة.
حقوق الإنسان، بما فيها من عدالة وكرامة ورفاهية واحترام وقبول إجتماعي، كانت حكرا علي الأرستقراط، وكانت الطبقتان، الوسطى والدنيا، محرومتين من أغلب هذه الحقوق.
وبدلا من أن يهب أبناء الطبقتين، الوسطى والدنيا، لإنتزاع حقوقهم الإنسانية من الأرستقراط، هرع كل واحدٍ من أفراد هاتين الطبقتين، ليقاتل من أجل دخول هذه الطبقة، ومن لم يستطع يدور في فلكهم، أملا في أن ينال بعضا من حقوقه الإنسانية. وعلى الرغم من أن الأرستقراط أمعنوا في توسيع الفجوة بينهم وبين الطبقتين الوسطى والدنيا، إلا أن أبناء الطبقتين ظلوا يطاردونهم مهما كان الثمن الذي يدفعونه.
فعلى سبيل المثال، أمعن الأرستقراط في الغوص في الثقافة الغربية إلى درجة تقليد الغرب في كل شيء، طريقة الأكل واللبس وغيره من تبني الأفكار الدخيلة. وهذا ليس غريبا، إذ طالما كان هؤلاء الطفل المدلل للمستعمرين.
لكن الغريب والمفاجئ أن يسير أبناء الطبقتين، الوسطى والدنيا، على خطى الارستقراط نفسها، فالرجال خلعوا جلابيبهم ولبسوا البدلة وربطة العنق، والنساء لبسن الفساتين القصيرة المفتوحة، إلى درجة أنه في مناطق الصعيد مثلا أصبحت المرأة تلبس فوق الفستان القصير المفتوح ملاءة سوداء، حتى توازن بين الشكل الإستقراطي وشكل المرأة في العرف، ناهيك عن انتشار الفكرين، العلماني والمادي، وتقلص المخلصين للفكر الديني أو العرف الإجتماعي.
ما سبق يجعلنا أمام سؤال: ما الذي يجعل أبناء الطبقتين الوسطى والدنيا يتسابقون على الدخول إلى طبقة الإرستقراط؟ السبب هو الجهل، والعلاج هو العلم، فلو تعلم الإرستقراط، سيعلمون أن أفضل ضمان لبقائهم بدون صراعات ومخاطر أن يعطوا أبناء باقي الطبقات حقوقهم الإنسانية، حتى وإن لم يشاركوهم في ثرواتهم كلها، ولو تعلم أبناء الطبقة الوسطى والدنيا، سيعلمون أنهم لابد أن ينازعوا الإرستقراط على حقوقهم الإنسانية، بدلا من إنهاك أنفسهم في الركض خلف الارستقراط والتخلي عن ثقافتهم وأعرافهم، راضين ببعض الفتات من حقوقهم.
A129E024-7A58-4B1E-A2CB-2BE399D9FA79
A129E024-7A58-4B1E-A2CB-2BE399D9FA79
أحمد حاتم (مصر)
أحمد حاتم (مصر)